هل كوني امرأة يحدّ من تأثيري؟
باب: كيف أترك بصمة
الكاتبة: رُبى ريحاني
التاريخ: نوفمبر 14, 2023
هل كوني امرأة يحدّ من تأثيري؟ هناك فرق بين التأثير والشهرة، فالمشهور ربما قام بعمل ما فأصبح مشهوراً بمحض الصدفة، أما المؤثّر قد لا يعرفه كثيرون، لكن له تأثير كبير. إذن الشهرة ليست التأثير. ليس كل مشهور مؤثرًا، وليس كل مؤثر مشهورًا. لنتفّق إذاً على أن كلمة التأثير ليس لها علاقة بمنصب مهني أو اجتماعي أو أيّ كان. وأن التأثير لا يُباع ولا يُشترى؛ لأن أساسه داخلي وليس خارجياً. فالتأثير يبدأ في حياة الإنسان من طفولته في عائلته. فالبيت هو المصنع الأساسي للتأثير، والذي يظهر من خلال الأب والأم وتأثيرهما على أبنائهم بسلوكهم السوي وتعاملهم بعضهم مع بعض باحترام.
هناك مقولة تقول.......
سؤال وجواب
قد يكون أهم مجال تأثير هو القدرة على التأثير في الذات أي في المجال الذي يخصّني كامرأة وإنسانة ومواطنة. فكلما كان مسار تأثيري مرتبطًا بمعرفتي بنفسي وقدرتي على إدارة أفكاري ومشاعري، كنت أكثر قدرة على العطاء للآخرين.
يختلف العطاء عن التأثير، فالعطاء أكثر سعة وهو مرتبط بدافع ذاتي، أما التأثير فهو مرتبط بالقدرة على إحداث تغيير محدّد ولسبب محدّد، فهو بالتالي يعتمد على وضوح الهدف وطرق الوصول إليه.
قد يكون من المهم طرح السؤال التالي: ما هي حاجتي للتأثير في الآخرين؟ هل هم بحاجتي أم إنني بحاجة لأن أعرف حاجتي للتأثير؟!
لمجرّد كوني امرأة فإنه محكوم على ما يمكنني تقديمه سلفًا بأنه ليس ذا قيمة. كيف أتعامل مع مَن يستضعفونني ويقلّلون من تأثيري ودوري في صنع فرق في الحياة؟
في حياتنا عدّة دوائر من العلاقات، هناك الدائرة المقرّبة وهم الأشخاص الذين يساندوك ويدعموك ويسعون للتخفيف عنك لا البحث عن أخطائك ومعاتبتك، هؤلاء هم الذين يتمنّون الخير لك، وفي غيابك يذكرونك بالخير. اقترب من مثل هؤلاء الأشخاص واستثمر في علاقتك معهم، فهم من يؤمنون بك ويمدّونك بالقوة والدعم والتشجيع متى احتجت. أما أولئك الأشخاص الذين يحكمون عليك ولا يؤمنون بك بل يقلّلون من شأنك فحافظ على علاقة رسمية معهم، وبحدود واضحة ولا تسمح لسلبيتهم أن تستنزفك.
ناقشنا في سؤال سابق كيفية تكوّن الصورة الذاتية لكل إنسان بناء على تراكم خبرات عاشها، وكيف إن إدراكنا الطفولي لما حدث لنا يقودنا لتفسير كل شيء وكأننا السبب لكل ما يحدث. فنحن السبب في أي خبرة سلبية أو نقص لاحتياج لم نحصل عليه.
وهذه التفسيرات تشوّه مفهومنا ومنظورنا لأنفسنا مع الوقت. تغيير هذه الصورة هو رحلة من النضج والشفاء من تلك التشوّهات في إدراكنا لماضينا. فهو مرتبط بدرجة أساسية بإعادة قراءة ماضينا الشخصي وخبراتنا السلبية، والوعي لها من منظور ناضج ومنطقي. فمثلاً عدم حصولي على حبّ واهتمام وتواجد والديّ في طفولتي لم يكن بسبب كوني طفلًا سيئًا، ولكن قد يكون بسبب ظروف معينة للأهل، أو لأن الأهل نفسهم قد جاءوا من ماضي محروم من الحبّ، وهم كذلك لديهم صورة متدنيّة لذواتهم.
يرتبط التغيير كذلك بالتعامل مع الجروح التي تشكّلت بسبب ما لم نحصل عليه من حاجات أساسية، أو بسبب ما حدث لنا ولا ذنب لنا فيه. كما وقد ناقشنا موضوع التعافي من جروح الماضي في سؤال سابق. من خلال هذه الرحلة يمكنني البدء برؤية نفسي بطريقة جديدة تتسّم بالتعاطف والقبول، فأتحرّر بالتالي من ما تعلّمته عن نفسي من الماضي. وبالتالي أتمكّن من بناء خبرات جديدة. فمثلًا أرى عدم موافقة شخص ما على كلامي ليس رفضًا لي ناتجًا عن خبرتي السابقة عن نفسي والتي تقول بأني غير جدير بالقبول. بل أراها رأيه الشخصي الذي هو اختلاف لا يُشعرني بالتهديد. فوعيي لما حدث ليّ في الماضي وإدراكي لواقعي بطريقة ناضجة هو ما يساعدني في إعادة بناء صورة صحيّة وواقعية ومتزنّة عن نفسي.
إن لصفات الشخصية دور كبير في تواصلك مع الآخرين و تأثيرك عليهم، فنفس هذه الصفات يمكن أن تقرّبك منهم أو قد تبعِدك وتعزلك عنهم. لذلك من المهم أن تلاحظي كيف يتجاوب الأشخاص مع بعض صفات شخصيتك، وبناء على ذلك تقومين بالتغيير أو التعديل أو الإبقاء عليها كما هي.
هذا بالطبع يعتمد على مَن هم الأشخاص وطبيعة علاقتك بهم ورغبتك في شكل العلاقة معهم. فمثلًا أن تكوني حازمة جداً في قراراتك قد يكون أمرًا مفيدًا ومهمّاً لك في عملك، لكنه قد يعزلك ويحدّ من تواصلك مع العائلة والأصدقاء، لذلك قد تحتاجين أن تكوني مرنة أكثر معهم لتسهيل التواصل والتأثير الإيجابي فيهم. إن مراجعتك لصفاتك وتغييرها أو تعديلها لا يعني الازدواجية في المعايير أو الشخصية بل بالعكس هو يعكس نضوج الشخصية و فهمك للآخرين ولنفسك ومعرفتك لطبيعة التأثير و نوع الانطباع الذي ترغبين في تركه لدى الآخرين.
يرتبط خوف المجتمع عادة بأي سلوك يكون خارجًا عن النمط المألوف، ويهدّد منظومة القوى السائدة التي تعزّز أنماطًا لأدوار المراة والرجل، بل وتعزّز ثقافة ما هو السلوك المقبول والسلوك غير المقبول من المرأة أو الرجل أو كليهما.
من هنا فإن التعميم بأن المجتمع يخاف من المرأة القوية هو أمر يحتاج إلى مراجعة. فالأدقّ هو إن المرأة عندما تعبّر عن نفسها أو عندما تقوم بسلوك ما فهذا يشير إلى قوّتها في اتخاذ القرار أو في تحدّي النمط السائد في القيادة.
قد تكون الإجابة على هذا السؤال هي نعم ولا. نعم لأن شخصيتي تحدّد مدى تأثيري على الناس من حولي لأن أول ما يراه الناس هو الشخصية، وهي إما تجذب أو تنفّر. أي تولّد الرغبة في الحديث إلى الشخص أكثر أو التعلّم منه أو التأثر به أو اتّباعه وجعله القائد لي ومصادقته.
وهي لا تعتبر التأثير الوحيد الثابت، لأن الشخصية قابلة للتطوير. فأنا مثلاً على الصعيد الشخصي كنت خجولة أتجنّب الآخرين والتعامل معهم ولكن شخصيتي تطوّرت وأصبحت أكثر تفاعلاً مع الآخرين وقادرة على الوقوف أمام الجمهور، فشخصيتي الداخلية هي نفسها ولكنّها تطوّرت. فالشخصية يمكن أن تحدّد التأثير ولكنهّا ليس العامل الوحيد لأنها تتطوّر وهي مهارة يمكن تعلّمها، فنحن نتعلّم كيف نؤثر وأن نكون مؤثرين.