سلام في العلاقات
باب: كيف أترك بصمة
الكاتبة: بسمة قموه
التاريخ: نوفمبر 14, 2023
هل فكّرتِ مرّة في كمية ألمك عندما واجهتِ تحدّيات ومشاكل معينة في علاقة مهمة في حياتك؟ مثلاً عندما تخلّى عنك أشخاص مقرّبون لكِ في وقت كنت بحاجة لهم، أو عندما لم يحترَم أحد رأيك ولم تجدي بجانبك من توقّعت أن يفرحوا لفرحك ويكونوا معكِ؟
كيف كان شعورك في تلك اللحظات؟ كيف تشعرين الآن وأنت تستذكرين هذه اللحظات؟ هل لديك القوّة والشجاعة لمشاركة هؤلاء الأشخاص بمكنونات قلبك؟
العلاقات جزء أساسي في حياتنا، فالله خلقنا لنكون في علاقات بعضنا مع بعض. تخيّلي نفسك وأنت تعيشين وحدك بالكامل… أمر صعب فعلًا ومستحيل. فما دمنا نعيش معًا وتربطنا علاقات، فإن الصراعات والمشاكل أمر حتمي ولا بدّ منه.
نعيش في رحلة حياتنا ونحن نتساءل: كيف أعيش في علاقة صحّية وسليمة مع أفراد عائلتي وزملائي وأصدقائي؟ كيف أقبل الاختلاف وأتعامل مع الخلافات؟ وكيف أعيش في سلام في علاقاتي المتنوّعة؟
كيف تبنين العلاقات السليمة؟
– تنطوي العلاقات السليمة على البناء المشترك، فحين تضعين في حسابك بأن يكون هدفك في أي علاقة قريبة هو إسعاد الطرف الآخر بنفس القدر الذي ترغبين فيه بإسعاد نفسك، عندها تضعين أساسًا صحيحًا للعلاقة، يمكنك أن تبني عليه بناءً قويًا يدوم ويصمد أمام كلّ العقبات التي ستواجهها هذه العلاقة.
– تُبنى العلاقات السليمة بين أشخاص يحملون في داخلهم قيمًا وأخلاقيات مشتركة، فهذا ما يحمي العلاقة من التحدّيات والعوائق التي تواجهها. فلو كان مَن تربطك بهم قيم مشتركة مثل قيمة التسامح والاحتمال والبذل والكرم، فالعلاقة تدوم لفترات وتبني مع الأيام المشاعر السليمة والقوية.
– تُبنى العلاقات السليمة على التفاهم وإيجاد لغة حوار صحيحة والاستماع والانفتاح للطرف الآخر بنفس الكمية التي يُسمح بها لك بالتعبير، بحيث لا يكون أحد الأطراف مستفيدًا على حساب الطرف الآخر.
– تُبنى وفي داخل كل شخص استعداد لتقديم وقته وجهده ومشاعره وحتى ماله لكي يحفظ العلاقة قوية ومستدامة. فالمحبّة مكلفة وكل من يحسب حساب هذه النفقة سينجح في علاقاته ولا ينسحب عند أول تضحية يقوم بها.
هل الخلاف أمر طبيعي في العلاقات؟
من المؤكّد أن يؤدّي العيش والعمل بالقرب من الآخرين وعلى مدى الوقت إلى عدم الاتفاق أحياناً، وإلى حدوث إساءات أو استثارة للآخرين. فنحن لدينا شخصيات وخلفيات وأذواق وأساليب حياة وحاجات مختلفة بعضنا عن بعض، وهذه الاختلافات غالباً ما تؤدّي إلى الخلافات. لكن عندما تُقبَل الخلافات كجزء واقعي من الحياة فهذا يساعدنا على التعامل معها بشكل أفضل. الخلافات ليست شيئاً مدمّراً بحدّ ذاتها، لكن أسلوب تعاملك معها هو الذي يحدّد حجم ضررها. وفي الواقع فإن تعاملك معها بشكل جيّد يمكّنك من الاقتراب إلى الآخرين بشكل أكبر، والمهارة التي يجب أن تتوفر لديك لحلّ الخلافات بطريقة صحيحة هي مهارة المواجهة ومهارة حل النزاع. إليك بعض النصائح العملية:
– تعاملي مع الحاضر.
لا تطرحي مشاكل سابقة، تكلّمي عما يحدث الآن. فعندما تقولين: “أنت دائما…” أو “أنت لا تفعل…”، فأنت تستدعين الماضي. وتعلّمي من إجابتك لسؤال كيف أنسى الماضي وأتقدّم للأمام.
– تعاملي مع الخلاف بأسرع ما يمكن.
– عبّري عن مشاعرك بشكل سليم. دعي الآخرين يعلمون ما هو شعورك خلال الخلاف. فإن كنت غاضبة، محبَطة ، تحدّثي عن مشاعرك مستخدمة أسلوب الأنا. لكن تجنّبي مجرّد تصريف غضبك، فلا تستخدمي مطرقة لسحق بعوضة!
– لا تهاجمي شخصية الطرف الآخر بل الفعل نفسه بعيدًا عن شخصيّته.
– لا تقرأي الأفكار: لا تحاولي تحليل دوافع وأفكار الشخص الآخر. فمن السهل عليك فهم أسباب السلوكيات لكن لا يحقّ لك أن تخبري الأشخاص ما هي دوافعهم ثم تدينهم على هذه الدوافع.
– ايضاً لا تحاولي الفوز: قد يبدو هذا غريباً لكن أي محاولة للفوز على حساب الشخص الآخر ستؤدّي إلى تدمير العلاقة فورًا، وإلى خسارة ثقة ومحبة هذا الشخص. عندما يخسر أحدكما فكلاكما يخسر، لأن الخلاف حقيقة ولم يُحلّ.
هل المطلوب أن أرضي جميع الناس؟
توجد مقولة مشهورة تقول: “إذا أردت أن تكون إنسانًا فاشلاً تائهًا فحاول أن ترضي جميع الناس.”
تلاحظين أن الناس في قيمهم وسلوكياتهم مختلفون جدًا. وهذا ينطبق على من تعاشرين من أصدقاء وأقارب وحتى داخل عائلتك نفسها، فلكلّ منّا طريقته في الحياة وأسلوبه وقيمه ومبادئه وأخلاقياته. فمحاولة الشخص إرضاء الجميع قد تُفقِدك هوّيتك وتجعلك تذوبين في الآخرين ذوبانًا قد ينتج عنه مركبات سامة في كثير من الأحيان.
أنت مطالَبة باحترام الجميع، ومطالبة ببناء صداقات وعلاقات سليمة بشرط أن لا تُفقِدك هذه العلاقات شخصيّتك الأصيلة وداخلك الذي تبنيه عبر السنين. أما إرضاء الكلّ فهي المهمّة الصعبة التي لو سعيت لتحقيقها لوجدت نفسك دائمًا على مفترق طرق حائرة لا تجدين خط سيرك في الحياة.
لذا فإننا ننصحك بما يلي:
- اجعلي نفسك واضحة في قيمك وعاداتك وأخلاقياتك، فمن حقّ الآخرين أن يعرفوا من أنتِ لكي لا يتعدّوا على حدودك.
- إذا أردتِ أن ترضي شخصًا معينًا لسبب وجيه ودوافع نقية فليكن هذا اختيارك أنتِ وبمحض إرادتك وليس إجبارًا عليك. ففي كثير من الأحيان قد تضطرين لإرضاء مَن هم قريبون على قلبك ونفسك لكي تعبّري عن محبّتك واهتمامك. ولكن كوني أنتِ قائدة هذا الاختيار.
- كوني أنتِ في كل المواقف، فهذا يبني هويتك الداخلية ويعطيك القوة والثبات. وهذا ما سينقلك للبحث في الأمر التالي وهي الأصالة.
الأصالة تبدأ من الداخل
استطاعت سعاد أن تلعب دورًا مميّزًا في مجال عملها وسط المعلّمات لكي تحافظ على مهنتها وتكسب لقمة عيشها. ولكنها من الداخل لم تكن قادرة أن تقدّم نفسها الحقيقية . فقد وضعت مجهودًا كبيرًا في العلاقات داخل العمل ولكنها كانت تتنفّس الصعداء عندما تعود للمنزل وتكون بين عائلتها. فهناك كانت تعيش دورها الحقيقي المتذمّر، وتعبّر عن إحباطها بعصبية زائدة . خسرت علاقتها مع أختها وبعض علاقاتها داخل العائلة بسبب تسرّعها في الغضب وعدم ضبطها لنفسها. كما وكانت تلوم كلّ من حولها بسبب وضعها المادي، وتعامل الجميع كمذنبين. هذا ما جعل أبناءها يتمنّون لو يقضون معظم وقتهم في بيت جدّهم بدلًا من التواجد مع أمهم التي لا تكفّ عن اللوم والغضب والحزن.
والأسئلة التي تخطر على بالنا هي: كيف يمكن أن تكوني أنتِ الحقيقية، سواء في علاقاتك أو في مهنتك وواجباتك، وحتى في كل أدوارك في الحياة؟
هل يمكن للآخرين أن يقدّموا رأيهم فيك بطريقة متشابهة ومتقاربة دون أن يكون هناك فروقات في وصف شخصيتك؟
الإجابة هنا هي أن السلام الداخلي مع نفسك والتصالح مع الذات في كل ما تملكين من إمكانات وإمكانيات سينعكس ويتجّلى في حياتك اليومية، وفي عاداتك وتسليتك وفي أهدافك وكلامك ونشاطاتك وما إلى ذلك. وهذا سيعطيك شخصية ثابتة واضحة وعلاقات سليمة مبنية على ما أنتِ عليه وليس على لبس اقنعة مختلفة عنك تجعل علاقاتك متعبه وخالية من السلام والديمومة.
فأنتِ أمام خيارين وطريقين لبناء العلاقات في حياتك وهما:
- طريق يقوم على المنفعة والكسب فقط دون العطاء. وهذه علاقة المحبة المشروطة دائمًا والمعرّضة للخطر خصوصًا عندما تنتهي مصلحتك من هذه العلاقة. فأنت قد تنسحبين منها تاركة خلفك أشخاصًا مجروحين وخائبين. وبنفس الوقت تتحوّلين إلى خاسرة لأن الأشخاص الذين يخسرون علاقات كثيرة يفقدون ثقة الآخرين بهم.
- طريق يطلب من العلاقة بقدر ما يُعطي، ويكون الأساس فيها المحبة والاحترام المتبادل. وهي علاقة تبُنى عبر السنين وتتقوّى وتنتقل من مستوى إلى آخر لتحقّق لك الدعم والرفقة والسلام.
وأخيرًا، إن بناء علاقات سليمة وسلام مع الآخرين هو قرار شخصية واعية مدركة لأهمية العلاقات. وهو قرار لشخصية مؤثرة تسعى أن تصنع فرقًا في حياة الآخرين. وإن السلام في العلاقات هو انعكاس للسلام الداخلي الذي يفيض فيك ليصل إلى علاقات سليمة تبنيك وتبني الآخرين.
اليوم أنت صاحبة القرار في علاقاتك. فكما يحتاج أي مشروع إلى إدارة وخطّة عمل لكي يكتمل، خذي وقتًا لنفسك واعملي تقييمًا لعلاقاتك التي تعني لك الكثير. حاولي أن تقيّمي أداءك في هذه العلاقة، ولا تكتفي بما أنت عليه بل طوّري هذه العلاقة واستثمري بها. لأنك ستجدين أن الطرف الآخر سوف يتحفّز لكي يكون معك على نفس المستوى من الانسجام. فكما نستثمر في أمورنا المالية وفي عملنا وأسرنا علينا أن نستثمر في علاقاتنا لكي يصبح مشوار الحياة أكثر متعة.