إعداد: ديمة فاخوري
ماذا يقول الكتاب المقدس عن السلام الداخلي؟
راحة البال، يا لها من كنز! هل يمكن العثور على هذا الكنز في عالم مليء بالصراعات واليأس والاضطراب والمتاعب؟
السلام، أين السلام لشعوبنا وبيوتنا؟ والأهم من ذلك كله أين هو في قلوبنا وأذهاننا؟ هذه الصرخة اليائسة سمعناها تتردَّد عبر العصور. هل هي أيضًا صرخة قلبك؟ هل أنتِ مُرهَقة وقلقة ومُضطربة؟ هل تحتاجين إلى أن تعيشي في سلام وراحة بال؟
هل كان قصد الله لنا أن نعيش مضطربين؟
خلق الله الإنسان ووضعه في جنة جميلة ليعيش في سلام كامل وفرح وسعادة مع الله. ولكن عندما عصى آدم وحواء الله، انقلبت الأمور فبعد أن كانا يتوقعان حضور الله، أصبحا يخفيان أنفسهما منه شاعرين بالخزي والعار فاقدين المصالحة مع الله. استبدلنا بالسلام والفرح مشاعر الذنب والخوف. كانت خطيئة الإنسان هي البداية لعالم وذهن مضطربَين.
قبل مجيء يسوع، كنا نعيش تحت ثقل الخطية التي لم نكن نستطيع الهروب منها، وكانت هناك فجوة بيننا وبين الله لم نتمكن من عبورها. لقد كان عالمنا يتوق منذ وقت طويل إلى السلام، فالخطية تمثل عبئًا ثقيلًا والانفصال عن الله هو من أعمق آلام الروح. لكن الله كان يعرف تمامًا ما نحتاج إليه وأرادنا أن نعرف مَن الذي سيأتي. لذا قبل مجيء يسوع إلى الأرض بسبعمائة عام، شاركنا الله بالأخبار السارة عمَّن سيكون يسوع المُخلِّص وأنه سيكون رئيس السلام (إشعياء 9: 6).
ماذا يقول الكتاب المقدس عن السلام الداخلي؟
لربما إنَّك أول ما تسمعين كلمة سلام يخطر ببالك شخص ساكن جامد غير منشغل بالحياة لربما يجلس على شاطئ البحر أو يتأمل في الطبيعة. أو لربما يخطر ببالك شخص هادئ يقوم بالتأملات ويجلس في سكون. ولكن هل السلام هو غياب التوتر أو القلق الذهني في الحياة أو الخوف من المجهول؟ ماذا يقول الكتاب المقدس عن هذا؟ هذا ما سنلقي عليه الضوء في مقالنا التالي.
إنَّ “السلام” لا يعني “السهولة”. لم يعدنا يسوع أبدًا بما هو سهل، لكنه وعد فقط أن يساعدنا. في الواقع، قال لنا أن نتوقع الضيقات (يوحنا 16: 33) والتجارب (يعقوب 1: 2). ولكنه قال أيضًا أننا إذا طلبنا منه سوف يعطينا “… سَلاَمُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْلٍ…” (فيلبي 4: 6-7)، أي أنّ السّلام هو كمال كلّ عقل. إنّه عطية إلهيَّة.
مهما كانت الصعوبات التي نواجهها يمكننا أن نطلب السلام الذي ينبع من محبة الله الفائقة والتي لا تعتمد على قوتنا أو الظروف المحيطة بنا.
لأنَّ “وأما ثمر الروح فهو: محبة، فرح، سلام…” (غلاطية 5: 22)
السّلام هو الثمرة الحلوة الثالثة التي تتوَّلد في نفوسنا من الروح القدس، وترتبط مباشرة بالثمرتَين السابقتين وخاصّة بالثانية ألا وهي ثمرة الفرح. فلا يكون هناك سلام من دون فرح ولا فرح من دون سلام. فالإنسان الفرِح هو سلاميٌّ والإنسان المسالِم ذو روح مرِحة.
السلام هو سكون عالمنا الداخليّ، وراحة ضميرنا، وتصافي نفوسنا. السّلام هو عطية الرب القائم من بين الأموات الأولى لتلاميذه “جاء يسوع ووقف في الوسط، وقال لهم: سلام لكم!” (يوحنّا 19:20).
إنه السلام الذي يعطيه سكنى روح الله فيها يترافق مع طبيعته الإلهية التي تبعث الراحة والسكينة والثقة في قلب المؤمن حتى لو انقلبت الظروف حوله؛ لأنَّ مصدره داخلي من عمل الروح القدس فينا، وبالتالي فهو لا يرتبط بالظروف الخارجية المتغيِّرة إنما بالحق الثابت الذي أحتاج أن أتسلَّح به والقائم على ما يقوله الله في كلمته. نجد هذه الصورة واضحة عندما كان يسوع نائمًا بسلام في القارب بينما تلاميذه مضطربون وخائفون من هيجان العاصفة حولهم. فقام وسكَّنها بكلمة منه وبسلطان، وهو يريدنا أن نتمتع بهذا النوع من السلام المستند إلى سلطان الحق، وبهذا السلام وعدهم عندما ترك تلاميذه قبل آلامه، وأخبرهم أنه سيمضي إلى الآب وسيُرسل الروح المعزّي: “«سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ.” (يو 14: 27).
هي أيضًا أعلنت سلامًا حتى وسط العاصفة
لربما تعرفين قصة الشونمية التي أحضِر لها طفلها ميتًا في حضنها. هذا الولد الذي طلبَتهُ من الرب وأكرمها به بعد أن كان زوجها قد شاخ. لم تكن بحاجة إلى شيء حينها إلا هذا الولد. وفعلًا نظر الله إلى حاجتها وسدَّدها، ففكَّرت: كيف له الآن أن يخذلها وهو مَن أعطاها إياه! لن يفعل! هذا الحق جعلها تقف على رجليها. فركضَتْ إلى غرفة رجل الله ووضعَتْ ابنها على سريره وأغلقَتْ الباب. ركض زوجها وراءها وسألها: “أين تذهبين؟ ليس اليوم رأس شهر ولا سبتًا لتذهبي؟” فأجابته: سلام سيكون. أسرعَت وشدَّت على الأتان معجِّلة غلامها إلى رجل الله. ورآها خادم أليشع رجل الله في الطريق وأجابته إذ سألها عن حالها: سلام، سلام، سلام.
كان السلام لسان حالها رغم الواقع، والله أكرمها بإحياء ابنها واسترداد ما خسرته من غلات أرضها خلال سنوات الجوع السبع.
إلهك حي صدِّقيه أكثر من الواقع حتى لو بدا حقيقيًّا أمامك، وكون الله لا يتغيَّر، هو نفسه أمسًا واليوم وإلى الأبد، فإنه يقدر أن يتعامل معك كما تعامل معها، وسيمنحكِ سلامًا.
يمكنك أن تقرئي قصتها في (ملوك الثاني 4: 8-37، 8: 1-6)
سلام الله يكون معكِ
هذه دعوة للسلام قدَّمها المسيح ودفع ثمنها غاليًا ولا زلنا نقدِّمها اليوم كتحية في صلواتنا ودعواتنا. احذري من مصدر السلام الزائف الذي يحاول معلِّمو السلام الداخلي زرعه زاعمين أنَّ مصدره النفس. لا تبحثي عن الحكمة العالمية التي تدعوكِ إلى استبصار النور الداخلي من خلال دليل روحي أو ربما بلورات أو أعشاب (هذه كلها تدخل في دائرة العرافة) وتتجاهلي مصدر السلام الحقيقي الوحيد وهو الرب يسوع المسيح.
إذ ندرك هذا لا يمكننا إلا التعجُّب من روعة هذه الحقيقة المتاحة لنا في شخص المسيح؛ الله كلي السلام الذي هو رئيس السلام نفسه يسوع المسيح يحيا في داخل قلب المؤمن به، وبالتالي يتمتع بسلامه كنتيجة وثمرة من خلال سكنى روحه. السلام مصدره ذهن وروح في حالة اتكال تام على الله المتسيِّد والمسيطر على كل الظروف، وهو مُعدٍ إيجابيًّا؛ إذ ينعكس ويشعُّ في حياتنا ويؤثر في حياة الآخرين.
ليملأكِ الله بهذا السلام الروحي الداخلي بفعل الروح القدس: “وليملأكم إله الرجاء كل سرور وسلام في الإيمان، لتزدادوا في الرجاء بقوة الروح القدس.” (رو15: 13)