فن التعامل مع منظومة مشاعرك

إعداد: لما عطاالله

ألم تصادفي في حياتك أشخاصًا ناجحين جدًّا في أعمالهم وعلاقتهم مع أنهم من ذوي التحصيل الأكاديمي المنخفض أو العادي؟ ألم تسألي نفسك لماذا هناك أشخاص ترينهم في حياتك محبوبين من قبل كل الناس، وعلى العكس من ذلك، ألم تصادفي أشخاصًا أذكياء جدًّا وعباقرة، ولكنهم غير ناجحين في حياتهم العملية أو الاجتماعية؟ 

انظري معي هذه الأمثلة: 

• في أشغالنا، وخلال أيامنا ممكن أن نجد مثلًا موظَّفًا شديد الكفاءة، لكنه يخلق مشكلات كثيرة في العمل بسبب عدم تحكُّمه في غضبه.

•  رجل أعمال لا تنقصه الخبرة والمهارة ولا رأس المال، لكنه يخاف جدًّا من الانتقاد وردود أفعاله سلبية بسبب الانتقاد، فيظل نجاحه محدودًا مقارنة بآخرين أقلّ منه في الخبرة والذكاء لكنهم يتقبلون رأي الآخر. 

• أمٌّ تحب أولادها وتخدمهم بكل تفانٍ وتضحية وتقدِّم لهم كلَّ الحنان والتشجيع والتربية السليمة، لكن من الممكن في لحظة غضب أن تنفجر فيهم وتصرخ في وجوههم أو ربما تضربهم ضربًا مُبرِحًا، فتهدم كلّ ما بنَته بسبب موقف واحد. 

إنَّ العامل المشترَك بين هؤلاء الأشخاص هو ضعف درجة الذكاء العاطفي.

ما هو الذكاء العاطفي أو الوجداني؟ 

المشاعر هي إحساسنا بالمواقف والأشخاص والمعاني. مثلما يجعل الإحساس الجسديُّ الإنسان يشعر بالسخونة والبرودة والحلو والمرّ، كذلك الإحساس النفسيّ يجعلنا نشعر بالحزن، والألم، والفرح، والحماس، والملل، واليأس، والغضب، والخوف، والإحباط، والغيرة…إلخ. 

المشاعر هي ردود الأفعال المباشرة والتلقائية للواقع الذي نعيش فيه بما فيه من أشياء ملموسة وأشخاص حقيقيين. المشاعر هي التي تجعلنا نعيش الحياة الفعلية ونتلامس معها.

الذكاء العاطفي هو ذلك “الشيء غير الملموس” بداخل كل واحد منا والذي يؤثِّر في كيفية إدارتنا لسلوكياتنا ويتحكَّم بمواقفنا الاجتماعية المعقَّدَة، هو القدرة على إدراك مشاعرنا ومشاعر الآخرين من أجل تحفيز الذات  وإدارة علاقاتنا. 

مفاهيم خاطئة عن الذكاء العاطفي

  1. الذكاء العاطفي لا يعني أن يكون المرء لطيفًا دائمًا.
  2. الذكاء العاطفي لا يعني أن يترك الإنسان عواطفه تسيطر عليه.
  3. مستوى الذكاء العاطفي عند الأشخاص لا يحدَّد بالوراثة ولا يتطوَّر خلال مراحل الطفولة.

مكونات الذكاء العاطفي

يتكون هذا الذكاء من أربعة مكونات أساسية والتي يمكن دمجها في مجموعتين: الكفاءة الشخصية والكفاءة الاجتماعية.

  1. الوعي بالمشاعر وأنماطها – بداية الطريق

هي زيادة معرفتك وفهمك بمشاعرك والقدرة على تصنيفها بدقة. ما الذي أشعر به الآن؟ لماذا أشعر به؟ ما هي الأحداث التي حدثت أو الأفكار التي فكَّرت فيها لكي أشعر بهذا الشعور؟ هي أهمّ مرحلة في بناء الذكاء العاطفي: أن تحدِّدي مشاعرك وكيفية تأثيرها على الآخرين.

  1. إدارة المشاعر

كثيرًا ما نردِّد عبارة: “تصرَّفت بدون ما أفكِّر”، أو “ما بعرف ليش هيك شاعرة”. بعد الوعي بالمشاعر وتحديدها والتعبير عنها تصبح إدارة المشاعر سهلة. إدارة المشاعر هي القدرة على توجيه مشاعرنا وترجمتها إلى تصرُّفات وسلوكيات مناسبة للموقف. 

  1. الوعي الاجتماعي والتعاطف

العلاقات الحميمة والقرب الإنساني احتياج عميق ولكنه تحدٍّ كبير في الوقت ذاته. يؤدّي القُرب إلى كثير من الاحتكاكات التي تولِّد مشاعر شديدة من الممكن أن تخرِّب في هذه العلاقات وتحوِّلها إلى جحيم. لذلك فأيّ علاقة حميمة بدون القدرة على إدراة المشاعر، تصبح موضوعَ تحدٍّ مستمرًّا. الوعي بمشاعر الآخرين وردود أفعالهم ضرورة للعلاقات الحميمة، عندما نعي مشاعرنا الحقيقية ونعبِّر عنها، نستطيع أن نعي مشاعر الآخرين وندخل إلى وجدانهم. وعندما نكون قادرين أن نفعل ذلك؛ فإننا نستطيع أن نقدِّر ما يمرّون فيه من مشاعر وصراعات تفسِّر تصرُّفاتهم وسلوكياتهم.

  1. إدارة العلاقات

الفهم العاطفي الحقيقي ينطوي على أكثر من فهم مشاعرك ومشاعر الآخرين، فيتضمَّن أيضًا ردود أفعالك وتجاوبك مع الأشخاص بناءً على هذه المعلومات، فعندما تشعرين أنَّ شخصًا ما يشعر بالحزن أو اليأس، كيفَ تردّين؟ قد تعاملينه بمزيد منَ العناية والاهتمام أو قد تبذلين جهدًا لرفع معنويّاته. إنَّ إدارة العلاقات تعني القدرة على ترجمة فهمك لمشاعر الآخرين إلى مهارات اجتماعية تساعد على تحسين علاقاتك في حياتك المهنية، وتشمل بعض المهارات الاجتماعية مثل الإصغاء ومهارات التواصل والإقناع.

هل يمكنني تحسين ذكائي العاطفي؟

الخبر السارّ هو نعم أينما كنتِ، ومهما كان تحصيلكِ العلميّ أو حتى عمرك، فهمك لمنظومة مشاعرك هو أمر يمكن تحقيقه. إنَّ هذا النوع من الذكاء والإدراك للمشاعر هو في الحقيقة الأصعب للاكتساب والإتقان. القيادة، والتواصل، والتعاون، والإبداع، وقابلية التكيف أصبحت أساسية أكثر وأكثر مع الوقت في عالم اليوم. المهارات السلوكية والاجتماعية والعاطفية هي ما تجعل العنصر البشريَّ غير قابل للاستغناء عنه. كما غدَتِ المهارات المشاعرية (الوجدانية) لا تقل أهمية عن المهارات التقنية لكي تحصلي على عمل محترَم وتستمرّي فيه بنجاح.

وتذكَّري أنَّ نموَّكِ ووصولك إلى النجاح في مختلف مجالات حياتك يتطلَّب أن تتعلَّمي فنَّ التعامل مع منظومة مشاعرك. لن تشعري بالراحة في كثير من الأوقات؛ لأنَّ النمو والتطوُّر يحدث خارج منطقة الراحة، لكن عليك أن تتكيَّفي مع مشاعر عدم الراحة المرتَبِطة بنموِّك. فرغم شعوركِ بها، افعلي ما هو مناسب لتجيبي عن السؤال كيف أتقدّم في حياتي وكيف أحدّد أهدافي وأحقّقها.  

إذًا هيا بنا لنبدأ مسيرتنا ورحلتنا في التعامل مع المشاعر.