ماذا أستفيد من معرفة هويتي؟
باب: من أنا اليوم
الكاتبة: كارولين فاخوري
التاريخ: نوفمبر 13, 2023
ما زال موضوع الهوية يتبوأ مكانة متقدّمة عند مناقشة مختلف المواضيع التي تهمّ المرأة في سعيها للبحث عن الحرية والمساواة والإنجاز وتحقيق الذات، برغم أنه غير محصور بالمرأة فقط بل يهمّ الرجل أيضاً. فلماذا هذه الأهمية المعلّقة على هذا الموضوع الذي يبدو سهلاً ولكنّه ليس كذلك؟ وما الفائدة التي أجنيها من البحث المتعمّق عن هويتي الشخصية؟
هل رأيتِ يوماً طفلاً يلعب بصندوق التماثُل؟ وصندوق التماثل هو صندوق مغلق يحتوي على فتحات مختلفة الأشكال فمنها ما هو هندسي. مثل: دائرة ومثلث ومربع ومستطيل وسداسي، ومنها ما له أشكال نثرية مثل: قوس ونجمة وأشكال حيوانات، فيُعطى الطفل مجسمات تماثل في حجمها وشكلها الفتحات الموجودة في جوانب الصندوق ليحاول إيجاد مكانها المناسب لكي يُدخلها إلى الصندوق من مكانها الصحيح. فإن لم يتماثل الشكل مع الفتحة المتاحة فلن يتمكّن الطفل من إدخال المجسم. ينطبق مبدأ هذه اللعبة نوعاً ما على موضوع الفائدة من استكشاف هويتك الشخصية. فمعرفتك لهويتك يساعدك على اكتشاف ما هو مناسب لكِ وما يفيدك في تحقيق أهدافك المرجوّة. فلو حاولتِ التوافق مع ما لا يناسبك لن تتمكني من تحقيق ذاتك أو ستفقدين سلامك في محاولات لا فائدة مرجوة منها.
ست فوائد أجنيها من اكتشاف هويتي
تناولنا في العديد من المقالات المتاحة من خلال موقع المرأة العربية اليوم الكثير عن الهوية ومعناها ورحلة إيجاد الراحة في معرفتها وتثبيتها. أما في هذا المقال فسنركّز على الفوائد الجمّة التي تفيد حياتك. وتوصلك إلى سلام مريح في تناول مختلف قضايا الحياة يتزايد مع تزايد معرفتك بهويتك. فما هي هذه الفوائد؟ تعالي معي لنستعرِضها ونستكشفها معاً.
- عيش حياة ذات معنى: الهدف الأسمى للحياة هو أن أعرف لماذا أنا موجودة وما هو دوري في هذه الحياة. أليس كذلك؟ فكلنا نشعر بالضياع إن كانت حياتنا بلا معنى وبدون هدف. فمعرفة هويتك يساعدك مثلاً على اختيار المهنة التي ترغبين بالازدهار فيها. واختيار انتماءاتك الاجتماعية المختلفة مثل انتماءاتك السياسية والدينية والاجتماعية التي ترغبين بالنمو فيها وتوسيع نشاطاتك من خلالها. كما تساعدك على تنمية مواهبك في المجالات التي ترغبين فيها سواء كانت فنية أو عملية أو إبداعية أو تقنية.
- التمتّع بعلاقات بنّاءة: عندما تدركين هويتك الذاتية، يمكنك أن تكوني حقيقية في علاقاتك دون تظاهر أو تبعية. فهويتك تجعل منك إنسانة أصيلة لا زيف عندها ولا خداع، فتتخلين عن الشعور بالنقص الذي يجعلكِ تقلّدين الآخرين أو تتبعين خطاهم. وهذا يجعل منكِ -صدّقي أو لا تصدّقي- مغناطيساً جاذباً لكل العلاقات البنّاءة التي تحتاجين إليها للازدهار أكثر في علاقاتك وحياتك. كما يجعلك تشكّلين خطراً لأولئك الذين لا يعرفون هويتهم. لا تقلقي! فكونك امرأة خطيرة هو أمر إيجابي. لأن ضعاف النفوس لن يرغبوا بالاقتراب منك ليسرقوا من وقتك وسلامك ولكنهم سيتابعونك عن كَثَب لأنك تشكّلين قدوة لهم يرغبون بمعرفة أسرار قوة شخصيتها للتمثُّل بها.
- تنمية الذكاء العاطفي: يعرّف المعجم الذكاء العاطفي بأنه قدرة الفرد على استيعاب مشاعره والسيطرة عليها والتعبير عنها وإدارة العلاقات الشخصية بحكمة لا تخلو من التعاطف. وقد تسألينني هنا قارئتي العزيزة: “وما علاقة المشاعر بهويتي؟” والإجابة واضحة كسطوع الشمس. فعدم معرفتك لهويتك يجعلك تشعرين بالضياع والحزن والغضب والشعور بالنقص وفقدان السلام بالإضافة إلى الشعور بالدونية، كلّها في آن واحد. وهذه المشاعر تسيطر على سلوكياتك الخارجية وتؤثر على علاقاتك سلبياً لعدم قدرتك على السيطرة عليها. أما عندما تدركين ماهية هويتك وتشعرين بالراحة مع نفسك فيمكنك قبول ما يحدث معك والتعامل معه بذكاء. كما يمكنك التعبير عن مشاعرك بوضوح صريح يساعدك على التعامل مع مسبّبات هذه المشاعر. كما يساعد مَن حولك على تقديم يد العون لكِ عندما تحتاجين للمعونة أو التزام حدودك عندما تكونين بحاجة للنمو بسبب موقف معين.
- الانتماءات الاجتماعية: ثباتك في هويتك الذاتية يمنحكِ بوصلة طبيعية لتوجّهاتك الاجتماعية ومرشِّحاً مريحاً لغربلة علاقاتك واختيار العلاقات الصحية التي تبنيكِ وتساعدكِ على النمو. فمعرفتك لهويتك يساعدك على اختيار الجماعات -كما الأفراد- التي ترغبين بالانتماء إليها وقضاء الوقت معها والتعبير عن آرائك في وسطها. معرفة هويتك الذاتية خير مُعينٍ لكِ لعدم إضاعة وقتك الثمين في وسط مجموعات. أو متابعة أشخاص لا يساهمون في نموك أو يزعزعون سلامك. ليس هذا فحسب، بل أيضاً في منحك الرغبة بالمثابرة في متابعة جهودك الرامية للانتماء الصحّي أو التعلُّم البنّاء من أفراد وجماعات يلعبون دوراً إيجابياً في ذلك. كما أن راحتك في هويتك يجعلكِ محط أنظار الراغبين في النمو والتعلم. فتصبح علاقاتك ليست مركّزة على صالحك الشخصي فحسب بل أيضاً في صالح فئة كبيرة من الناس التي تحتاج إلى ثباتك وإيجابيتك وقدرتك على الاختيار.
- التميُّز الشخصي: هويتك تمثّل القاعدة التي تبنين عليها كل مهاراتك وقيمك وسلوكياتك التي تجعلك فريدة ومتميزة عن أي إنسان آخر. فمعرفة هويتك تساعدك على تمييز مواهبك الطبيعية ونقاط القوة في شخصيتك. كما تساعدك على إدراك القيم التي تريدين التمسك بها، وتمنحك القوة الشجاعة للتخلي عن كل ما لا يرضيكِ في شخصك أو الدوائر المحيطة بكِ. فكلما عرفتِ هويتك وشعرتِ بالراحة والسلام مع نفسك تعكسين التميز الذي منحك إياه الله.
- الاستقرار النفسي: وأخيراً وليس آخراً، تمنحك معرفة هويتك الشخصية الراحة والسلام اللذين تحتاجين إليهما للنمو والازهار بشكل شخصي والتأثير الإيجابي على الآخرين. فلا سلام دون معرفة هويتك الحقيقية النابعة من هوية الله ذاته. وأي سلامٍ يكون بعيداً عن مصدر هويتك الأصيل.
وأخيراً
أتمنى أن أكون قد شجعتكِ في هذا المقال على البحث أكثر عن تفرُّد هويتك. وهو أمر لا غِنى لكِ عنه ما دمتِ ترغبين بالنضوج والتفرُّد والتأثير. أشجّعكِ أيضاً على قراءة المقالات الأخرى على موقع المرأة العربية اليوم التي تتناول هذا الموضوع من جوانب وزوايا مختلفة. لكي تطلعي على طرق معرفة هويتك والثبات فيها ومواجهة مختلف المواقف التي ربما شوهت صورة هويتك الذاتية. ولا تحرمينا من التغذية الراجعة من خلال التعليقات أو الرسائل الخاصة لتعرّفينا على رحلتك في هذا المجال. وطرح أية أسئلة تدور في ذهنك لنتمكن من مساعدتك بطريقة إيجابية وبنّاءة.