حواجز تعيق تقدُّمنا في الحياة

باب: اين أنا غداً

الكاتبة: رُبى ريحاني

التاريخ: نوفمبر 9, 2023

حواجز تعيق تقدُّمنا في الحياة: إنني من هذا النوع من البشر ومن النساء بشكل خاص، أبحث عن تطوير ذاتي باستمرار، أحبُّ التجديد والمغامرات التي تعلِّمني أشياء جديدة في الحياة، فأكتسب خبرة من الطبيعة والناس المحيطين بي. تعلَّمت مهاراتٍ كثيرة وبنيتُ علاقات وكوَّنتُ صداقاتٍ بحسب شخصيَّتي وطريقة تفكيري، وليس كما يمليه المجتمع عليَّ. أضع في مخيّلتي دائمًا مراحل تطوُّر الشرنقة لتصبح فراشة جميلة تبثُّ الجمال، وتمنح الشعور بالراحة والبهجة لمَن يراقبها ويتفاءل بها. 

في مرحلة متقدِّمة في حياتي، قرَّرتُ أن أمارس رياضة غير مألوفة بين النساء العربيّات، وهي ركوب الدراجات الهوائية. واجهتني في البداية تحدِّيات كثيرة؛ كوني أمًّا وزوجة وعاملة. لم أكن ماهرة في ركوبها، وأكاد لا أحصي عدد المرّات التي سقطتُ فيها عن درّاجتي بسبب عدم التركيز والانتباه. وأحيانًا بسبب القرار السريع بتغيير مسرَب درّاجتي. كان لديَّ ما يكفي من المبرِّرات لأتوقَّف عن القيام بأمر جاء في وقت متأخِّر من حياتي. اعتقدتُ أنَّ كلَّ شيء في الحياة يجب أن يبدأ في وقت مبكِّر إذا لم يكن منذ الطفولة: إلّا أنَّ تشجيع أبنائي وزوجي لي، ومن ثم أصدقائي جعل المستحيل يصبح حقيقة، وتحوَّل الخوف من الفشل إلى فوز ونجاح. لم يكن التَّشجيع وحده هو ما جعلني أحافظ على استمراري في ممارسة هذه الرّياضة. إنما الرَّغبة في التَّطوُّر، وتحسين مستوى أدائي، وتنمية خبرتي، والاعتناء بصحَّتي، الأمر الذي تطلَّب مني الثبات والالتزام والانضباط وتحديد أولويّاتي. وفي فترة قصيرة، أصبحت أجيدُ قيادة الدَّرّاجات الهوائية، وأشارك في بطولات، وأفوز في كلِّ مرة بمركز ثانٍ أو ثالث. 

العادات والتقاليد

بالرغم من ذلك، وبعيدًا عمّا أقوم به لتطوير ذاتي والَّتي هي جزء من تطوير حياتي، فلا بدَّ أن أقول إنَّ المجتمع بعاداته وتقاليده لا يزال العنصر الرَّئيس في إعاقة تطوُّر المرأة، سواء كان في مشاركتها في سوق العمل أو حصولها على فرصة لإكمال تعليمها أو تطوير ذاتها على مستوى شخصيٍّ، الأمر الذي يؤثِّر جدًّا على استقلالها واستقرارها وأمنها وازدهارها. لذا يبقى أمامك التَّصميم والمثابرة لكي تصلي إلى هدفك مهما كان الجدار الحاجز أمامكِ عاليًا.

عندما تطوِّرين نفسك وإمكاناتك وقدراتك في أيِّ مجال من مجالات الحياة، فأنتِ بذلك تسيرين بخطى ثابتة نحو التميُّز والنجاح وتحقيق طموحك. ليكن تطوُّركِ مبنيًّا على وجود رغبة شديدة في داخلك. وليس بسبب ضغط من الآخرين أو حتى من وسائل التكنولوجيا الحديثة التي تفرض عليكِ “ثيمات” أو “تريندات” متداوَلة لا تمُتُّ لكِ ولشخصيتك بصِلة. 

لقد بدأتُ العمل في حقل تدريب وتمكين المرأة منذ عشرين عامًا، لقد تعثَّرتُ ونجحت في كثير من الأمور بينما كنت أسعى إلى تطوير ذاتي، وعملي الذي كان شغفي الأوَّل والأخير طيلة الوقت. وخلال هذه الأعوام توصَّلتُ إلى محصِّلة من العوامل والأسباب التي تُعيق تقدُّم المرِأة في كافة مناحي حياتنا الأسرية والمهنية. ومن أهمِّ ما تعلَّمتُه أنَّ عملية التطوير هي فعل مستمرٌّ لا يتوقَّف عند تحقيق هدف معين. ولا يتوقَّف مع تطوُّر العمر، ولا مع تصعيد الظُّروف السِّياسية واختلال الأمن. تعلَّمتُ أنَّ التطوير يبدأ بإرادة داخليَّة تتعزَّز منذ الصِّغر وتكبر مع الإنسان. وإن لم يحدث ذلك كما كان ينبغي، فلا يعني أنَّ الحياة تتوقَّف، إنما هي فرصة لتعويض ما خسرناه والتقدُّم به. 

ما الذي يعيقُ تطوُّرَنا إذن؟

قد نكون نحن أنفسنا السَّبب في عدم تطوير أنفسنا، وقد تكون هناك أسباب خارجية، خارجة عن إرادتنا وسيطرتنا.

  1. غياب القدوة. هل يوجد لديكِ شخص ما تتطلَّعين إليه، وتتعلَّمين منه أو منها، سواء بالسلوك أو أسلوب إدارة حياته أو عمله؟
  2. المقارنة مع الآخرين. أرجو أن تتوقفي عن ذلك، فكما أنكِ إنسانة مخلوقة نادرة الوجود، كذلك الآخرون هم نادرون في شخصيَّتهم وتكوينهم. ما عليكِ إلا أن تبحثي عمّا لديهم من أشياء قد تتعلَّمين منها أو ما يمكنكِ أن تكتسبيه ممّا لديهم من خبرات جديدة.
  3. لوم ذاتك ولوم الظروف. نعم إننا نخطئ ونقع في مآزق، قد تلومين بيئتك، أو عدم كفاية الوقت، أو عدم وجود تمويل، أو ربما تلومين ساعات العمل الطويلة، أو الأهل والقيود التي يضعونها عليكِ. لستِ أنتِ المسؤولة عنها. فلوم الذات هنا لا يفيدك بشيء إنما يزيدكِ إحباطًا، إذا لم يكن مصحوبًا بقناعة أنَّكِ أقوى من أيِّ سبب قد يُعيق تطوُّركِ الشَّخصيَّ.
  4. الرغبة في النجاح السريع دون حساب أو تخطيط مُحكَم. لنتذكَّر معًا إذا أردتِ أن نزرع أيَّ نبتة، فإنها تحتاج إلى وقت وعناية لكي تنمو. تلك البذرة تكبر وتنمو إذا كانت التربة خصبة وتنال المقدار الكافي من النور والغذاء، أما إذا لم تتوفَّر هذه الأساسيات، فكيف نتوقَّع النمو لهذه النبتة وبسرعة فائقة؟ 
  5. قلَّة الدعم. كل ما نحتاجه أحيانًا هو مشاركة طموحنا وهدفنا مع الآخرين، ومحاولة جلبهم لكِ. فعندما يؤمنون بما أنتِ عازمة على القيام به، حتمًا سيقفون معكِ ويقدِّمون لكِ الدَّعمَ المعنويَّ، وربما المادي أيضًا. عدم المشاركة قد تُضيِّع عليكِ فرصًا كثيرة. 

ما الحل؟ 

كيف أطوّر من نفسي. هناك عوامل داخلية وخارجية تساعدنا على تطوير ذواتنا. هذه العوامل هي محصِّلة خبرات وتعلُّم. وربما قد قرأتِها أو سمعتِ عنها سابقًا من أكثر من مصدر، ولكنني أذكرها هنا للتأكيد عليها: 

  1. اكتشاف مواطن قوتك ومواطن ضعفك. يجب عليك أن تقومي باكتشاف شخصيتك وتتعلَّمي عن ذاتك. تجدين اليوم الكثير من الاختبارات المجانية في الإنترنت التي تساعدك على معرفة السمات الأساسية في شخصيتك وكيفية العمل على تعزيزها. إن كانت موطن قوة لديكِ أو التغلُّب عليها، إن كانت موطن ضعف لديكِ وتعيق تطويركِ. 
  2. حدِّدي هدفك الأساسي أو أهدافك بحيث لا تزيد عن ثلاثة لتمنحي نفسك فرصة العمل على تحقيقها. يجب أن تكون هذه الأهداف قابلة للقياس ومرتبِطة بمكان وزمان. 
  3. تحديد شغفك ومواهبك التي منحك إياها الله. وليكن هي نقطة انطلاقك نحو تطوير حياتك والإبداع.
  4. التوازن في إدارة حياتك وخاصَّة عندما تأتي المسؤوليات أو تزداد دون سابق إنذار. إنَّ العمل تحت الضغط يتطلَّب تدريبًا ومهارة وإدارة لوقتك بكل عناية وتنظيم. إنَّ تأجيل أو تجاهل مسؤولياتك له خطورة كبيرة ليس عليكِ فقط بل على مَن تُعيلينهم أو تقودينهم في حياتك.
  5. حدِّدي أولوياتك في الحياة الخاصة والعامَّة، ورتِّبيها حسب الأهمية. 
  6. اسعي إلى البحث عن فرص جديدة تتعلَّمين فيها مهارات حياتية وحِرفًا وبرامجَ تنمُّ عن شخصيتك وشغفك، سواء كانت عبر الإنترنت أو بالحضور الوجاهيّ. ففي عصرنا اليوم، تتوفَّر وسائل تسهِّل على الإنسان التَّعلُّمَ بطرق أسرع وأيسر من ذي قبل.
  7. حاولي أن تكوني مستمعة جيِّدة للآخرين. إنَّ استماعك لمَن حولك وعدم مقاطعة المتحدِّثين معكِ، يُشعرهم باهتمامك واحترامك لما يقولونه. وهذا يعطيهم الرغبة في التعاون معكِ وتقديم أيِّ مساعدة تحتاجينها. الاستماع الجيِّد هو مفتاح مهمٌّ لتطوير الذات. 

تغيير المستقبل

من هنا أقول لكِ، وفي ضوء ما ذكرتُ لكِ عن العوامل والمعوِّقات التي قد تقف أمامك: يمكنكِ أن تكوني قائدةَ نفسك أوَّلًا وقائدةً للآخرين. فالقائد هو من يؤثِّر في الآخرين للسعي نحو الهدف، فكلَّما كان التأثير واضحًا كان ذلك دليلًا على نجاح تلك القيادة. وهكذا يجعل الأفراد يتحرَّكون بالاتجاه الصحيح، ولا يستطيع أحد سواكِ إيجاد ذلك التأثير الإيجابيّ. 

أنتِ قوية؛ لأنكِ تستطيعين أن تقودي وتطوِّري ذاتك بالاعتماد على نفسك. ثقي بنفسك أوَّلًا، وبنقاط القوَّة التي تمتلكينها. قد تحتاجين إلى التدريب المستمرّ، كما أقوم بتدريب نفسي بانتظام على ركوب الدَّراجة. أشجِّعكِ على الاستمرار وعدم الاستسلام. اختاري ما يُناسب شغفكِ وشخصيَّتكِ، وحلِّقي عاليًا وتذكَّري أنَّ الشرنقة التي كانت لا تمتلك من الخبرة أيَّ شيء إلى أن جاء الوقت المناسب للتطوير. أصبحَت فراشة جميلة تختال بجمالها. تمسَّكي بحقوقك وإرادتك، وأطلقي العنان لقدراتك. امضي قدمًا، حتمًا ستنجحين وتؤثِّرين على مَن حولك، وخاصَّة مَن هم بحاجة إلى قدوة حسنة مثلكِ. 

#تطور #تقدّم #حواجز #نمو