ليست النِّهاية… الأمل موجود

باب: اين أنا غداً

الكاتبة: الإخصائية النفسية: دينا برقان

التاريخ: أغسطس 17, 2024

في البداية تذكَّري دائمًا أنَّ السَّبب الرَّئيس للانتحار هو فقدان الأمل، فقد وصل الشَّخص إلى مرحلة عدم قدرته على تحمُّل الألم النَّاتج من ذلك. وبالتَّالي فإنَّ الشَّخص أصبح عاجزًا عن النَّظر إلى حياته من زاوية أخرى قد يجد فيها الأمل. وقرار الانتحار هو عبارة عن صرخة أخيرة لطلب المساعدة لإيقاف هذا الألم. لذلك فإنَّ أوَّل ما يحتاجه هذا الشَّخص هو دعم مَن حوله له بمساعدته على النَّظر إلى حياته من زاوية أخرى قد يجد فيها الأمل للاستمرار في الحياة. ولكن كيف؟

أوَّلًا، كيف ندعم شخصًا يختبر بعض عوامل الخطر الَّتي ذكرناها في المقال السَّابق، وهي العوامل الَّتي تُنذر بأنَّ الشَّخص في دائرة الخطر وأنَّه قد يقوم بالانتحار.
  • فمثلًا عند تعرُّض الشَّخص إلى خسارة ما سواء كانت بوفاة شخص عزيز أو خسارة مادِّيَّة؛ فإنَّ القيام بدعمه يتمحور حول وجودك بالقرب منه والاستماع له. استمعي لمشاعره ولتعبيره عن حزنه وألمه، وكوني مُستمعة أكثر من متكلِّمة؛ فالشَّخص في هذه الحالة يحتاج إلى شخص يستمع له ويتعاطف معه دون إعطاء نصائح. قد يحتاج الشَّخص إلى بعض النَّصائح في مراحل قادمة، لكن في البداية -وخصوصًا عندما يكون الألم كبيرًا- فإنَّ الشَّخص يحتاج إلى مَن يستمع له، ويتعاطَف معه، ويُشعره بأنَّ حياته مهمَّة بالرَّغم من الخسارة. كما أنَّ دعمه لا يكون بتوجيه اللَّوم له أو بتوجيهه اللَّوم إلى نفسه. إنَّما تقوم بدورك عندما تُساعده أن يرى الأمور بمنظور آخر.  
  • وإن كان الشَّخص يعاني من المشاكل النَّفسيَّة كالاكتئاب أو القلق أو غيرها ويتناول الأدوية النَّفسية، فالدَّعم يتمثَّل أيضًا بالاستماع إلى مشاعره وألمه، ومساعدته على التَّغلُّب على الشُّعور بالعار والخجل من وضعه أو لتناوله الأدوية النَّفسيَّة. وأيضًا توفير العلاج والدَّعم النَّفسيّ من قِبَل مُختَصِّين، حيث يستطيع التَّعامل مع مشاعره ويتوصَّل إلى فهمها وفهم تصرُّفاته ومشاكله. وحتى عند توفُّر العلاج النَّفسيّ، فإنَّ توفُّر الدَّعم من قِبل العائلة والأصدقاء مهمٌّ جدًّا. فهُم الأشخاص الَّذين يوجدون معه أغلب الوقت، لذا تفهُّمهم واهتمامهم يُساعد الشَّخص على تخطِّي الشُّعور بالعار والخجل. 
  • أما إذا تعرَّض الشَّخص إلى مرض جعله عاجزًا أو كان غير قابل للعلاج، فمن المهمّ الاعتناء به بطريقة تحترم كرامته وأيضًا إخباره بالكلام وبالأفعال بأنَّ حياته مهمَّة وذات قيمة لمَن حوله ولعائلته. فمثلًا، لا تتعاملي كأنَّه غير موجود أو كأنَّه قد توفِّي. بل أبقي على أسلوب تعاملك السَّابق مع مراعاة تأثير مرضه أو عجزه على نفسيَّته وقدراته. أيضًا حاولي توفير نشاطات أو مهامّ معيَّنة له يستطيع القيام بها بالرَّغم من مرضه ليشعر فعليًّا أنَّ كلَّ يوم في حياته مهمّ.
ثانيًا، كيف نتصرَّف عندما نلاحظ الإشارات التَّحذيرية، وهي الإشارات الَّتي يُرسلها الشَّخص إمَّا بكلامه أو بتصرُّفاته على أنَّه سوف يُنهي حياته. 
  • أهمُّ خطوة هي أن تأخذي كلامه وتلميحاته بجدِّيَّة، فلا تتعاملي معها بأنَّها سخيفة أو أنَّها مجرَّد محاولة لجذب الانتباه. اسألي بطريقة مباشرة عن قصده، مثلًا: ماذا تقصد بأنَّ حياتنا ستكون أفضل بدونك؟ هل تفكِّر يإيذاء نفسِك؟ قد تعتقدين بأنَّ الكلام بطريقة مباشرة عن الانتحار قد يزرع في الشَّخص فكرة الانتحار أو قد يشجِّعه على ذلك. لكنَّ هذا الاعتقاد خاطئ؛ فعندما تتكلَّمين بطريقة مباشرة فإنَّكِ تكونين قد تواصلتِ مع ذلك الشَّخص بعُمق. فأنتِ قد أوصلتِ له أنَّكِ تُصغين له، وليس مجرَّد أنَّكِ استَمعتِ إلى كلامه وإنَّما أصغيتِ إلى تصرُّفاته وتلميحاته ومشاعره. 
  • اسأليه بطريقة مباشرة عمَّا إذا كان لديه خطة واضحة، اسأليه عن التَّفاصيل: متى، وأين، وكيف؟ قد يكون هناك تاريخ محدَّد، أو يوم مُحدَّد، أو حتَّى ربَّما أنَّه ينتظر حدوث مناسبة أو حدث مُعيَّن ليقومَ بالانتحار. وأيضًا قد يُحدِّد مكانًا مُعيَّنًا. إمَّا مكانًا حدثَت فيه عدَّة حوادث انتحار، كجسور أو مبانٍ عالية، أو مكان خاصٍّ به. وقد يكون الشَّخص قد حدَّد الطَّريقة، اسألي عنها وعن توفُّر الأداة أو الموادّ الَّتي سوف يستخدمها. سؤالك عن تفاصيل الخطَّة يوصل للشَّخص بأنَّكِ أخذتِ كلامه بجدِّيَّة وأنَّكِ تهتَمِّين بحياته. 
  • لا تستفزِّيه: لا تقولي له أنتَ أجبَن من أن تقوم بذلك، أو هذا ضعف أو استسلام، ولا تقومي بوعظه وتأنيبه؛ فكُلُّ ذلك يزيد من ألمه ولا يُوصل تفهُّمك أو اهتمامك، ولا تقولي له بأنَّه أنانيٌّ وأنَّه يزيد من العبء على حياتِك بتفكيره وتصرُّفه بهذا الشَّكل. أيضًا لا تستَخِفِّي بخطَّته، كأن تقولي له أنَّك حتَّى لو نفَّذتَها لن تموت. بل سوف تُصاب بالإعاقة أو سيكون هناك مجال لإنقاذك، فإنَّ ذلك سيدفعه أكثر إلى تنفيذ خطَّته بطريقة يتأكَّد من موته ليُثبِت جدِّيَّته.
وايضاً:
  • قومي بإبعاد او إخفاء أيَّة موادَّ أو أدوات قد يستخدمها، كالأدوية، أو موادّ التَّنظيف الكيميائيَّة، أو الأسلحة النَّاريَّة، أو السَّكاكين الحادَّة والحبال. قد تُوجَد العديد من الموادّ والأدوات الَّتي قد يستخدمها والَّتي لا تستطيعين إبعادها أو إخفاءها. لكن حاولي إبعاد الموادّ والأدوات الَّتي لا تحتاج إلى تفكير وتخطيط لاستخدامها، كالأسلحة النَّاريَّة، والأدوية، والسَّكاكين، أو الخناجر الحادَّة.
  • حاولي عدم تركه وحده قدر الإمكان. تعاوَني مع باقي أفراد العائلة ليُوجد شخص معه أغلب الأوقات، وخصوصًا في أكثر الأوقات التي يشعر فيها بالوحدة. اطلبي من الأصدقاء والعائلة أن يتواصلوا معه ويُبدوا اهتمامَهم به. 
  • اطلبي مساعدة مختَصِّين، وإذا كان الشَّخص يُراجع معالجًا نفسيًّا أو طبيبًا، فأعلمِيهم بخطَّته وتفكيره ليتَّخذوا الاجراء المناسب، فقد يحتاج لإدخاله المستشفى للمُراقبَة على مدار السَّاعة، أو يحتاج إلى تعديل جرعات أدويته إذا كان يتناول الأدوية. 
خلال قيامك بكلِّ ما سبَق، احرَصي أن تتواصلي دائمًا مع هذا الشَّخص. وما أقصده بذلك هو أن تُصغي إليه وليس فقط الاستماع. أصغي باهتمام إلى ألمه ومشاعره وقدِّريها.

أخبِريه أنَّكِ تتعاطفين معه وأنَّكِ تتفهَّمين مدى حزنه وألمه حتَّى وإن كُنتِ لم تشعري بذلك من قبل ولم تمُرِّي بنفس ظروفه لكنَّكِ تتفهَّمين ذلك. لا تُقَلِّلي منها. ولا تُخبريه بأنَّ عليه فقط أن يُغيِّر تفكيره فهو قد وصل إلى مرحلة بأنَّه لا يستطيع ذلك وحده. فمشاعره وحزنه وألمه تطغى على كلِّ شيء بما في ذلك قدرته على التَّفكير بطريقة أخرى، لكنَّ دعم العائلة والأصدقاء وتوفيرهم للاهتمام والعناية سيساعده. وسيجعله يشعر بأنَّ حياته مهمَّة وسيجد الأمل المفقود من جديد. 

عزيزتي، إذا تعرَضتِ في الماضي لقيام شخص قريب منك كفرد في العائلة أو صديق بالانتحار، فلا تقومي بلَوم نفسك لعدم تنبُّهِك لنيَّتِه أو عدم اهتمامك الكافي به.

فقد لا تكونين على عِلم بكلِّ هذه المعلومات عن الانتحار أو قد يكون الشَّخص قد أقدم على الانتحار بلَحظة يأس مفاجِئة. فبالرَّغم من أنَّ أغلب الأشخاص يُرسلون إشارات تحذيريَّة، إلَّا أنَّه قد تحدث بعض الحالات بطريقة مفاجِئة ودون إشارات مُسبَقة. وقد تكونين قد قُمتِ بكلِّ ما استطعتِ، لكن في النِّهاية اختارالشَّخص إنهاء حياته بالرَّغم من كلِّ شيء. لا تقسي على نفسك ولا تلوميها، اطلبي الدَّعم ممَّن حولك، وقد تستطيعين استخدام خِبرَتك لمُساعدة آخرين.

أمَّا إذا كُنتِ أنتِ نفسك تشعرين بالألم والحزن، ولم تعودي ترَين الأمل في حياتِك، فإنَّني أشجِّعُكِ على أن تطلبي المساعدة. تواصَلي مع مَن حولك إلى أن تجدي شخصًا يُصغي إليكِ. لا تخجَلي من مشاعرك ومن ألمِك؛ فهي موجودة وحقيقيَّة. ومن حقِّك أن تُعَبِّري عنها، واعلَمي أنَّ هناك مَن يهتمُّ لأمرِك وأنَّ حياتكِ مُهمَّة، وأنَّكِ ستجدين الأمل من جديد. قد تحتاجين إلى مَن يساعدك لتجدي الأمل من جديد، ولا عار أو خجل في ذلك.

تواصَلي مع عائلتك أو أصدقائِك، أو ابحَثي عن شخص مُختَصٍّ ليُساعدَكِ. ويمكنُكِ أيضًا أن تتواصَلي معنا لنُقَدِّم لكِ الدَّعم والمُساندة، ونساعدكِ أن تجدي الأمل والهدف لحياتِك من جديد.  


انضمي إلينا اليوم وكوني جزءًا من مجتمعنا المتنوع! سجّلي الآن وأنشئي ملفك الشخصي للاستمتاع بفوائد عديدة وتجارب فريدة داخل موقعنا.

#المرأة العربية اليوم #امل #بداية #نهاية