تحكَّمي بالغضب قبل أن يتحكَّم بكِ
باب: من أنا اليوم
الكاتبة: الإخصائية النفسية: دينا برقان
التاريخ: نوفمبر 2, 2024
هل الغضبُ شعور سيِّء؟ وهل من حقِّي أن أشعر بالغضب؟ وما سبب الغضب؟ هل يجب عليَّ كامرأة تجاهله وكبته وعدم الاعتراف به؟ أم يجب عليَّ أن أطلقه في وجه الآخرين حتى أثبِت قوَّتي وقدرتي على الدِّفاع عن حقوقي؟
في هذه السِّلسلة سنتحدَّث عن الغضب وأسبابه وكيفيَّة التَّعامُل معه.
في البداية عزيزتي، اعلَمي أنَّ المشاعر محايدة أي لا يمكن تصنيفها سيِّئة أو جيِّدة. المشاعر فقط مشاعر. تتولَّد نتيجة مواقف أو ضغوطات ولا يمكن التَّحكُّم بوجودها، لكن ما يتولَّد عنها من تصرُّفات أو أفكار هو ما يمكن تصنيفه بسيِّء أو جيِّد.
دوافع الغضب
الغضب شعور لا يتولَّد من تلقاء نفسه؛ فهوعبارة عن إشارة لوجود مشاعر أخرى عميقة لم تتعرَّفي عليها أو قُمتِ بكَبتِها، وذلك أثناء تعامُلِك مع الأشخاص المقرَّبين منك. ولكن ما هي هذه المشاعر؟ هذه المشاعر إمَّا أن تكون:
- ألمًا عميقًا: نتيجة عدم تسديد احتياجاتِك أو عدم قيامِك بالتَّعبير عن نفسِك.
هل فكَّرتِ يومًا أنَّ تصرُّفِكِ كما هو مطلوب منك ومحافظتك على السَّلام في جميع علاقتك ــ هو ما يجعلك تشعرين بالألم؟ فقد قدَّمتِ العديد من التَّنازلات لتُحافظي على علاقتك مسالمة وهادئة. لربَّما أنَّكِ تجنَّبتِ إبداء رأيك أثناء النِّقاش مع زوجك لتتجنَّبي تحوُّل النِّقاش إلى جدال، أو قد تكوني وافقتِ على تقديم الخدمات لأصدقائِك أو عائلتك، وذلك على حساب وقتك الخاصِّ وجهدك لتجعليهم سعداء، ولكن لم تجدي مَن يُقَدِّم لكِ المساعدة عندما احتَجتِ إليها! أو قد تكوني استمعتِ إلى العديد من الانتقادات والتَّعليقات الَّتي أزعجَتكِ، أو حتى النَّصائح المُقَدَّمَة دون أن تطلُبيها. لكن بدلَ أن تواجهيها قرَّرتِ أن تتجاهليها، وأن تكوني تلك المرأة المثاليَّة الَّتي تتقبَّل الجميع ولا تُزعِج أحدًا.
- شعورًا عميقًا بالذنب: نتيجة عدم قيامك بما هو مُتَوَقَّع منكِ.
الشُّعور بالذَّنب هو الوجه الآخر للعُملة، أنتِ تشعرين بالذَّنب لأنَّكِ لا تتصَرَّفين كما هو مطلوب منك. فأنتِ تسعين نحو ما تريدينه، وتضعين الحدود لمَن حولك، وتعتنين بنفسِك، لكن مَن حولك يجعلونك تشعرين بالذَّنب، فقد يتَّهمونك بالأنانيَّة واللَّامبالاة؛ إذ لا تُقَدِّمين لهم ما يريدونه، ولا تكونين هناك دائمًا في الوقت الَّذي يرونه مُناسِبًا لهم.
انفجار الغضب
لكن في لحظةٍ ما أو في يوم ما يحصل الانفجار العنيف؛ فيظهر غضب مُفاجِئ لكِ ولمَن حولك! وقد يكون تعبيرك عن الغضب على شكل:
- صراخ و لوم للآخرين على تصرُّفاتِهِم معكِ وعدم قدرتِك على القيام بما ترغبين به. أو لعدم تقديرهم لمساعدَتِك لهم.
- أو قد تُعَبِّرين عن الغضب بتصرُّف طفوليٍّ عنيد، كإصرارك على تصرُّف مُعَيَّن فقط لتعارضي مَن حولك وتُثبتي قدرتَكِ دون التَّفكير بأسباب أو عواقب هذا التَّصرُّف.
كلتا الحالتَين عبارة عن تعبير عن مشاعر دفينة تراكَمَت معَ الوقت فظهرت على شكل غضب.
لكن، ما نتيجة التَّعبير بالغضب؟
من الصَّعب أن تحصَلي على نتيجة إيجابيَّة بهذه الطريقة، فإمَّا أن يتفاقم الوضع ويتطوَّر إلى مشاكل كبيرة يتمُّ خلالها تبادل الاتِّهامات. وفي النِّهاية يرجع الوضع إلى ما كان عليه من التَّجنُّب أو التَّجاهل ليحدث انفجار آخر بعد مدَّة دون الوصول إلى نتيجة أو إيصال ألَمِك لمَن حولك ـــ أو قد تضطَرِّين إلى تحمُّل نتائج قرار طفولِيٍّ عنيد. لكنَّكِ فِعليًّا لم تصلي الهدفَ من التَّعبير عن غضبك. وهو إيصال ألَمِك جرَّاء تصرُّفاتِ مَن حولِك أو جعل مَن حولِك يفهمون ويحترمون حدودك.
ما الحلُّ؟
قد يتبادر إلى ذهنك أنَّ الحَلَّ هو عدم إظهار غضبك وكتمه في داخلك. ولكنَّ هذا الحلَّ يؤدِّي إلى مشاكل أكبر كالقلق أو قد يتطوَّر إلى تعبير جسديٍّ عن الغضب كنوبات القلق أو الآلام غير المُفَسَّرَة. أو أن تُفَرِّغي غضبكِ بالرِّياضة أو الرَّكض أو طرق أخرى -الأمر الَّذي قد يُساعد- لكن ليس هذا هو الحَلُّ؛ فأنتِ لم تُعالجي السَّبب الأساسيَّ للغضب، وهو عدم التَّعبير عن مشاعرك وحاجاتِك.
الحلُّ هو أن تُعَبِّري عن مشاعرِك وحاجتك بحزم. الحزم يعني أن تكوني واضحة وصريحة في التَّعبير عن حاجتك. وأن تتكلَّمي بهدوء دون عصبيَّة، وأن تبتعدي عن لوم الآخرين والتَّعليق على تصرُّفاتهم. لكن ليكن كلامُكِ عن نفسِك وعن حاجتِك، وكيف ستقومين مُستقبَلًا بالتَّعبير عن نفسِك وتسديد احتياجِك، لكن كيف؟
هذا ما سنتحدَّث عنه في المقالات القادمة: ما هو الحزم؟ ما معنى أن أعَبِّر عن نفسي بحَزم؟ هل سأقوم بتغيير نفسي أم الآخرين؟ وما هي نتائج هذا التَّغيير؟
انضمي إلينا اليوم وكوني جزءًا من مجتمعنا المتنوع! سجّلي الآن وأنشئي ملفك الشخصي للاستمتاع بفوائد عديدة وتجارب فريدة داخل موقعنا.