( تك 8:9-17 )

نزل نوح من الفلك على أرض خالية من البشر. لكن الله أعطاه وعدا مطمئناً وهذا هو الوعد أنه لن يحدث طوفان مدمر مثل هذا مرة أخرى. وأنه طالما بقيت الأرض ستتعاقب فصول السنة. وقد حفظ الله وعوده حتى الآن. فمازال نظام الأرض والفصول قائما. ومازال قوس قزح يظهر في السماء ليذكرنا بأمانة الله.

إن قوس قزح هو ظاهرة تنتج من انكسار وانعكاس أشعة الشمس في قطرات الماء (وهذا طبعا تعريف فيزيائي). وقبل الطوفان لم يكن قوس قزح سوى ظاهرة طبيعية موجودة. لكن لم تكن معروفة (أي أن عملية انكسار وانعكاس أشعة الشمس في قطرات الماء موجوده لكن لم تكن تظهر لأنه لم يكن هناك مطر لأن الندى كان يسقي الأرض. ولكن بعد الطوفان بدت هذه الظاهرة للعيان) وأصبحت فيما بعد علامة مباركة.

والدليل على كونها موجودة هو أن الكتاب المقدس يقول (وضعت قوسي في السحاب). فهو لا يقول أضع بل وضعت وهذا دليل على أن قوس قزح لم يكن حادثة جديدة في عالم الطبيعة التي خلقها الله في أيام الخلق الأصلي لكنه أعطاها بعدا جديدا.   إن قوس قزح هو ثمرة امتزاج الماء والنور وهو يتكلم عن الاتحاد بين الله والبشر. نفخته وترابنا, كلمته وأرضنا. وإذا كان الماء هو علامه للموت والفناء بسب الطوفان. فإن قوس قزح يتكلم عن نور الله بالرغم من الدمار والخراب.

يقول الكتاب المقدس في (تكوين 9:9) “ها أنا مقيم ميثاقي معكم” وكلمه ميثاق تعني عهد والتي تعني اتفاقا رسميا بين الله وشعبه. وقد قطع الله العهد مع نوح وإبراهيم وموسى.. الخ وفيه يأخذ الله المبادرة دائما ويضع البنود ويجعلها معروفه فيه يضمن الله وحده حفظ العهد ويتمتع الناس ببركاته إذا أطاعوا وصايا الله فقط.

ونفهم من هذا العهد:

1- غير مشروط، فلم يكن مطلوبا من نوح أي شيء ولم يعد بأي شيء.

والله اخذ التعهد أمام المخلوقات الإنسانية والحيوانية بعدم تدميرها مهما كان سلوك الإنسانيه مستقبلا. وهذا العهد يتميز بطابع النعمه لأنه من جهة الله فقط.

2- في عهد نوح تدخل الله بقسوه في حياة الإنسان، فاستخدم أسلوبًا عنيفًا في علاقته مع الإنسانية.

بأن يمحو كل شيء ويبدأ من جديد ولكن بالاتحاد. والذي كان فيه قوس قزح هو العلامه قرر استعمال أسلوب غير عنيف. فلم يضع لنفسه أي تصور في قلب الإنسان الذي كان شريرا. لكنه أخذ القرار بعدم التدخل أبدا بطريقه جذرية وعنيفة. وإذا حدث وسأل أحد وقال لماذا لا يتدخل الله ليمنع كل تلك الفضائع؟ فليتذكر صورة قوس قزح بألوانه المتعدده لأن فيه العهد بعدم التدخل بعنف. إذن، قوس قزح هو ذكرى حقيقية مثل باقي العلامات التي أعطاها الله لشعبه في القديم. مثل الختان وعشاء الفصح و السبت والتزام الشعب بـ12 حجر بعد عبور الأردن. فكل واحدة من هذه الذكريات وظيفة لتثبيت الذكرى، وبالنسبة لقوس قزح هو طريقه لتثبيت عهد الله بعدم تدمير الأرض..

3-هو أكثر بكثير من ديكور موضوع في السماء لتزيينها، وعندما نراه نتذكر أن الله يدعو كل الإنسانيه للعيش في نفس التناغم التي تعيشه ألوان قوس قزح السبعة..

تحكي أسطورة أنه في يوم جميل تجادلت كل ألوان العالم، كل واحد يقول أنا الأجمل والأكثر نفعا وأهمية ونقاء. فقال الأحمر أنا الحياة لأنه يلون الدم، والأزرق أنا الروح لأنه يلون السماء، والأصفر يستحق الملك لأنه مثل الشمس، والأخضر هو الأمل لأنه لون الطبيعة في الربيع.. تعالت أصواتهم ثم ظهر نور من السماء يعمي الأبصار مصحوب بصوت قوي، وسقطت الأمطار بقوة فخافت الألوان والتصقت ببعضها. فقال المطر لماذا تتجادلون إذا كان الله قد خلقكم مختلفين جميعا فهذا لأن كل واحد منكم فريد. ويدعوكم لتعيشوا في تجانس الواحد مع الآخر. اقتربوا بجانب بعضكم الآن لأريكم مايريد الله لكم فإنه سوف ينشركم عبر السحاب.. ومنذ ذلك اليوم في كل مرة يبعث فيها الله الأمطار لغسل السماء وري الأرض يضع قوسه في السحاب. ويذكر بأن كل إنسان مخلوق باختلافه محبوب في تفرده ومدعو للعيش بجانب قريبه في تكامل لينشرنا وسط العالم..

4- هناك إشارات أخرى إلى قوس قزح نجدها في (حزقيال 28:1 ) لوصف شبه مجد الرب.

في (رؤيا 3:4) يشكل هالة حول عرش الله، أما في (رؤيا 1:10) فالصورة هي لملاك قوي متسربل بسحابة وعلى رأسه قوس قزح فهذا هو الملاك المحارب الذي يعبر عن دينونه الله .. إن قوس قزح في (تكوين 9: 15) يذكر بأن العالم يعتمد في وجوده على وعد الله إذ قال لنوح “إني اذكر ميثاقي” فهو إذا علامه للرجاء.. إن وعد العهد قد جاء وليد محبه الله الراسخه التي لا تخذل أبدا. فالإنسان الذي قطع الله معه العهد قد حفظ سالما في الفلك وفي استطاعته أن يعيش الآن في حرية تحت (قوس قزح). غير أن الله لا يزال يستخدم ملاكه المحارب فهو لا يزال في حرب مع الشر وقوسه يقشع السحب الداكنة المهددة والتي إن لم تكبح أطلقت العنان لمياه الدينونة مرة ثانية..

إن الكوارث الطبيعية التي تحدث الآن ومآسي البشرية ليس بمقدورها أن تلغي كلمة نعم التي قالها الله لخليقته. بل حتى شر الإنسان نفسه ليس بمقدوره أن يحبط إرادة الخالق نحو خليقته فالله يظل أمينا للأرض ولا يمكن أن ينكر نفسه.. وهذا بالنسبه لله يعني (تألم المحبة الإلهيه) في انتظارها لعودة الضال. وهذا يعني الثقه بأنه على الرغم من كل المخاطر والتغيرات في هذه الحياة المتقلبة إلا أن الله يمسك بالعالم كله في قبضته. ونحن اليوم في حاجه إلى مثل هذا الرجاء.. 

5- يتضمن هذا الوعد بعدا فرديا لأن علامة العهد المتمثلة في قوس قزح قد أعطيت لفرد هو نوح، فلم يكن قوس قزح مجرد تذكرة بالتزام الله بالنسبة لعالمه وحسب بل كان أيضا أمرا يقوي إيمان نوح في وعد الله.. 

وأخيرا، كان على الشخص الذي يمر بفتره حداد في اليهودية أن يتلو صلاة قاديش (قدوس) التي تعظم اسم الله فهي طريقه لعدم ترك النفس للغرق في التجربة بإعلان عظمة وقداسه الله في اللحظه التي قد يستطيع فيها الواقع أن يشكك في قداسه الله. وواحدة من عبارات هذه الصلاة (أنت صانع سلام في السموات واصنع لنا سلاما على الأرض)، ونوح قدم لله ذبيحه شكر وسمع الله صلاته. إن قوس قزح أكثر من رمز سلام، هو وعد من الله بعدم تدمير الأرض وهذا الوعد كما نرى ليس قولا فقط لكن تم التعبير عنه. فلقد وضع الله في السماء علامة تذكر الإنسان بعهده في كل مرة يوشك فيها على النسيان.. وهي علامه لله (إن صح التعبير) إذ يتكاثر الشر على الأرض ويقرر الله بمقتضى عدله أن يدمره تمتلئ السموات بالسحاب والغيوم وتصبح سوداء لكن من بعد الصاعقه والأمطار يظهر قوس قزح ويتذكر الله.. آمين

انضمي إلينا اليوم وكوني جزءًا من مجتمعنا المتنوع! سجّلي الآن وأنشئي ملفك الشخصي للاستمتاع بفوائد عديدة وتجارب فريدة داخل موقعنا.