إعداد: شيرين كرادشة
تقول سالي إنها شعرت بنعمة النوم العميق فقط بعد أن قضت بضعة أيام، وهي تعاني من الأرق، فقد كانت تتقلَّب في فراشها طوال الليل، ولم تتمكّن من النوم حتى ساعات الصباح الباكر. لم تعلم سالي ما سبب هذا الأرق، ولكن بعد أن قضت يومًا بين الجبال في رحلة في الطبيعة، شعرَت أن هذا ما كانت تحتاج إليه. يبدو أنَّ هناك ثورة داخلية من الأفكار والمشاعر خلال النهار، وقد حملَتها معها إلى سريرها في الليل. وهذا ما جعل ليلها ليلًا طويلًا من اليقظة غير المسيطَر عليها.
لا بدّ أنّكِ عزيزتي قد عانيتِ من ليالٍ من الأرق أو من بعض الآلام الجسدية كأوجاع في البطن أو تسارع دقات القلب أو صداع أو غيرها. كما ولا بدّ أنَّ مَن حولك لاحظوا عليكِ الانفعال والتوتر من خلال نقاشاتكِ وأحاديثكِ وأعمالكِ اليومية. ليس هذا فقط بل وقد تحتاجين إلى بعض الوقت قبل إنجاز المهمات المطلوبة وبالأخص تلك التي تحتاج إلى تفكير عميق، أو حتى المُرتبط منها بالأعمال اليدوية العادية. فتكونين في حالة من عدم الهدوء الداخلي التي تنعكس على طريقة تفكيركِ وإنجازكِ للمهمّات. كل هذا إنما هو مرتبط بالسلام الداخلي الذي هو محور أساسي يؤثر على فكركِ ومشاعركِ وإنجازاتكِ.
كيف أحصل على السلام الداخلي؟ وما المصادر التي يمكنكِ أن تلجئي إليها لتحصيله؟ وهل هناك ما يمكنكِ عمله للمحافظة عليه؟ وما العادات أو الأعمال أو العلاقات أو المهارات التي تساهم بشكل خاص في تحقيق سلامكِ الداخلي؟
سنسرد في مقالنا هذا بعض الأفكار والخطوات العملية التي نشجّعك أن تتأمّلي بها وتبدئي بتطبيقها عمليًّا. وتذكَّري أنَّ التغيير يبدأ بخطوات صغيرة، وكل خطوة صغيرة ستقودكِ إلى خطوة أكبر. كوني متحمِّسة ومتفائلة ومُنطلقة لتحقيق هدفك في الحصول على حياة تتَّسم بالسلام الداخلي.
أولاً: الأمور المتعلِّقة بالجوانب الفكرية والنفسية أي تلك المرتبطة بأفكاركِ ومشاعركِ وهي:
- محبوبة، مقبولة، في سلام: من أهم الأمور التي تحتاجينها لخلق السلام والهدوء الداخلي هو أن تكوني في سلام مع نفسك، فالمصالحة مع النفس وقبولها والتخلُّص من مشاعر الذنب والإدانة تساهم في خلق الهدوء الداخلي، والأهم من هذا كلِّه هو أن تكوني في سلام مع الله خالقكِ. فإدراككِ أنكِ مقبولة ومحبوبة محبة غير مشروطة سيجعلكِ قادرة على أن تقبلي نفسك بصدق وأن تنطلقي في رحلة الحياة مسلَّحة بالمحبة والسلام.
- مجموعة الدعم: لا يمكنكِ أن تنكري أبدًا أهمية المشورة ومجموعات المساندة والدعم. ففي كثير من الأحيان أنتِ بحاجة إلى تفريغ مشاعركِ والحصول على المواساة والتعاطف، وربما بعض البكاء كذلك. كل هذا يمكن أن يتم من خلال أصدقاء أو مرشدين، كما ويمكن أن يقدّمه لك شخص متخصّص في المشورة. لا تتردَّدي في الحصول على المساعدة وخاصة في حال تعرّضكِ إلى ظروف صعبة أو أزمات خاصة وجدت صعوبة في تخطّيها وحدك. ولا تنتظري الوقت الذي تبحثين فيه عن مجموعة تدعمكِ. اجعلي لكِ مجموعة من العلاقات المتينة المستمرَّة التي تعملين على إثرائها وتغذيتها مع أصدقاء وزملاء يتمتّعون بخبرة وحكمة ومحبة ومساندة أنتِ بحاجة إليها، وكوني أنتِ لهم أيضًا المعطاءة المسانِدة عندما يحتاجونكِ بدورهم. بالطبع هناك الكثير من العلاقات السامة التي تخطف طاقتك وسلامك، ما عليك إلا تجنُّبها أو تقليلها قدر المستطاع إن كان هذا غير متاح.
- ما بين الماضي والمستقبل! قد تعيشين أسيرة لذكريات الماضي أو في خوف وقلق من نحو المستقبل. لكن في الحقيقة ينبع سلامك وهدوؤكِ الداخليان من عيشك واستمتاعك وتركيز تفكيرك على اللحظة الحالية دون حبس نفسك في قيود الندم والحزن من الماضي أو القلق والهم والخوف من المستقبل. فكلما ركّزتِ في اللحظة الآن يرفع هذا مستوى سلامك، ويقلِّل من توتُّرك واضطرابك.
- ما بين أنا والآخر! قد ترغبين بأن تكوني متفانية ومضحِّية، وتسعين إلى سعادة الآخرين والخروج من دائرة النفس، ولكن هذا لا يعني أن تنسي نفسك ولا تكوني منصفة بحقِّ نفسك، أو ألا تساهمي في إكرامها وعدم ظلمها. يمكنكِ أن توازني بين ما تحتاجين إليه وما تريدينه وبين ما هو مهم لكِ وما هو بالمقابل للآخرين. هذه ليست أنانية ولا عدم تفانٍ بل هي سعي نحو حياة متزنة ومتوازنة. وأهم ما في الأمر هو خلق توازن بين الوقت الذي تقضينه مع الآخرين والوقت الذي تكونين فيه في هدوء مع نفسك، هذا التوازن هو ما يشحنكِ ويقودك نحو الإنجاز. وبالطبع هناك فرق بين احتياجات الناس، فهناك مَن يحتاج إلى وقت خاص مع الآخرين أطول من وقته مع ذاته وهناك مَن يحتاج إلى العكس، وذلك حسب طبيعته واحتياجاته.
اسألي نفسك: متى آخر مرَّة جلستِ فيها مع نفسي جلسة هادئة؟ ما نسبة الوقت الذي أقضيه مع الآخرين بمقابل الوقت الذي أقضيه مع نفسي؟ ماذا ستفعلين: هل ستجلسين في هدوء وحدك أم ستتواصلين مع أصدقائك للخروج؟
- ما بين الجدّية والمرح: كيف تعيشين الحياة؟ هذا هو السؤال المعضلة الذي قد تمضين سني حياتكِ وأنت تحاولين الوصول إلى إجابة كاملة عنه. قد تصارعين بين الحياة الجدِّيَّة المنظَّمَة التي تحتوي على الأهداف والخطوات العملية الواضحة والميزانيات المحدَّدة، وما بين المرح والفرح والضحك والشعور بالمتعة. إن أمضيتِ حياتك على جانب واحد فأنتِ في تعاسة. لذا من المهم أن تجعلي لك أهدافًا واضحة وخططًا محكَمة، ولكن لا تأخذي الحياة بجدّية زائدة فأنتِ تحتاجين إلى بعض المتعة والضحك.
- الامتنان ترياق الكآبة: في كل مرة تتذكَّرين النعم والبركات والخيرات التي لكِ، فإنكِ بهذا تشحنين نفسك بطاقة إيجابية، فكلما شكرتِ فإنكِ تقاومين كلّ نكد وكآبة وسلبية. ومن أجمل الأمور المشجِّعة التي يمكن أن تعمليها هو أن تكتبي في كل يوم لو ثلاثة أمور إيجابية تشكرين عليها، هذه الطريقة تجعلك تشعرين بالامتنان والتقدير أكثر لما لديكِ وللآخرين من حولكِ.
أشجِّعك أن تبدئي الآن، توقَّفي عن القراءة واذكري ثلاثة أمور إيجابية حدثت معك اليوم، أرجو أن تكون هذه المقالة واحدة منها.
ثانيًا: الأمور المتعلِّقة بالجوانب العملية أي تلك المرتبطة بسلوكك وتصرُّفاتك وهي:
- بين الطبيعة وعلى أنغام الموسيقى: وهذا يعني توفير بيئة مريحة محيطة تنبع بالهدوء وتزرع في أعماقكِ السلام. يمكنكِ تحقيق ذلك من خلال قضاء أوقات في أحضان الطبيعة. فمن المعروف أنَّ الطبيعة تجلب الهدوء وتزيل التوتر، فكما قال أحدهم: في كل مرة تسير فيها في الطبيعة تحصل على أكثر مما تريد. كذلك تحتاجين إلى تهدئة سمعك من الصخب والإزعاج من خلال الاستماع إلى الموسيقى، فكما يُقال إنَّ الموسيقى هي غذاء الروح، فنفسكِ تهدأ وترتاح عند سماع تلك الموسيقى والأنغام المريحة. أشجِّعك أن تنظري إلى الأشجار والعصافير وربما نجوم السماء اليوم وتستمتعي بخليقة الله.
- شهيق، زفير: أي أن تقومي بتغذية رئتيكِ بذلك النَفَس العميق. كثيرًا ما تنسين أن تتنفَّسي نفسًا عميقًا، وعندما تفعلين ذلك فإنك تدركين ما كنتِ بحاجة إليه. فعندما تفكِّرين في نفسك وتركِّزين في الشهيق والزفير العميقَين وفي ملاحظة حركة الرئتين والحجاب الحاجز، فإنكِ تدركين كم كان مهمًّا هذا النفَس بالنسبة إليكِ، فهو يهدّىء نفسكِ ويخفِّف انفعالكِ، وتوتركِ ويجعلكِ تشعرين بالراحة. ما رأيك بنفَس عميق الآن، أتوافقين معي أنه مريح للغاية؟
- التعزيل، التعزيل، التعزيل: من المعروف كذلك أنَّ البيئة المحيطة التي تتَّسم بالنظافة والترتيب والتنظيم تساهم في زرع الهدوء. فكلما كانت البيئة مكتظة، فإنها تخلق مشاعر سلبية غير مريحة، لذا فإنَّه من الأشياء المفيدة للغاية تقليل المقتنيات المحيطة بكِ والتكويم، والتخلُّص من الأشياء التي لا تلزمك. هذه البيئة الرائقة تساهم في خلق السكينة الداخلية فيكِ، ولا يقتصر هذا على البيئة المادية فقط، ولكنّه يشمل كذلك بيئة العلاقات مع الآخرين، فكلما أحطتِ نفسك بعلاقات وصداقات إيجابية هدفها بناؤك ودعمك وتشجيعك، فإنك ستزهرين وتزدهرين أكثر؛ لأنك تشعرين بالراحة في أعماقك وبالتالي ينعكس هذا على إنجازك وأعمالك.
- العيش ببساطة: أن تعيشي في بساطة لا يعني أن تلبسي ملابس رخيصة أو تقودي سيارة متواضعة، ولكن يعني أن تكوني أنتِ في طبيعتك بسيطة، أي أن ترَي الإيجابيات في الحياة أكثر من السلبيات، وأن تكوني صادقة مع نفسك متقبِّلة لغيرك متجنِّبة ارتداء الأقنعة، واعية لأفكاركِ ومشاعركِ، متخلِّصة من الشعور بالذنب، شاكرة ممتنَّة متقبِّلة للفشل ومحتفلة بالنجاح، واضعة الحدود المناسبة، قابلة لنفسك دون أن تقارنيها بغيرك، مقتنِعة ومكتفية ومميِّزة بين ما تريدينه وما تحتاجين إليه.
وكما قال أحدهم: إنَّ نجاحك يعتمد على انضباطك وسلامك الداخلي، وقال آخر: إنَّ تبسيط الحياة هو الخطوة الأولى نحو السلام الداخلي. والتبسيط المستمرّ سوف يخلق سلامًا داخليًّا وخارجيًا. الأمر الذي يجلب التناغم في الحياة. ولهذا فالدعوة لكِ اليوم أن تسعَي نحو السلام الداخلي من خلال تلك الخطوات العملية والبسيطة؛ بأن تعيشي ببساطة وتستمتعي بالطبيعة، وتحيطي نفسك ببيئة بسيطة وأشخاص إيجابيين داعمين، وأن توازني بين أنتِ والآخر، والجدية والمرح، والماضي والمستقبَل، وفوق الكل أن تمارسي الشكر والامتنان، ولا تنسَي أن تأخذي نفسًا عميقًا. فهذا سيقود خطاكِ في طريق النجاح في حياتك وعلاقتك مع غيرك، وستكون لكِ نظرة صحيحة نحو الحياة، فتعيشين يومك في متعة وسلام وتقدُّم نحو الأمام.
المراجع:
مقالة من موقع lifehack