متى جفّ الجدول

 «انْطَلِقْ مِنْ هُنَا وَاتَّجِهْ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَاخْتَبِئْ عِنْدَ نَهْرِ كَرِيثَ الَّذِي هُوَ مُقَابِلُ الأُرْدُنِّ،

 فَتَشْرَبَ مِنَ النَّهْرِ. وَقَدْ أَمَرْتُ الْغِرْبَانَ أَنْ تَعُولَكَ هُنَاكَ».

(1 ملوك 17: 3-4)

في عالمنا العربي حيث الماء رمز الحياة، صورة الجدول الذي يجفّ تحفر بعمق في وجداننا. لقرون، اعتمدت مجتمعاتنا على الأنهار والينابيع والواحات، وجفاف المياه ليس مجرد إزعاج بل كارثة حقيقية. وكذلك في حياتنا، نواجه أوقاتًا تجفّ فيها “الجداول” التي نعتمد عليها، سواء كانت مواردنا، علاقاتنا، أو فرصنا.

إيليا النبي، رجل الإيمان العظيم، واجه هذه اللحظة بالذات. بعد مواجهته الجريئة مع الملك آخاب ويزابل، أمره الله أن يختبئ عند جدول الفرات، وهناك رافقه الله بمعجزة: الماء من الجدول والخبز الذي أحضره الغربان. ولكن بعد فترة، جف الجدول. هل كان ذلك تخليًا من الله عن إيليا أو نقضًا لوعده؟ لا، بل كان انتقالًا في رحلة إيليا، وفرصة لإيمان أعمق واعتماد أكبر على الرب.

في منطقتنا، كثير من العائلات والمجتمعات تعرف ألم الفقدان سواء بسبب الحرب، التشريد، أو الضائقة الاقتصادية.

جفاف الموارد قد يشعرنا بنهاية الأمل. لكن، كما تعلمنا من قصة إيليا، لا تقتصر معونة الله على جدول واحد فقط. عندما يجف مصدر، يقودنا الله إلى مصدر آخر. ففي حالة إيليا، أرسله إلى صرفة، حيث أرادته أرملة أن توفر له، مظهراً قدرة الله على التدبير حتى في أماكن غير متوقعة.

حين تجف جداول حياتنا، كثيرًا ما يصاحبنا شعور بالخوف، الشك، وأحيانًا الغضب. نسأل: “لماذا يا رب؟ ماذا تعني هذه التجربة؟” وفي هذه اللحظات، يدعونا الله إلى الثقة به أعمق، إلى الاستماع لهدوئه، واكتشاف الطرق الجديدة التي أعدّها لنا. إنه الله الذي يحول الصحارى إلى أنهار والوديان إلى ينابيع حياة.

في ثقافتنا، نُثمّن الصبر والتكاتف. عندما يجف جدول ما، نتجمع لإيجاد حلول ودعم بعضنا البعض. وهذا يعكس قلب الله لشعبه: أن نعتمد عليه، ونُظهر محبته ورعايته لبعضنا في أوقات الحاجة.

صلاة:

يا رب، عندما تجف جداول حياتي، ساعدني على الثقة بتدبيرك الذي لا يفشل. ذكرني أنك مصدر كل بركة وأنك تقودني إلى مياه أعمق. علمني أن أصغي لصوتك حتى في صمت اللحظات، وأن أمشي بالإيمان والشجاعة. وأجعلني أيضًا مصدر رجاء ودعم لمن حولي، لأُظهر محبتك وأمانتك. آمين.