هل هويتي مفروضة عليّ؟
باب: قيمتي في الرحلة
الكاتبة: كارولين فاخوري
التاريخ: نوفمبر 20, 2023
يعلِّم الكتاب المقدس أنَّ الله خلقنا على صورته وشبهه. فإن كنتِ قد خُلِقتُ على صورة الله فهل هويتكِ مُكتَسَبَة؛ لأنَّ الله قد حدَّدها لي أو هل هي مُتَشَكِّلة أي أنَّ لي القدرة على اختيارها وتغييرها؟ ما رأيكِ في هذين الاختيارَين؟ شاركينا برأيك في التَّعليقات وأكملي القراءة، لعلَّكِ تكتشفين بعض الأشياء التي ربما لم تفكِّري بها من قبل.
هل تعلمين أنَّ هويتك تتألَّف من 3 أجزاء مختلفة؟
لا يختلف اثنان في أنَّ الإنسان هو روح ونفس وجسد، وهذه الثلاثة ذاتها تشكِّل هويتك. فجزءٌ منها مُنِحَ لكِ وهو روحك الَّذي هو نَفَس الله الذي أعطاكِ الحياة. وجزء منها مفروضٌ عليكِ وهو الجسد، وهو يشكِّل جنسك وعائلتك وعِرْقك وبيئتك المحيطة وكل ما يتعلَّق بها، والجزء الثّالث “النفس” هو اختيارك؛ لأنَّه يشكِّل قراراتك واختياراتك في الحياة. تعالي نستكشف معًا هذه المكوِّنات الثلاثة:
- هويتك الروحية: وهي ليست ديانتك بالمناسبة، بل هي علاقتك الشخصية مع الله. فأنتِ مخلوقة على صورة الله ومثاله كما يعلِّم الكتاب المقدس، كما ويريدنا الله أن ننمو مشابهين صورة يسوع، أي أنَّكِ تحملين صفات الله كالمحبَّة، والاختيار، والسلطان، والقدرة على بناء العلاقات الصحيحة. فكلما كانت علاقتك الشخصية مع الله أقوى ظهرت هذه الصفات أوضح فيكِ وفي شخصيتك. فقدرتك على إظهار صفات إلهية في سلوكياتك واختياراتك الحياتية، مثل المحبة والرحمة والعدل والحق والرأفة والغفران. تعتمد كليًّا على مدى قربك من الله وفهمك لهويتك الرّوحيَّة التي منحكِ إياها الله عندما اختار أن يخلقكِ على صورته وشبهه.
- هويتك الجسديَّة: وهي الهوية التي لم تختاريها بإرادتك؛ فأنتِ لم تختاري يومًا أن تولَدي أنثى. ولم تختاري صفاتك الجسدية كلون بشرتك وشكل وجهك وتركيبة جسدك وتكوين أعضائك، كما لم تختاري العائلة التي وُلِدتِ فيها ولا العرق الذي تنتمين إليه ولا البيئة التي وُلدتِ فيها، فكلُّ هذه الأمور أُعطيَت لكِ لحظة ولادتك. كما تشمل هذه الهوية في بعض البلاد انتماءكِ الاجتماعيَّ والسّياسيَّ والدينيَّ (بحسب انتماء عائلتك).
- هويتك الذاتية: وهي الهوية التي تختارينها بحسب القيم التي تؤمنين بها واختياراتك على مدار السنوات التي تعيشينها. فهي تؤلف انتماءاتك الشخصية والاجتماعية والسياسية والدينية، ومهاراتك التي تكتسبينها وتطوِّرين نفسك فيها. بالإضافة إلى سلوكياتك التي تميِّزك كفرد فاعل في المجتمع الذي تعيشين فيه، وهذا الجزء من الهوية هو الأكثر تغييرًا والأسهل والأسرع.
كيف يمكنني تطوير هويتي؟
بالرغم من أنَّ هنالك بعض الأشياء في هويتك لا يمكنك تغييرها، مثل هويتك الجسديَّة مثلًا، أي جنسك ولون بشرتك وعائلتك وعرقك، إلا أنَّ بإمكانك تطوير كل الأجزاء الأخرى من هويتك، بالإضافة إلى الاستفادة من هويتك الجسدية في تقوية وتعزيز أمور كثيرة في حياتك. كيف؟ من خلال اثنتين من أكثر الصِّفات تميُّزًا في الإنسان، وهما: (1) القدرة على التعلم و(2) حرية الاختيار. لقد ذكرنا في مقالات كثيرة على موقع المرأة العربية اليوم أنَّ الهوية قابلة للتشكيل والتطوير بحسب قدرتك على التعلم واتخاذ اختياراتك الشخصية التي تحدِّد هويتك الفريدة والمتميِّزة. أشجِّعكِ على تصفُّح الموقع وقراءة المقالات العديدة التي تعالج موضوع الهوية. كما ستكتشفين الكثير من الموضوعات الأخرى التي تهمُّكِ كإنسانة وكامرأة.
5 طرق لتعزيز هويتك وتطويرها
هنالك العديد من العوامل التي تساهم في تشكيل هويتك، فإن عرفتها وتعلَّمتِ عنها وقمتِ بالاختيارات الإيجابيَّة الصحية فيما يتعلق بها. مع إدراكك للأجزاء الثلاثة التي تشكل هويتك، فستلاحظين تغييرًا إيجابيًّا ملحوظًا في هويتك وسلوكيّاتك وطريقة تفكيرك، وحتى انتماءاتك المختلفة.
- العائلة: للعائلة الأولى التي أنجبتكِ وأنشأتكِ تأثير كبير على هويتك؛ لأنَّها تُعتبر المصدر الأول للقيم الأساسية التي تؤمنين بها والمرجع الأول للسلوكيات التي نشأتِ عليها. هنا، توطيد معرفتك بهويتك الروحية يساعدك على اكتشاف أنكِ ابنة محبوبة ومقبولة بصرف النظر عن معاملة والديكِ لكِ وقبولهما لوجودك في العائلة. واستيعاب هويتك الجسدية كابنة وأخت وحفيدة وصديقة يسندك في تأدية كافة الأدوار المتوقَّعَة منكِ بفعاليَّة تجذب أنظار جميع أفراد العائلة إليكِ. أما هويتك الذاتية فتبني ثقتك في نفسك من خلال الإنجازات لتركيز مكانتك في العائلة كعضو فاعل وفعّال. فعلى سبيل المثال: إذا كنتِ الابنة الأصغر في العائلة. فهذا قد يضع أمامك بعض التحديات بحيث لا يقبل الجميع استقلالك عنهم مع نموِّك الجسديِّ والنفسيِّ والعقليِّ. لكنَّ ثقتك أنكِ ابنة محبوبة ومقبولة في عينيّ الله تساعدك على قبول والديكِ والتعامل معهما بإكرام ومحبَّة. كما أنَّ استيعاب هويتك الجسدية يسندك في مساندة باقي أفراد العائلة وتفهُّم احتياجاتهم. أما هويتك الذاتية فتُبنى من خلال غربلة القيم الأساسية المزروعة فيكِ وتحدّيها لتبنّي ما هو إيجابيٌّ منها وتعديل ما هو سلبيٌّ منها، فتكونين مثار إعجاب أفراد أسرتك لما حقَّقته من مكانة اجتماعيَّة.
- المجتمع: معرفة المجتمع الذي وُلِدتِ إليه واستيعاب عاداته وتقاليده والافتراضات التي يتوقَّعها من أفراده يساعدك على اختيار ما يرتقي بكِ وبسلوكيّاتك. فوجودك، مثلًا، في مجتمع يُعطي المرأة مكانة ثانوية مقابل الرَّجل قد يجعلك تشعرين بالدّونية وانعدام الثقة. لكنَّ معرفة هويتك الروحية أنك ابنة ملك الملوك يعطيكِ المكانة التي تتوقين إليها. وثقتك في هويتك الجسدية (في هذه الحالة: نوع الجنس) يساعدكِ على أن تكوني “مُعينة نظيرة” لزوجك (بحسب تكوين 2: 18)، فلا يقدر على الاستغناء عنكِ. وبمثابرتك على التَّعلُّم لتعزيز هويتك الذاتية من خلال التَّعلُّم تكونين مرجِعًا لكلٍّ من الرجال والنساء في أسرتك الطالبين الحكمة والمشورة.
دور الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي
3- الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي:مثل المجتمع، يشكل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي مجتمعاً افتراضياً تنتمين إليه (أحياناً رغماً عنكِ لحاجتك للتواصل مع الآخرين، خاصة في زمن جائحة كوفيد 19). لكن الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي لهما مقوماتهما وطرقهما في التأثير على سلوكياتك واحتياجاتك النفسية والاجتماعية. إذ تخلق الإعلانات وطرق الترويج لمختلف المنتجات احتياجات قد تكون زائفة للعلاقات أو الاحتياجات الجسدية أو القيم المبدئية. كما أن مصادر المعرفة المتاحة بكثافة تصعب السيطرة عليها وتمييز دقتها تؤثر كثيراً على قدرتك على التعلم والتمييز. وهنا أيضاً معرفتك بهويتك الروحية يخفف من حاجتك لمقارنة نفسك مع الآخرين والمنافسة معهم. كما أن معرفتك بهويتك الجسدية يساعدك على اختيار الجماعات التي ترغبين أو لا ترغبين بالانتماء إليها وبالتالي تحديد مدى تأثيرها عليكِ. –وتطور هويتك الشخصية يساعدك على اختيار المصادر والموارد التي تسمحين لها بتوسيع مداركك وبالتالي التأثير على اختياراتك وسلوكيات.
بالإضافة الى ما يلي:
-4 طرق التعبير عن الذات: لا تختلف اثنتان منا حول أهمية المظهر الخارجي وطريقة تقديمنا لأنفسنا في تركيز مكانتنا الاجتماعية وتحديد الكيفية التي ينظر بها الآخرون إلينا. والأسس التي سيعاملوننا بناءً عليها. فمعرفة هويتك الروحية وكونك جميلة ومحبوبة وليس فيكِ عيبة يساعدك على رفض المغريات التي يقدِّمها العالم لتحسين صورتك الخارجيةــــ لتركِّزي طاقتك على تعزيز صورتك الداخلية وجمالك الكليِّ (وليس الخارجي فقط). بينما تسندك هويتك الجسدية في معرفة نقاط القوة والضعف في شكلك الخارجيِّ. لتعزِّزي نقاط القوَّة، وتعالجي نقاط الضَّعف من خلال هويَّتكِ الشخصيَّة التي تقدِّم لكِ العلم والتَّعلُّم والقدرة على التكيُّف والتَّحسين.
-5 الاهتمامات الشخصية التي تؤثر بدورها على الانتماءات الاجتماعية: مثل هواياتك المفضَّلة، ونوع الموسيقى الذي تميلين إليها، وطموحاتك المستقبلية المتأثِّرة بذكريات ماضيكِ، كلها تشكِّل جزءًا من هويتك. إنَّ معرفة هويتك الرّوحية يساعدك هنا على تطوير نفسك بالنِّعمة بطريقة تليق بفرد من أفراد عائلة الله. أما هويتك الجسديَّة (مثل تاريخ عائلتك أو عرقك أو البيئة التي وُلِدتِ فيها أو المجتمع الذي تنتمين إليه) فتساعدك على اختيار الأدوار التي تساعدك على المضي قدمًا في حياتك. بينما هويتك الشخصيَّة فتُعلِّمكِ غربلة كلِّ الاختيارات المتاحَة في الحياة في ضوء إمكاناتك ورغباتك الشخصيَّة؛ لتنمي في المجالات التي ترغبين فيها.
-الخبرات والتجارب الحياتيَّة: مَن منا لم تمرّ في تجارب صعبة ومؤلِمة في حياتها إضافة إلى التَّجارب المُفرِحة. فالخبرات والتجارب التي نمرُّ فيها تلعب دورًا رئيسًا في تشكيل هويَّتنا. لكنَّ معرفتكِ بالكلمة الحيَّة في الكتاب المقدس، وتعمُّقكِ في قصص كلِّ الشخصيات الواردة فيه، تساعدكِ على اكتشاف أنَّ الحياة رحلة وأنَّ المسير مع الله يؤتي ثماره ولو بعد حين. وأنَّ التجارب الصعبة ما هي إلا وسائل للتَّعلُّم والتَّشكيلِ وبناء الشخصيَّة، وهذا يساعدكِ على احتمال مشاقّ الحياة. أمّا هويتك الجسدية. فإنها تمنحكِ المرونة في التَّعلُّم من أو تفادي أو التَّمسكِ ببعض الخبرات الحياتيَّة المصيريَّة في ماضيكِ؛ لتفعيلِ الكثير من الاختيارات التي تقومين بها وتسلكين بحسبها في حاضرك ومستقبلك.
كلمة أخيرة
أميل في هذا المقال للتركيز كثيرًا على الهوية الرّوحيَّة، فكما ذكرتُ سابقًا. هنالك الكثير من المقالات في هذا الموقع الَّتي تعلِّمكِ عن هويَّتكِ وكيفيَّة اكتشافها، لكننا قليلًا ما نجد الموارد التي تذكر الهوية الرّوحية. فالكتاب المقدس يعلِّمنا أنَّ الله خلقنا على صورته وشبهه، أي أنَّكِ مميَّزة منذ اللحظة التي حَمَلَتك فيها أمُّكِ. كما يعلِّمنا الكتاب المقدَّس أنَّ الله هو الذي ميَّزكِ بكلِّ الصِّفات الجسديَّة التي تتمتَّعين بها. كما نقرأ في سفر أيوب الأصحاح العاشر والأعداد 8-12 إذ يقول “يداك (يا الله) كوَّنتاني وصنعتاني كلي جميعًا، … ، جبَلْتَني كالطين، … كسوتني جلدًا ولحمًا، فنسجتني بعظام وعَصَب. منَحتَني حياة ورحمة، وحَفِظت عنايتك روحي”.
لكن العالم أفسد بهجة هذا التميُّز من خلال زرع الكثير من الأكاذيب المتعلِّقة بعدم كفايتكِ وحاجتك إلى مواكبة التَّطوُّرات التجميلية وضرورة الانسجام مع المعايير الأخلاقية السائدة في العالم. لكنَّ الكتاب المقدس يعلِّمنا أنَّ الله يراكِ جميلة ومحبوبة ومقبولة كما أنتِ دون الحاجة لأيِّ تحسين؛ لأنكِ مخلوقة على أفضل صورة يمكنكِ الحصول عليها، ألا وهي صورة الله. يقول مرنِّم المزاميز داود: “لأنك أنتَ اقتنيتَ كليتيَّ. نسَجتني في بطن أمي. أحمدك من أجل أنّي قد امتزتُ عجَبًا” (مزمور 139: 13-14).
لذا من الضَّرورة أن تتعلَّمي الكثير عن مصدر صورتك، وشكلك، وهويتك، وقيَمك، ومعتقداتك، وبيئتك. والعلاقات الخاصة بكِ، ومثابرتك لتتشكَّلي في ضوء كلمة الله التي تشكِّل “سراجًا لرجليكِ ونورًا لسبيلك” (مزمور 119: 105). وتذكَّري قول الملك داود في مزمور139: 1-3: “يا رب، قد اختبَرتني وعرَفتني. أنتَ عرفتَ جلوسي وقيامي. فهمتَ فكري من بعيد. مسلكي ومربضي ذرَّيتَ وكلَّ طرقي عرفتَ”.
نصيحتي الأخيرة لكِ أن تتسلَّحي عزيزتي بكلمة الله لتكون النور الذي ينير دربكِ في هذه الحياة. ولتجدي هويتك الحقيقية التي منحكِ إيّاها الله، وتجيبي عن تساؤلاتك عن كيف يراني الله وما هي قيمتي في المسيح. فما أفسدَه العالم لا يرمِّمه ويصحِّحه إلا خالق العالم، والطريق إلى العودة إلى الحقِّ يكون في نور كلمته المقدَّسَة.