“بل من أنت أيها الإنسان الذي تجاوب الله؟ ألعل الجبلة تقول لجابلها: لماذا صنعتني هكذا؟ أم ليس للخزّاف سلطان على الطين أن يصنع من كتلة واحدة إناء للكرامة وآخر للهوان؟”
(رومية ٩: ٢٠-٢١)
في ثقافتنا العربية، تُعدّ صورة الخزّاف الذي يشكّل الطين صورة مألوفة وعميقة المعنى. فقد ارتبط فن الفخار بتراثنا لقرون طويلة، ليُعبّر عن الإبداع، والغاية، والجمال. وفي الكتاب المقدس، يُقدَّم الله كـ “الخزّاف الأعظم” الذي يشكّلنا بأيديه الإلهية لنكون أواني للكرامة، مستعدين لخدمته ولمجده.
أن نكون “أواني للكرامة” يعني أن نسمح لله أن يطهّرنا ويشكّلنا بحسب مشيئته. يتطلب ذلك أن نتخلّى عن كل ما يعيق نمونا الروحي—من خطية، وكبرياء، وخوف، وقلق—وأن نحيا حياة مكرّسة تتّسم بالتواضع، والقداسة، والاستسلام الكامل له. وكما يجتهد الفخاري في تشكيل الطين وتلميعه ليخرج بأجمل إناء، يعمل الله في قلوبنا ليغيّرنا ويجهّزنا لأعمال صالحة بحسب خطته.
في منطقتنا، حيث تتكاثر التحديات مثل الحروب، والاضطرابات، والضغوط اليومية، تأتي هذه الصورة كرسالة رجاء: الله لم يتخلَّ عنا، بل هو يشكّلنا من خلال كل تجربة نمرّ بها. حتى الألم والضيق ليسا عبثًا، بل أدوات في يد الخزّاف لإعدادنا لنكون حاملي نوره ومحبّته في عالم يتوق للسلام الحقيقي.
تخيلوا الطين وهو يقاوم يد الخزّاف، معترضًا على الشكل أو مشكّكًا بالغاية! ولكن الطين لا يفهم الرؤية الكاملة، بينما الخزّاف يراها من البداية. هكذا نحن أيضًا، لا نفهم دائمًا لماذا نمرّ ببعض المواقف، لكننا نثق بأن الله يرى ما لا نراه، ويعمل لخيرنا الأبدي.
كأواني للكرامة، نحن مدعوّون أن نعكس مجد الله في حياتنا اليومية—داخل عائلاتنا، وأماكن عملنا، ومجتمعاتنا. لسنا مجرد أفراد في مسيرة شخصية، بل جسد واحد في رسالة جماعية، لنكون نورًا في وسط ظلمة، ورسلاً للرجاء في أرض متعطشة للحق.
صلاة:
يا أبانا السماوي، أنت الخزّاف وأنا الطين. أشكرك لأنك لا تتركني كما أنا، بل تعمل فيّ لتجعلني إناء للكرامة، صالحًا لمجدك وخدمتك. ساعدني أن أثق بيديك حتى في الأوقات الصعبة. طهّر قلبي، وقوّ روحي، لأعكس قداستك وأكون أداة لسلامك ومحبتك في مجتمعي. في اسم يسوع المسيح أصلّي، آمين.