ناقشنا في سؤال سابق كيفية تكوّن الصورة الذاتية لكل إنسان بناء على تراكم خبرات عاشها، وكيف إن إدراكنا الطفولي لما حدث لنا يقودنا لتفسير كل شيء وكأننا السبب لكل ما يحدث. فنحن السبب في أي خبرة سلبية أو نقص لاحتياج لم نحصل عليه.
وهذه التفسيرات تشوّه مفهومنا ومنظورنا لأنفسنا مع الوقت. تغيير هذه الصورة هو رحلة من النضج والشفاء من تلك التشوّهات في إدراكنا لماضينا. فهو مرتبط بدرجة أساسية بإعادة قراءة ماضينا الشخصي وخبراتنا السلبية، والوعي لها من منظور ناضج ومنطقي. فمثلاً عدم حصولي على حبّ واهتمام وتواجد والديّ في طفولتي لم يكن بسبب كوني طفلًا سيئًا، ولكن قد يكون بسبب ظروف معينة للأهل، أو لأن الأهل نفسهم قد جاءوا من ماضي محروم من الحبّ، وهم كذلك لديهم صورة متدنيّة لذواتهم.
يرتبط التغيير كذلك بالتعامل مع الجروح التي تشكّلت بسبب ما لم نحصل عليه من حاجات أساسية، أو بسبب ما حدث لنا ولا ذنب لنا فيه. كما وقد ناقشنا موضوع التعافي من جروح الماضي في سؤال سابق. من خلال هذه الرحلة يمكنني البدء برؤية نفسي بطريقة جديدة تتسّم بالتعاطف والقبول، فأتحرّر بالتالي من ما تعلّمته عن نفسي من الماضي. وبالتالي أتمكّن من بناء خبرات جديدة. فمثلًا أرى عدم موافقة شخص ما على كلامي ليس رفضًا لي ناتجًا عن خبرتي السابقة عن نفسي والتي تقول بأني غير جدير بالقبول. بل أراها رأيه الشخصي الذي هو اختلاف لا يُشعرني بالتهديد. فوعيي لما حدث ليّ في الماضي وإدراكي لواقعي بطريقة ناضجة هو ما يساعدني في إعادة بناء صورة صحيّة وواقعية ومتزنّة عن نفسي.