التواصل وبناء الجسور
باب: نموي في الرحلة
الكاتبة: بسمة قموه
التاريخ: يناير 9, 2024
قد تقولين “لست بحاجة لتدريب حول ما يدمر العلاقات، فأنا أعرف كيف أدمر علاقاتي”، هذا صحيح فالكثيرون منا محترفون في ذلك، وربما يحدث هذا مراراً من خلال الطرق غير الفعالة التي نستخدمها في اتصالنا مع الآخرين، وخاصة في أسلوب استماعنا. وفي الحقيقة، الاتصال أمر أساسي في العلاقات الفردية، فإن كان اتصالنا بالآخرين ضعيفاً دائماً، ففي النهاية سندمر علاقاتنا معهم.
قد نملك معرفة كبيرة وربما مهارات كثيرة في العلاقات مع الآخرين، لكن إن لم ندرك ما الأخطاء التي نقع فيها، أو إن لم يكن استماعنا بدافع المحبة فسنضر بعلاقاتنا مع الآخرين.
هناك طريقتان للنمو في المهارات الفردية، الأولى:
- أن نكتشف الخطأ الذي نمارسه ونتوقف عنه.
- والثانية أن نكتشف ما الصواب الذي علينا أن نفعله ونبدأ بتطبيقه، أو أن نطبقه بشكل أفضل وبتكرار أكثر. وكلا الطريقتين تفترضان اتكالك الكامل على الله ليمكّنك من ذلك.
وسنطرح هنا بعض التصرفات التي يمارسها الناس في علاقاتهم، خاصة عندما يفشلون في الاتصال الجيد، وسننظر إلى أنفسنا، وبروح الصلاة، لنفكر بما نفعله نحن لندمر أو نضر بعلاقاتنا مع الآخرين.
فكري في مرة كنت فيها متألمة وتتمنين أن يهتم بك أحد، وحاولت أن تشاركي الأمر مع آخرين لكنهم لم ينصتوا إليك، وبالتالي تركوك متألمة أكثر مما كنت عليه. كيف كان شعورك عندها؟ وكيف تشعرين اليوم حين تستذكرين الأمر؟ هل عدت يوماً إلى ذلك الشخص وفاتحته بمكنونات قلبك؟
الأمر الأهم في موضوع العلاقات هو كيفية الاستماع، والكلام الجيد أمر مهم لكن أكثر الناس يواجهون صعوبة في الاستماع أكثر من التكلم. إن أحد مقاييس محبتي للآخرين هو مدى إنصاتي لحديثهم. هل تؤمنين بهذا؟ وهل تعيشينه في حياتك كقناعة راسخة؟ وهل تطبقينه من خلال استماعك الجيد للآخرين؟ هذا صحيح، فمحبتنا للآخرين يجب أن تظهر بطرق أخرى. يقول الرسول يوحنا (1 يوحنا 18:3) “يا أولادي لا نحب بالكلام أو باللسان، بل بالعمل والحق”. لكن هل يمكننا حقاً أن نحب الآخرين دون أن نكون مستمعين محبين لهم؟
المميزات الضرورية لمنعنا من تدمير علاقاتنا وبناء جسور محبة وألفة:
تتحدث كلمة الله كثيراً عن التواصل بمحبة، وهذا أكثر من مجرد التظاهر بالمحبة عند التخاطب، فعلاقات المحبة يجب أن تنبع من طبيعتنا، وفي آيتين يذكر الروح القدس ثلاث عشرة ميزة شخصية علينا امتلاكها لنتجنب تدمير علاقاتنا.
في (كولوسي 12:3) يقول الرسول بولس “فالبسوا كمختاري الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفات ولطفاً وتواضعاً ووداعة وطول أناة”، وأيضاً جاء في (يعقوب 17:3) “وأما الحكمة التي من فوق فهي أولاً طاهرة ثم مسالمة مترفقة مذعنة مملوة رحمة وأثماراً صالحة عديمة الريب والرياء”.
والميزات التي ذكرت في هذه الآيات هي بمثابة مقاييس للعلاقات المحبة، فمن المستحيل أن ندمر علاقاتنا مع أحد ثم نحيا هذه الصفات في نفس الوقت. لكن حين نلبس أنفسنا بهذه الصفات نكون فعلاً مثل الله.
ولننظر إلى معنى كل كلمة:
- أحشاء رأفات: أي التعاطف والرحمة وتعني حرفياً: “أن نتجاوب مع أحاسيس الشخص الداخلية”. وهذه الكلمة غالباً ما استخدمت لوصف استجابة المسيح لأولئك الذين في ألم ومعاناة. جاء في (متى 36:9) “ولما رأى الجموع تحنن عليهم”.
- اللطف: أي الطيبة والكرم وهذه صفات تصف طيبة القلب، وهي تماماً عكس السيئات التي ذكرت في (كولوسي 3: 8) “وأما الآن فاطرحوا عنكم أنتم أيضاً الكل الغضب السخط الخبث التجديف الكلام القبيح من أفواهكم”.
- التواضع: أي تقدير النفس المتواضعة في علاقتنا مع الآخرين وخاصة مع أخوتنا المؤمنين استخدم يسوع هذه الكلمة ليصف نفسه في (متى 29:11) “تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب”.
- الوداعة: أي التواضع واللطف والتفهم والحلم. وفي سياق العلاقات مع الآخرين، يجب أن يكون لنا استعداد لإفساح المجال حين لا يكون هناك مبدأ يسند ما يقال سوى الإرادة الشخصية أو المبدأ الشخصي، وليس هذا ضعفاً بل لطفاً مسيحياً، وقد استعملت هذه الكلمة لوصف يسوع في (متى 11 : 29) “وديع ومتواضع القلب”.
- طول الأناة: وهذه من صفات ضبط النفس في حالات الغضب حيث عدم الثوران بتهور أو تجنب الرد المباشر. فهي عكس الغضب، وترتبط بالرحمة، وقد استخدمت الكلمة لوصف الله في (رومية 4:2) “أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته”.
- الطهارة أي “مقدس” أي النقاء من كل شائبة وتلوث. وهي أيضاً من صفات الله. (1تيموتاوس 5 : 22) “احفظ نفسك طاهرا”.
- مسالمة: أي ألا نبدأ الخصومات والخلافات والنزاعات.
- مترفقة: أي المنطق والاعتدال واللطف واحترام مشاعر الآخرين. يترجم العهد الجديد الكلمة اليونانية بكلمة “حليم”.
- مذعنة: أي الاستعداد للاستسلام، متجاوب، عكس العناد والانفتاح للمنطق.
- مملوء رحمة: أي التجسيد المحسوس للشفقة أو الناظر حاجات الآخرين، وتدبير الإمكانيات لتلبية هذه الاحتياجات حيث تظهر. واستخدمت هذه الكلمة لوصف الله الآب ويسوع. (أفسس 4:2) “الله الذي هو غني في الرحمة”.
- الأثمار الصالحة: أي أعمال الخير المنظورة التي تعبر عن قوة الله التي تعمل في داخلنا.
- عدم التحيز: أي التصرف دون تذبذب أو دون تفضيل أحد على الآخر وعدم التمييز في المعاملة مع الآخرين.
- الصدق: أي التصرف دون نفاق أو رياء، مع عدم وجود الأقنعة أو المظاهر الكاذبة.
لن تستطيع أية عاصفة أن تهدم جسور المحبة المبنية على الأساس السليم، ومن هنا نكون ممن يصلحون ويبنون لا ممن يهدمون.