مواجهة المشاكل
باب: نموي في الرحلة
الكاتبة: هالة حدادين
التاريخ: سبتمبر 2, 2024
لا بد من وجود مشاكل فهي باستمرار تواجهنا، فلا تخافي ولا تضطربي.. إن هذه ظاهرة صحية والاعتراف بوجود المشاكل شيء صحي لأنه يشير إلى السعي للتغلب عليها، لأن إخفاء المشاكل والادعاء بأن السعادة دائماً تخيم على علاقاتنا إن كانت في الحياة الزوجية أو العلاقات الأسرية أو العلاقة العملية، يشير بالواقع إلى وجود شيء خطأ.. أو أنّ الخطر على الأبواب. والسؤال الآن ما هي أسباب حدوث هذه المشاكل؟ وكيف تكون ردّة الفعل حين مواجهتها؟
قبل أن نتعرف إلى كيف نواجه المشاكل لا بدّ أن نتعرّف على المسبِّبات لهذه المشاكل.
السبب الأول:
يكمن في التنوع البشري، وهذا يعني أنّ الله خلق كل واحد منا شخصاً مميزاً وفريداً يختلف عن الآخر، وأعطى لكل واحد منا مواهب وقدرات يتميز فيها كل شخص عن الآخر. وهذا التميز كثيراً ما يؤدي إلى اختلافات في وجهات النظر بين الأفراد أو عدم تفاهم بين الأشخاص أو صراع في الرغبات.. إنّ هذا التمييز ليس المشكلة، بل إن كيفية ردة فعل كل شخص لحل المشكلة هذا بحد ذاته قد يؤدي إلى حدوث المشاكل.
السبب الثاني:
هو عدم معرفتنا لاحتياجاتنا. إن أساس العلاقة الناجحة هي في إدراكنا أننا مختلفون في احتياجاتنا الجسدية والروحية والعاطفية وهناك أيضاً عدم احترام الأدوار. يوضح الكتاب المقدس أن الله عندما خلق حواء (تكوين 2 :11 – 25) “الله خلق حواء لآدم معيناً نظيره” وليس معيقاً، بل نظيراً لآدم روحياً وفكرياً وعاطفياً وجسديا، ومن المشاكل التي نتجت عن عدم احترام الأدوار مشكلة عدم الطاعة. وهذه كانت السبب لأول مشكلة دخلت على الجنس البشري وهي مشكلة عصيان وتمرّد آدم إذ أنه عصى أمر الرب ولم يطع وصاياه. فيقول الكتاب المقدس في (تكوين 2 : 16 – 17) “وأوصى الرب الإله آدم قائلاً: “من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت”. وهكذا بسقوط آدم في الخطيئة بدأت المشاكل تسود على الجنس البشري. ففي آدم أخطأ الجميع. “من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم وبالخطية الموت. وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع” (رومية 5 : 12).
السبب الثالث:
مشكلة عدم الاستماع الجيد. وكانت هذه سبباً لحدوث ثاني مشكلة حصلت في البشرية. هذه المشكلة حصلت بين آدم وحواء، وكان سببها ناتجاً عن رغبات ودوافع حواء لأنها أرادت أن تعرف أكثر، فعدم طاعتها لوصية زوجها آدم الوصية التي أخذها من الرب الإله في تكوين (2 : 16 –17). ففي عدم طاعتها لزوجها هي أيضاً رفضت وصية طاعة الله، وهكذا الجميع سقط في الخطيئة ودخل الفساد في البشرية وبدأت المشاكل لأن الإنسان أصبح في دينونة وانفصل عن العلاقة الأولى التي كانت له مع الله. عندما خلق الله الإنسان، خلقه على صورته وشبهه (تكوين 1 : 26). فآدم الأول كان في صورة الله، أي من حيث القداسة والكمال. كان في علاقة وشركة صحيحة مع الله.. علاقة أب لابنه.. أما الآن وبسبب عدم طاعة آدم وحواء وعصيانهما لوصية الخالق كانت النتيجة سقوط البشرية كلها.
السؤال الآن: ما هو الحل؟
إن كلمة الله تعلمنا أن الله نفسه وضع الحل لأن في طبيعتنا الساقطة لا نستطيع إرضاء الله.. ولكن المفتاح لحل مشكلة الإنسانية هي محبة الله نفسه. فهو أتى إلى عالمنا وأخذ طبيعتنا الإنسانية كابن الإنسان وهو الله لنصبح أبناء الله فهو نزل من السماء إلى أرضنا ليعيد لنا صورتنا الأولى قبل السقوط. فيقول (إنجيل يوحنا 3 : 16): “لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية”.
لكن نعود الآن إلى السؤال: ما هي ردة فعلك حين حدوث مشكلة ما بينك وبين زوجك؟ أو بينك وبين كنتك أو حماتك أو أولادك أو مديرك.. الخ.
إن كلمة الله تعلمنا كيف نتجاوب مع حدوث المشكلة، فيعلم بولس في (فيليبي 4: 2 – 7) إن المفتاح لحل أية مشكلة تواجهنا هو أن ننظر بمنظار المحبة الإلهية فيقول بولس الرسول: “فتمموا فرحي حتى تفتكروا فكراً واحداً ولكم محبة واحدة حتى تفتكروا فكراً واحداً ولكم محبة واحدة بنفس واحدة مفتكرين شيئاً واحداً لا شيء بتحزب بل بتواضع حاسبين بعضكم البعض أفضل من أنفسهم ولا تنظروا كل واحد إلى ما هو لنفسه، بل كل واحد إلى ما هو للآخرين أيضاً”.
نعم إنّ دورك أن تكوني صانعة سلام، لأن السلام هو عكس الاضطراب والمشاكل. والسر هنا هو في كيفية مواجهة المشكلة أي ردة الفعل لها إن كان بالتصرف أو حركات الوجه أو نبرات الصوت. والأهم من ذلك ضبط النفس وضبط سيطرة اللسان. فالكلام الذي يخرج من اللسان خصوصاً ساعة الغضب يترك آثاراً وجروحاً. لذلك يعلّم الرسول بولس في (أفسس 4 : 29 – 33) عن الاستماع الجيد فيقول: “لذلك الاستماع الجيد أحسن من الغضب والتفوه في كلام رديء”. “لا تخرج كلمة رديئة من أفواهكم بل ما كان صالحاً للبنيان لذلك يرفع من بينكم كل مرارة وسخط وغضب وصياح وتجديف مع كل خبث. وكونوا لطفاء بعضكم نحو بعض شفوقين، متسامحين كما يسامحكم الله أيضاً في المسيح”.
تذكري النقاط التالية فقد تساعدك في ضبط ردة فعلك أثناء مواجهتك أية تجربة:
- إن أهمية الاستماع الجيد للطرف الآخر حين حدوث المشكلة مهم جداً، الاستماع بمعنى الإصغاء الجيد والحضور الذهني.
- ضرورة ضبط النفس وضبط اللسان، وتحلي بالصبر وابتعدي عن النقاش والجدال الحادّ.
سأشارك معك أربعة اتجاهات لردّة الفعل وهي:
- الاتجاه الأول هو اتجاه الحل الوسط، أي بمعنى دورك في إرضاء الطرفين.
- الاتجاه الثاني هو إثبات الذات عن طريق الدفاع المستمر عن موقفك دون عملية الأخذ والعطاء مع الطرف الآخر.
- الاتجاه الثالث هو التغاضي عن المشكلة أو تجاهلها دون وضع أية حلول لها أو حتى المحاولة في تفهم الموقف أو الحالة التي سببت لحدوث المشكلة.
- الاتجاه الرابع هو التحيز لطرف واحد فقط على حساب الطرف الآخر.
أين تجدين نفسك من هذه الاتجاهات؟ لا تنسي أنه حينما نقع في تجارب أو نواجه صعوبة ما فإننا نتعلم منها الكثير، فالتجارب هي مدرسة لنا لأنه حينما نواجه هذه التجارب نبني جسوراً من التواصل مع بعضنا البعض. لأن العلاقات والتعامل مع الآخرين أمر ليس سهلاً كما ذكرنا أن الله خلق كل واحد يختلف عن الآخر ويتميز عنه بقدراته ومواهبه وبشخصية وكما قلنا إنّ كل شخص فريد من نوعه. ومن ناحية أخرى هنالك مؤثرات داخلية وخارجية. وهي مكوّنات الشخصية الداخلية منها: عامل الوراثة، والخارجية منها: مستوى المعيشة والثقافة ودخل الفرد وفرص العمل.
كل هذه المؤثرات وتفاوتها من فرد إلى آخر تجعل التكييف الاجتماعي والعلاقات بين الأفراد أمراً ليس من السهل. فالعلاقات مع الآخرين تحتاج إلى فن، والسر في تكوين علاقات ناجحة بدون مشاكل هو السلوك في إطار المحبة والحكمة واحترام الذات وتقبّلها واحترام الآخرين. ولا تنسي أنّ بولس وجد لنا الحلّ للتغلب على المشاكل ومواجهتها حينما قال: “أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقوّيني” (فيلبي 4 : 13).
انضمي إلينا اليوم وكوني جزءًا من مجتمعنا المتنوع! سجّلي الآن وأنشئي ملفك الشخصي للاستمتاع بفوائد عديدة وتجارب فريدة داخل موقعنا.