إعداد: ديمة فاخوري
هل تجدين نفسك غالبًا تفكّرين دون توقف؟
أو هل تشعرين أحيانًا أنَّ عقلك سينفجر من أفكار لا تتوقف للحظة واحدة؟
أم هل تتمنين أن يتوقف عقلك عن التفكير لفترة قليلة والتحرّر من الخوف من المجهول، ويتيح لك الاستمتاع ببعض الراحة والسلام؟
أتشغل الأفكار ذهنكِ في كل لحظة من اليوم، فينتقل العقل من فكرة إلى أخرى، ولا يسمح لك بالتركيز فيها أصلًا الأمر الذي يهدر طاقتك العقلية والنفسية والعاطفية؟ عادة ما تكون الحياة مليئة بالتوتر والضغط في العمل والمنزل، وهذه الحالة تجعل العقل أكثر قلقًا، وتجذب المزيد من الأفكار إليه.
دائمًا ما نعتقد أن السلام الداخلي سيكون في نهاية العمر وقد شاب ذلك الوجه، نبحث عنه طويلًا في رحلة الحياة، ونقول لربما سنجده في المال وربما في تلك العائلة التي قد حلمنا يومًا أن نُنشئها، أو لربما ذلك المنصب الذي سعَينا إليه لسنوات.
تصوَّرنا دائمًا أن السلام سيكون في تلك العزلة مع النفس بعيدًا عن البشر لعلَّنا في ذلك المكان البعيد في منزل أشبه بتلك الأفلام أمام مدفأة نجلس نهزُّ ذلك الكرسي ذهابًا وإيابًا، وقد اعتزلنا ذلك العالم الذي امتلأ في كثير من الأحيان بالحروب والظلم والاستبداد.
لا أعرف ما إذا كنتِ تعرفين هذا أم لا، ولكن يمكنك امتلاك أموال كثيرة في البنك ولا يكون لديك سلام في قلبك. يمكنك أن تكوني ناجحة في عملك وغير سعيدة. يمكنك أن تكوني متزوجة، لكن ليس لديك سلام. إنَّ ما يريده الكثير من الناس، ولا يعرفون حتى إنهم يريدون ذلك، هو سلام يأتي من الله فقط.
قال الملاك: “المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام.”
الشيء المثير للاهتمام أنَّ يسوع عندما كان يتحدَّث إلى الناس عند دخوله وخروجه أو بعد حدوث موقف ما حتى لو كان صادِمًا، كان كثيرًا ما يقول: “سلام لكم” أو “اذهب الآن بسلام.” عندما نفكر أيضًا في الرسول بولس، كثيرًا ما بدأ رسالته بعبارة: “نعمة وسلام”. فكِّري في كل الكلمات الأخرى التي كان يمكن أن يقولها، لكنه لم يقلها. كان يمكن أن يقول النعمة والقوة، أو النعمة والثروة، أو النعمة والشهرة و”التيك توك”، أليس كذلك؟ لكنه لم يفعل. ما قاله كان: أودُّ أن أقدِّم لكم أكثر ما يريده الكثير من الناس في الحياة، ولا يعرفون حتى إنهم يريدونه حقًا أو يحتاجونه، وهو السلام، السلام الحقيقي.
لا تتوقعي أن تجدي السلام وسط ظروف حياتك، ارفعي عينيك نحو الله!
“قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سَلاَمٌ. فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ».” (يو 16: 33).
نعيش في عالم مجنون كله فوضى وليس من أشد المعجبين بيسوع وتعاليمه، ولهذا حذَّرنا يسوع كيف أنَّ العالم ليس المكان الذي سنجد فيه سلامنا الحقيقي بل على العكس سيحاول جعلنا نفقد سلامنا بسبب الضغوطات والضيقات كما في مثل الزارع، ولهذا نبَّهنا بضرورة أن تكون جذورنا قوية راسخة.
“وَلكِنْ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي ذَاتِهِ، بَلْ هُوَ إِلَى حِينٍ. فَإِذَا حَدَثَ ضِيقٌ أَوِ اضْطِهَادٌ مِنْ أَجْلِ الْكَلِمَةِ فَحَالًا يَعْثُرُ.” (متى 13: 21).
يبدو أن عالمنا يقدِّم القليل من أي شيء يمكن أن نسمّيه سلامًا. ومع ذلك، فإن قلوبنا تتوق إلى نوع آخر من السلام.
دون أن تعيشي حياة مرضيَّة أمام الله، لن تتمكَّني أبدًا من اختبار سلامه.
كيف تعرفين أنه ليس لديك سلام داخليٌّ؟
- ليس لديك القدرة على الاستمتاع بكل لحظة.
- الحكم المستمر على الآخرين وتفسير أفعالهم.
- عدم القدرة على التصرف بعفوية والقلق على ما قد يحدث في المستقبل.
- الشعور بالحزن المستمر وعدم الرضى عن الظروف مهما كانت.
- تجلدين ذاتك وتلومينها باستمرار.
- الشعور بعدم امتلاك الطاقة في داخلك.
- تمتلكين عقلية الضحية التي تعيقك عن اختبار الحياة برضى، فتحاولين باستمرار إيجاد أسباب خارجية لتبرير تصرُّفك وحياتك، فلا تتعلَّمين تحمُّل مسؤولية قراراتك، وترفضين التوبة عن أخطائك، وكأنك وحدكِ والعالم كله ضدَّكِ.
مؤشرات عدم عيشك بسلام
مؤشرات عدم عيشك بسلام قد تظهر من خلال محن وصعوبات في المجالات الروحية أو العاطفية أو العقلية أو الجسدية.
أ. المحن الروحية: عندما تفقدين سلامك تكونين عرضة لهجمات العدو، ولكن أكبر هجوم لكِ سيكون أكبر مصدر قوة لكِ عندما تستمرين بالصلاة وقراءة كلمة الله. وإن لم تفعلي فستفقدين مصدر الحكمة والمعونة، وسيكون تفكيرك جسديًّا أكثر من روحيًّا. علاقتك الروحية إن كانت ضعيفة ستبعدك عن إيجاد الحلول، وستجعلك تتخذين قرارات سيئة أو ضعيفة أغلب الوقت. من الحكمة إن فقدتِ سلامك لأي سبب أن تتعلَّقي بالله أكثر؛ لأنه مَن سيساعدك أن ترجعي بقوة لأنَّ الابتعاد عنه وعدم المصالحة معه في مثل هذه الظروف سيجعلك تغوصين في الظلمة أكثر.
لا تسمحي بأن تضعف حياتك الروحية حتى لا تفتحي على نفسك أبوابًا لمحن من نوع آخر يمكن أن يأتي بها العدو على حياتك. وبالمقابل عندما تتغذى حياتك الروحية بكلمة الله وتبقى علاقتك مع الله نشيطة وفعالة وقنواتك معه مفتوحة، فلن يمضي وقت طويل وستتعافين بالكامل.
ب. المحن العاطفية: الانهيار العاطفي قد يكون خفيفًا أو شديدًا، ولكن مهما كانت الحالة إن لم تتعاملي معها في الحال، فإنها ستقود إلى أزمة نفسية أو جسدية.
بعض عوارض المحنة العاطفية الناتجة عن غياب السلام.
- القلق: إنه المؤشر الأول لغياب السلام، اعرفي مصدره حتى لا يتغلغل فيكِ أعمق، القلق كأنه يقول: إنَّ ظرفك الذي تمرين به لا يتجاوز مقدرتك وحسب بل ومقدرة الله أيضًا، وقدرته على مساعدتك أو حفظك أو ينجيكِ، الأمر الذي سيجعلك تفقدين أمانك وبالتالي يزداد قلقك. وقد تعبِّرين عن قلقك من خلال إظهار انزعاجك أو غضبك نحو الآخرين.
- الاضطراب الغذائي: بعض الناس عندما لا يعرفون كيف يتعاملون مع القلق المتراكم فيلجؤون إلى الأكل أو قد يفقدون الشهية له، وهذه الاضطرابات في النظام الغذائي تقود في نهاية الأمر إلى تحديات صحية.
- عدم الاستقرار: غياب سلام الذهن يقود إلى حالة من عدم الاستقرار. قد تجدين نفسك تفعلين أمرَين مختلفين تمامًا بين لحظة وأخرى؛ في لحظة ما قد تعتقدين أنك تعرفين ما تريدينه ثم تفقدين هذه المعرفة.
- الحزن الطويل: هذا يسلب طاقتك ويمنعك من المضي قدمًا بنشاط لعيش حياة سعيدة وناجحة. كما قد يقود إلى الاكتئاب الذي يشكل حالة ذهنية غير جيدة على الإطلاق، فقدان الرجاء ليس من الله؛ لأنه حيث توجد حياة هناك رجاء وأمل. الافتقار إلى السلام يحني الروح ويسلب مستقبلك ومصيرك منكِ. عندما تمتلكين سلام الذهن تتمكنين من تنسيق أمور حياتك بصورة أفضل. إنَّ سلام الله يساعدك على التغلب على الحزن بسرعة؛ لأنَّ ما قصد به إبليس شرًّا، يمكن أن يستخدمه الله ليكون بركة لكِ ولكثيرين.
- العلاقات غير الصحية: بعض الناس- من ناحية أخرى- ينفِّسون عن ذهنهم المضطرب بأن يسقطوا مشاكلهم على الآخرين. يقتفون الأخطاء ويلقون باللوم ولا يعود شيء يعجبهم، ويصيرون متسلطين ولا يرغب الناس بأن يتعاملوا معهم. عندما لا تمتلكين سلام الله فإنك لا تتعاملين بحكمة مع أي تحدٍّ تواجهينه في علاقتك بالناس، لأنك بحاجة إلى أن تختبري السلام في داخلك حتى تتمكني من العيش بسلام مع الآخر.
كما حدث مع قايين عندما اغتاظ من قبول الله لذبيحة أخيه هابيل ورفضه لذبيحته، فأسقط كل عدم سلامه واضطرابه على علاقته بأخيه إلى درجة قتله. حتى أنَّ الله حذره من ارتكاب الشر نتيجة لغضبه ولكنه رفض، والنتيجة كانت عقوبة شديدة.
من السلام مع الله تنبع العلاقات السلمية، وتكونين ابنة لله إن كنتِ تصنعين سلامًا (متى 5: 9) وحيث روح الله هناك حرية.
ج. المحن العقلية (الذهنية): هذه المرحلة تصلين إليها عندما تكونين في ضيق شديد وتضعفين روحيًّا بحيث تضطرب أفكارك وتبدئين باختبار:
- عذاب الذهن: مثل شاول الذي لم تكن تهدأ روحه دون عزف داود له (1 صموئيل 16: 14، 18).
- غياب الذهن: وكأنك تفصلين عن واقعك، فلا يعود هناك مجال لأي أفكار ذات معنى عدا عن أفكارك التي تزحمك. حتى إنك قد تفقدين الاهتمام بالأمور المفرحة حولك، أو تتصرفين تصرفات غريبة لم تكوني لتقومي بمثلها في العلن. مثل أفكار راحيل تجاه كونها عاقرًا وطلبها من يعقوب زوجها أن يمنحها ابنًا (تكوين 30: 1-2).
د. المحن الجسدية: من أكثر المؤشرات الملحوظة لغياب السلام؛ لأنها خارجية ظاهرة للآخرين. وهي نتيجة للمحن الروحية، والعاطفية، والذهنية.
ومن المظاهر التي ستختبرينها هي التالية:
- نقص النوم (قد لا تنامين لليالٍ طِوال)
- الانزعاج
- اضطرابات في العادات الغذائية
- الانغماس في الأمور اللاأخلاقية
- شرب الكحول والسُّكر
- النزاع الذي يفتح الباب لمزيد من الممارسات الشريرة
- الضعف وغياب القوة والحماس والدافعية لتحقيق الأهداف
- الفشل والإخفاق
إنَّ غياب سلام الله له سلبيات كبيرة جدًّا ويجب أن نتجنبه باستمرار، لذلك يقول لكِ الكتاب: “فَوْقَ كُلِّ تَحَفُّظٍ احْفَظْ قَلْبَكَ، لأَنَّ مِنْهُ مَخَارِجَ الْحَيَاةِ.” (أمثال 4: 23).
لا تسمحي لشيء بأن يسلبك فرحكِ وسلام ذهنك؛ لأنَّك لن ترغبي باختبار التوابع الناتجة عن هذا.