كيف أنمو روحيًّا؟
باب: نموي في الرحلة
الكاتبة: بسمة قموه
التاريخ: نوفمبر 18, 2023
من المعرفة إلى التطبيق
جلسَتْ مها في المطبخ مرتبكة بعد أن بدأت بتحضير فطيرة التفاح التي طلبها ابنها لعيد ميلاده، بالرغم من أنها حصلت على الوصفة كاملة من صديقتها المختصَّة والمبدِعة بعمل الحلويات. واكتشفت مها أنها بدأت بالفعل بتحضير الفطيرة دون تحضير المكوِّنات بحسب الوصفة.
وهذا ما ينطبق على حياتنا الروحية أيضًا عندما نرغب وبشدَّة أن ننمو روحيًّا ونتغيَّر. ولكن نجد أنفسنا عاجزين عن هذه المسيرة الرّوحية الرائعة.
ثلاث حقائق يجب أن نأخذها بعين الاعتبار عند طرح مثل هذا الموضوع المتعلِّق بالنمو الروحيِّ:
الحقيقة الأولى: النمو الروحي يحتاج إلى التدخل والعمل الإلهي.
أما الحقيقة الثانية: المسؤوليَّة الشخصيَّة في النمو الروحي تقع على عاتقنا وبجدية وكلفة.
وأخيراً الحقيقة الثالثة: النمو الروحي رحلة لا تنتهي ومدرسة لا تخرِّج طلّابها.
أين يحدث النمو الروحي؟ وهل يجب أن أبتعد عن العالم لكي أنمو روحيًّا؟
يُجيبنا الكتاب المقدس وبكل وضوح أننا موجودون في العالم (يوحنا 17: 11)، وهدف الله لنا أن يُدرِّبنا ونحن في وسط مشغوليّات الحياة. فالنموّ الروحيُّ لا يحدث في فراغ وعزلة بقدر ما يحدث في واقع وظروف الحياة العملية اليوميَّة.
فنحن لا نستقبل قوى الله المغيِّرة فقط من خلال خلوات روحيَّة وفي بيوت المؤتمرات والكنيسة فقط. بل يتدخَّل الله في أيّامنا العادية وفي وسط العمل والأسرة طالما هناك قنوات نعمة مفتوحة وحساسيَّة لاستقبال إشارات وهمسات يوجِّهها لنا.
- من خلال أشخاص من حولك سواء مشجِّعين أو داعِمين.
- من خلال أحداث تشاهدينها والله يُكلِّمكِ من خلالها.
- من خلال نجاحك أو فشلك في موضوع معيَّن.
- من خلال مرضك أو صحَّتك.
أساسيّات النمو الروحي في حياتك:
- ادركي هويتك الحقيقية (البنوَّة والعلاقة):
وهذا يعني أن تُدركي أنَّكِ ابنة وفي علاقة أبويَّة مع الله إطارها المحبَّة وبعيدة عن العبودية، بل هي مهابة الابنة لأبيها المُحِبّ والإيمان بكلمته الصّادقة “الروح نفسه أيضًا يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله.” (رومية 8: 16). فهذا فقط هو الوضع الصحيح الذي يجعلك تبدئين رحلة النمو بيقين أنكِ تسكنين بيت أبيك. وهو يقدِّم لكِ كلَّ ما يلزم لنموِّك. ومن هنا يأتي دور الأب في مسؤوليته الشخصية عن نموِّك. فكما قلنا في بداية مقالنا هنا إنَّ النمو الروحيّ يحتاج إلى التدخل الإلهي وبدونه لا يمكن أن تنمي نموًّا صحيحًا.
فمناداته “أبي” يعطيكِ الشرعية والثقة والهوية وقبول استقبال ما يقدِّمه لكِ لنموِّك.
- انضمّي إلى عائلة المسيح
في جوّ العائلة السماوية (الكنيسة) وهي المسانَدة الجماعية للتمتع بالحب الإلهي الأبوي، والبيئة التي ينمو فيها الطِّفل إلى أن يُصبح ناضجًا. لا تحرمي نفسك من هذا الامتياز أن تكوني عضوة في جسد المسيح. وتأخذي موقعك في الأخذ والعطاء المشبِع لكِ ولقلب الله نفسه.
- ادركي حاجتك للتنقية
تحتاجين في وسط هذا العالم الملوَّث إلى غسل أذنيكِ من ضجيجه وتلوُّث أفكاره وأتربته.
تحصل التنقية فقط بهدوء وسكينة وجلسات متكرِّرة معه في الخلوة الشخصية. ففي كل مرة تجلسين أمام كلمته المقدَّسَة وتسمعين صوته من خلال قراءة الكتاب المقدس. سوف تختبرين تلك الشركة وتتأثَّرين بطبيعته التي لا بدَّ أن تصطبغي بها دون أن تُدركي ذلك. بل سيُدركها مَن حولك وبوضوح،
وهذا يؤكِّد مسؤوليتك الشخصية عن دورك واجتهادك في رحلة النمو الروحي.
- امتلكي الوعود وصدِّقيها:
“عندما ينال الموظَّف ما وُعد به من ترقية ومكافأة يتذوَّق طعم النجاح، فيخرج من حدود أفقه الضيق وخبرته المحدودة إلى عالم أوسع فيكتشف لذَّة النضج والتطور”.
إنَّ وعود الله من ناحيتكِ وصدق كلمته بأن يكون لكِ حياة وحياة أفضل، ووعده لكِ بأنه معكِ طول الطريق. ووعده لكِ بالسلام الذي سوف يملأ به قلبكِ حتى في وسط ظروف الحياة هي وقود لرحلة حياتك ولن تنتهي. وهذا ما يجعل رحلتك في النمو كما ذكرنا سابقًا مدرسة لا يمكنكِ التخرُّج منها، ولكنكِ تترفَّعين من مرحلة إلى أخرى.
وأنتِ أيضًا ستجدين نفسكِ تحلِّقين لمعرفة دعوتكِ الكبرى وترقيتك العظيمة في المسيح من خلال الوعود الإلهية لكِ. والتي هي عملية مستمِرَّة من خلال كلمته واستخدامه لكِ، فتتخلَّصين من انحصارك في ظروفك واحتياجاتك المُلِحَّة.
كلمات لكِ:
إيمانك يبدأ بذرة بحاجة إلى الرعاية كالشجرة، ولا يمكن لأحد أن يكون مسؤولًا عن نضج إيمانكِ وتطوّرُه إلا أنتِ. كلما راعيتِ شجرة حياتك هذه ازدهرَت ونضجَت وصارت مثمرة تُطعم الآخرين وتُظلِّلهم في فيئها.
لتجعلي إذًا جذوركِ ثابتة في الكلمة من خلال دراسة الكتاب المقدس. ولا تُهملي تجديد عصارة غذائك بالروح القدس باستمرار، واتركي أغصانك تنمو في جسد المسيح. ولا بأس أن تتحمَّلي ألم التقليم والتأديب، فخير لكِ أن تتألَّمي قليلًا وتستمرّي في الإثمار على أن تجفّي وتعودي بلا نفع أو فائدة.