ترجمة نيفين منصور عن موقع Faith writers
إن الكثير من الناس لا يشعرون بالاكتفاء مهما بلغت درجة نجاحهم. ويقدم لنا سفر أستير في الكتاب المقدس قصة مأساة من هذا القبيل، حيث كان هناك رجل يعد مثالا للنجاح يدعى هامان. وكان هامان رئيس الوزراء والرجل الثاني بعد الملك، وكان له خاتم الملك للسلطة، وكان ذا نفوذ كبير. لم يكن هامان سمكة كبيرة في بركة صغيرة، بل كان سمكة كبيرة في بركة كبيرة ألا وهي مملكة فارس.
لقد كان هذا الرجل يمتلك كل شيء، فقد كانت لديه زوجة وأطفال، وحديقة كبيرة بما يكفي لنصب مشنقة. أو ما كان يعد أداة تسلية لرئيس وزراء في ذلك الوقت، وكان الجميع يقومون بخدمته على مدار الساعة. وينحنون له ويسارعون لإرضاء كل نزواته، عدا ذاك الرجل اليهودي الذي كان يدعى مردخاي، فقد كان بالنسبة لهامان مدمرا لكل شيء، حيث تقول كلمة الله: “ولما رأى هامان أن مردخاي لا يجثو ولا يسجد له امتلأ هامان غضبا” (أستير 3: 5).
لقد كانت هذه مشكلة كبيرة لدى هامان، فقد كان رجلا يحب السيطرة. ومن النوع الذي يقاد إلى التحكم بالجميع وبكل شيء حوله. وكم كان يشتد غضبه عندما كان يدخل إلى غرفة وينحني له الجميع عدا مردخاي. وقد منعه غضبه من رؤية جميع من ينحنون له، لأن تركيزه كان منصبا على الشخص الذي لم ينحن. لذلك لم يتمكن من رؤية ما هو صحيح، بل ما كان هو يعتبره خطأ.
وقد أصبح منظور هامان مشوشا عندما أصبح مهووسا بمردخاي. وأصبح الموضوع يشكل مشكلة كبيرة بالنسبة لهامان أولا، ثم لمردخاي، ومن ثم لمملكة فارس بأكملها. ففي البداية، كانت تصرفات مردخاي تثير غضب هامان، ثم أصبح وجوده كافيا لإثارة غضبه. وبالمحصلة فقد قرر هامان أن يبيد الشعب اليهودي بأكمله، حيث تقول الكلمة: “وازدري في عينيه أن يمد يده إلى مردخاي وحده لأنهم أخبروه عن شعب مردخاي فطلب هامان أن يهلك جميع اليهود الذين في كل مملكة أحشويروش شعب مردخاي” (أستير 3: 6).
إن هاجس التحكم يسمم العقل، فهو يبدأ من أمر صغير يجذب الانتباه ثم يبدأ بالنمو والتطور. ففي البداية يكون التركيز على فعل أو كلمة ثم يصبح الموضوع شخصيا، وسرعان ما يصبح الأقارب مشمولين أيضا. وللأسف، فإن قصة هامان مألوفة جدا في أيامنا هذه، فكم دمرت علاقات دافئة بسبب التركيز على فعل ما بشكل زاد عن حده. وكم من علاقات وصلت إلى حفة الدمار وذلك لأن مطالب شخص ما لم تنفذ كما أملاها على الآخرين.
إن بعض الأفراد قد يخاطرون بكل شيء في سبيل ممارسة سلطتهم. وقد يخسرون كل شيء في الكثير من الحالات كما حصل مع هامان، فقد كان لديه كل شيء، لكنه خسر كل شيء، لأنه أرد أن يحدث كل شيء كما يريد.