“طوبى للرّحماء لأنهم يُرحمون.”
(متى ٥: ٧)
تُعدّ قصة السامري الصالح من أكثر الصور المؤثرة للرحمة في الكتاب المقدس. إذ يُروى عن رجلٍ تعرّض للضرب والسرقة وتركه اللصوص بين حيّ وميت على جانب الطريق. مرّ به كاهن ولاوي ولم يقتربا منه، بينما توقف السامري—الذي كان يُعتبر غريبًا ومُحتقرًا في السياق الثقافي آنذاك—فاهتم بجراحه واعتنى به حتى تعافى. السامري لم ينظر إلى الفوارق الاجتماعية أو الدينية، بل تصرّف برحمة، مجسّدًا قلب الله المحب.
اليوم، لا تزال الكنيسة، جسد المسيح، تعيش روح هذه القصة بطرق ملموسة وعميقة. من أبرز الأمثلة ما فعله المؤمنون تجاه اللاجئين السوريين والعراقيين. بعد الحروب المدمرة والاضطهاد، اضطر الآلاف إلى الفرار من أوطانهم، خاسرين بيوتهم، وأحبّاءهم، وكل ما يملكون. في خضم هذه الكارثة الإنسانية، كانت الكنيسة في الشرق الأوسط ملجأ حقيقيًا—قدّمت المأوى، الطعام، الملابس، والدعم الروحي والنفسي لمن هم في أمسّ الحاجة.
هذه الرحمة ليست منّا، بل انعكاس لمحبة الله لنا. فالله، برحمته العظيمة، أرسل يسوع المسيح ليموت عنا، مانحًا إيّانا الغفران والشفاء والحياة الجديدة. كما نلنا نحن نعمة لا نستحقها، نحن مدعوون أن نمنحها للآخرين، وخاصة للضعفاء والمهمّشين.
عندما نتذكّر معاناة اللاجئين، الذين خسروا كل شيء ويكافحون لإعادة بناء حياتهم، نتذكّر تصرف السامري الذي لم يكتفِ بالشعور بالشفقة، بل تحرّك وساعد. وبالمثل، لم تكتفِ الكنيسة بمشاهدة آلامهم، بل دخلت قصصهم بقلوب مفتوحة وأيدٍ عاملة، لتكون مرآة حية لرحمة الله.
وهذا النداء ليس حكرًا على المؤسسات أو الأعمال العظيمة. بل هو حيّ في الأعمال الصغيرة التي نقوم بها يوميًا—كأن نتبرّع بما نملك، أو نُخصص وقتًا للخدمة، أو نُصلي، أو نصغي بصدق لشخص متألم.
صلاة:
يا أبانا السماوي، نشكرك من أجل وفرة رحمتك التي أظهرتها لنا في يسوع المسيح. علّمنا أن نرى الآخرين بعيني المسيح الممتلئتين بالرحمة، وأن نتحرك بجرأة لنحب ونرحم. في اسم يسوع المسيح نصلي، آمين.