ما هو سن العنوسة؟
باب: من أنا اليوم
الكاتبة: مريم ريان
التاريخ: فبراير 7, 2024
لم يعد سراً أنّ عنوسة الفتيات والشباب، أصبحت ظاهرة اجتماعية تدعو للقلق الحقيقي وتستوجب جرأة في إيجاد الحلول. وفي تذليل العقبات المادية والاجتماعية والمعنوية التي جعلت الزواج وبناء الأسرة مشكلة تفوق طاقة الشباب الذين يعانون من ضعف الحال، ومن ضخامة المتطلّبات، ومن اتساع دائرة المثيرات والمغريات.
أظهرت بعض الدراسات أنّ نسبة العزوبة لدى الفتيات والشباب ارتفعت جداً في الآونة الأخيرة. مما يشكّل مشكلة حقيقية تستوجب تكاتف جميع المؤسسات الرسمية والاجتماعية. لكنّ الشباب أنفسهم يتحمّلون بالتأكيد مسؤولية أساسية في الجرأة على تذليل الكثير من المعيقات.
لكن ماهو المقصود بالعنوسة؟
وبالتحديد ما هو سنّ العنوسة الذي عنده يبدأ همس الأهل والأقارب والأصحاب يُقلق الفتاة والشاب؟ منذ خمسين عاماً كان سنّ العشرين هو بداية التحذير من عنوسة الفتاة. والآن بعد الدراسة الجامعية أصبحت عزوبة الفتاة حتى سنّ الخامسة والعشرين والثلاثين أمراً طبيعياً. وبالنسبة للشاب حتى سنّ الخامسة والثلاثين وربما الأربعين. وفي كل الأحوال فإنّ تعبير العنوسة على صعوبته هو عرف اجتماعي يختلف من بيئة محلية إلى أخرى. لكن الجميع يتفقون على أنه أضحى مشكلة تحتاج إلى مواجهة جماعية جريئة، طليعتها الشباب أنفسهم.
الشباب هم أصحاب القرار! شريحة واسعة من الشباب اتفقت آراؤهم على أن الأسباب المادية هي العائق الأساسي أمامهم للزواج. غلاء المعيشة وضعف إيجاد فرص عمل، انخفاض الأجور وارتفاع تكاليف الزواج هي من أهم أسباب عزوف الشباب عنه. إذ يصعب الزواج في ظلّ ظروف اقتصادية صعبة، وارتفاع تكاليف الزواج لا يعطي للشاب فرصة للتفكير فيه. الرسالة تبدأ بالتربية في الأسرة والجامعة ومؤسسات رعاية الشباب لإنشاء جيل واعٍ يتحمّل المسؤولية ويُقدِّر معنى الزواج والأسرة.
وهذه بعض الآراء حول موضوع العنوسة:
الآباء متّهمون بتأخير زواج أبنائهم سواء لأسباب التعليم، أو حتى من أجل تزويجهم بالشكل اللائق- تقليداً للآخرين في المغالاة بمتطلبات الزواج. إنّ الدراسة شيء مهم، يجب أن يُكمل الأبناء دراستهم أولاً، فالشاب عليه أن يعمل ويبني نفسه قليلاً، خاصة إذا لم يكن باستطاعة أهله مساعدته. أما الفتاة فإنها تتزوج عندما يأتي نصيبها مع رجل يستطيع توفير حياة كريمة لها. أيام زمان كان الأبناء يسكنون عند أهلهم، أما الآن الحياة مختلفة والعوائق المادية كبيرة. هذا مايسبّب تأخر الزواج. العنوسة للفتاة بعد سنّ الـ3، رغم زواج بعضهنّ بعد هذا العمر إلا أنه ليس قاعدة. أما الرجل فعمره ليس مهماً حيث يستطيع الزواج متى شاء.
دور الشباب ومسؤوليتهم
إنّ العنوسة لفظ يطلق على المرأة والرجل على حدٍّ سواء، أما التركيز في المصطلح على المرأة فهو لاعتبارات اجتماعية. يتمّ التركيز على الفتاة في هذه المسالة بسبب ارتباط عمر المرأة بقدرتها على الإنجاب. كلّما تقدّمت بالسن تقلّ احتمالية الإنجاب، والتعرّض للأمراض يزيد. السبب الآخر اجتماعي حيث النظرة للمرأة من ناحية جمالية وصغر السن. ويرتبط ذلك بالصحة وتقدّمها بالعمر والهرم قبل الرجل. أيضاً الرجل هو مَن يتقدم للزواج عندما يقرّر ذلك وليس العكس، وإذا حدّثت المرأة نفسها بالزواج فليس بيدها شيء، فهي ليست صاحبة القرار. أما لقب عانس بعد تجاوز المرأة سن الـ30 / فهو ليس حكماً شخصياً، إنما هي نظرة المجتمع والرجل لذلك.
الشباب بحاجة للوعي والقوّة لتخطي أفكار المجتمع السلبية. هناك أسباب تتعلّق بالفتاة في تأخر سنّ الزواج. منها اشتراط الفتيات لمواصفات معينة بالرجل وهو من حقّها. لكن شروطها أصبحت متأثرة بالمسلسلات وقصص فارس الأحلام، حيث تتضمّن الشكل والوظيفة والوضع المادي والعائلي.
بعض الفتيات يرفضن الكثير من الفرص لهذه الأسباب، أيضاً رغبة الفتاة بالعمل الذي يكون على حساب الزواج حيث تنسى نفسها في أجواء العمل والصديقات والحرية. الكثير من العاملات في المؤسسات غير متزوّجات وهذه ظاهرة منظورة. وهناك أسباب أخرى تتعلق بالأسرة، بعض الفتيات يرفضن الزواج للاعتناء بالوالدَين وهذه نظرة بحاجة للتصحيح فالفتاة لا تعيش وحدها بعد وفاة والدَيها بل تذهب إلى بيوت الإخوة، ويسبب ذلك الكثير من المشاكل مع زوجاتهم.
فتيات أخريات يُردن الزواج من شاب معين، إذا تمّ رفضه تعزف عن الزواج. الكثيرات يركّزن على النواحي المادية وشعورهنّ بأن الزواج قيد لهنّ علماً بأن الزواج للمرأة والرجل ليس قيداً وإنما تنظيم حياة جديدة فيها العديد من المسؤوليات. إذا المسؤولية هي القيد الذي يفترض أن يكون قيداً محبَّباً للنفس كما هي الإشارة الضوئية… قيد للسائق لكنها تنظِّم السير وتمنع الحوادث. كما تتأثر بعض الفتيات بتجارب فاشلة في زواج مَن حولها، مثال: طلاق الوالدَين حيث تتألم نفسياً وتعزف عن الزواج.
أما الأسباب التي تتعلّق بالشاب
فهي اشتراط الشاب لمواصفات جمالية معينة مثالية وحتى خيالية، بالإضافة إلى مستوى علميّ معين ووظيفة جيدة وسنّ صغيرة. هنا نلحظ التناقض فالدراسة والوظيفة يأخذان من عمر الفتاة. ولذلك يجب ألا تصبح الطلبات عائقاً أمام الزواج. كذلك عدم رغبة بعض الشباب في تحمّل المسؤولية، والشعور بأنّ الزواج سيكلّفه بمتطلّبات قد لا يستطيع الوفاء بها. وعموماً فإنّ النواحي الاقتصادية هي النقطة الأساسية التي تشغل الشاب إذ يواجه غلاء المعيشة والبطالة وتدنّي مستوى الدخل وارتفاع تكاليف الزواج، وكلّ هذا يؤثر في نفس الشاب ويجعله يعزف عن الزواج.
لكنّ الشاب والفتاة ليسا المسؤولَين الوحيدين عن تأخّر الزواج. فهناك جزء من المسؤولية يقع على عاتق الأهل، فعادات وتقاليد بعض الأسر مثل عدم تزويج الصغرى قبل الكبرى حتى لا يؤثر ذلك على نفسيّتها، بينما هم بذلك يقفون عائقاً أمام ابنتهم. كذلك العلاقات الاجتماعية الضعيفة فلا يدري أحد بوجود فتاة في العائلة في سنّ الزواج، أيضاً إذا كان في الأسرة حالات طلاق أو مشاكل اجتماعية.
إذا ما هو الحلّ؟
الوعي بأهمية الزواج وبناء الأسرة هو أحد الحلول للعنوسة التي لا بدّ أن تشارك فيها عدّة جهات مثل: وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية والمؤسسات الشبابية والمنظمات النسائية. وهؤلاء يتوجّب عليهم العمل لتيسير سبل الزواج من خلال تقليل متطلبات الزواج الكمالية، إلى جانب بناء القدوة الحسنة والنماذج الإيجابية من قِبَل الشخصيات الاجتماعية المختلفة.
ولا ننسى دورَ الإعلام في إبراز مثل هذه النماذج. من الحلول أيضاً دعم المؤسسات المعنية بالزواج والأعراس الجماعية باعتبارها وسيلة عمليّة لتقليل التكاليف. وكذلك التوسع في تقديم القروض الحسنة للمقبلين على الزواج. ومن الممكن أيضاً أن تقوم كل مؤسسة بمساعدة موظّفيها على الزواج عن طريق المنح أو القروض، كما ينبغي إحياء التكافؤ الاجتماعي بين أفراد المجتمع بتقديم العون والهدايا النافعة للمتزوِّجين، وإيجاد مشاريع سكنية للمُقبلين على الزواج من ذوي الدخل المحدود.
إنّ تقديس الغرائز الإنسانية بالطرق المشروعة هي من الأمور المهمّة لكل شاب وفتاة. وتعلّمنا كلمة الله الكثير حيث أغلقت جميع الأبواب التي تدعو للفساد، وحذّرت من التسيُّب والعبث في النظام الطبيعيّ الذي وضعه الله ليكون لكلّ رجل امرأته، ولكلّ امرأة رجلها لكي يتمّ قصد الله في أن يستمرّ الجنس البشري بترتيب مقدّس وتلبيةً لكلّ حاجات الإنسان وغرائزه بطريقة صحيحة.