إعداد: ديمة فاخوري
دعا المسيح شعبه أن يكونوا ملحًا ونورًا للعالم، حتى يصنعوا أثرًا ويعطوا مثالًا للآخرين. نصادف كثيرين في حياتنا اليومية، منهم مَن تبقى صفاته وشخصيته المميَّزَة عالقة في الأذهان. وربما يصل الأمر إلى اعتباره شخصية نادرة؛ لتميزه بأخلاقه وسلوكياته في كل شيء، سواء أكان زوجًا، معلِّمًا، مديرًا، موظَّفًا، صاحبَ دكان، قائدًا في الكنيسة، زميلًا في الخدمة وغيرهم الكثير.
تجتمع أغلب الصفات الجميلة في شخصية تالا حسب وصف زينة، إحدى زميلاتها في خدمة التسبيح. إذ تقول: “لا أعتقد أنها اختلفت مع شخص ما، شخصيتها قوية ومحبوبة لدى الجميع، تؤدي خدمتها على أكمل وجه. لم تتوانَ يومًا عن تقديم مساعدة لأحد قصدها، رغم أنَّ لديها التزامات مادية كبيرة في حياتها، لكنها لا تتذمر من تقديم المساعدة للآخرين، إنما تبثُّ روحًا إيجابية في المكان الذي توجد به. شهادتي فيها مجروحة مهما قلت، لكنها فعلًا شخصية نادرة في حياتنا اليوم”.
“حماتي شخصية نادرة”، بهذه الكلمات المختَصَرة وصفت ريما والدة زوجها بعد مرور خمسة عشر عامًا على زواجها. معتبِرة نفسها محظوظة جدًّا مقارَنة بآخرين وجدوا “حمواتهم” سببًا رئيسًا في عدم استقرار حياتهم الأسرية.
تقول ريما: “حماتي شخصية رائعة، أعتبرها بمنزلة أمي، ساندتني في مواقف عِدَّة. كانت تصلي لأجلنا باستمرار، أجد سجودها وخشوعها في الصلاة مصدرَ إلهام لي؛ فعلاقتها بالله كعلاقة أعزِّ الأصدقاء الذين على تواصل مستمرٍّ. كل همها سعادتنا وسعادة أحفادها، فهي تنصحنا وتشجعنا دائمًا على الصبر وتحمُّل كل منا الآخر وإرضائه. أعتبرها صديقة ولا أتردَّد في أن أستشيرها حول أي موضوع بسبب حكمتها ونضجها الروحي، فهي تعرف في الكتاب المقدَّس وترجع له كدليل لحياتها.”
الأربعينية أم يزن، ترى أنَّ جارتها أم غسان تحمل كلَّ معاني العطاء: “سكنتُ بجوارها في العمارة ذاتها منذ عشر سنوات، ولم أسمع منها إلا كل خير. كانت تتردَّد عليها جميع الجارات فالجلسة بحضورها لا تُعوَّض. لا تُسيء إلى أحد مُطلَقًا في حضوره أو غيابه. كما أنها تُبادر إلى مساندة الجميع في المناسبات، رغم التزاماتها المتعددة في رعاية بيتها وزوجها وأولادها، وبصراحة أتمنى أن أمتلك روحًا طيِّبة مثل روحها.”
ما الذي يميز أبطال القصص السابقة؟ هؤلاء أناس حقيقيون لا زالوا موجودين في عالمنا!
لربما أنك تشتاقين لأن تكوني واحدة منهم. إن كنتِ ترغبين بهذا، بشخصيتك الحقيقية ورغبتك الصادقة يمكنك أن تؤثري.
إليك 4 اقتراحات تساعدك أن تُلهمي الآخرين وتبنيهم بحيث تُخرجي أفضل ما لديهم:
- عيشي ما تؤمنين به
الإنجيل أو الخبر السار هو قصة يجب أن تُروى ويُخبر أحدهم بها حتى يأتي الناس إلى المسيح. مكتوب في رومية 10: 17: “إذًا الإيمان بالخبر، والخبر بكلمة الله”.
ولكن كيف يمكن للآخرين أن يقبلوا هذه الإنجيل إن لم يرَوا ثمرًا حقيقيًّا في حياة الشخص الذي ينبغي أن يعيش وفقه؟ سيقبله الآخرون إن رأوا انضباطًا واستقامة وسط تجربة قاسية، أو ظهر تعامل لطيف تجاوبًا مع الإساءة أو مغفرة مقابلها؛ لأنَّنا عندها نُظهر قوة الخلاص التي تغيِّر وتُحدث الفرق في حياة الآخرين. وإن فعلتِ هذا أنتِ تؤكدين للعالم أنَّ الإنجيل ليس مجرد إيمان لديك إنما هو يغيِّر حياتك ويعمل فيها من الداخل ويُظهر ثمره في الخارج ويقدر أن يعمل في حياة الآخر أيضًا.
هذا لا يعني أن تكوني كاملة بلا أخطاء في كل الأوقات. ولكن تأكدي أنَّ الناس ينظرون وينتبهون ويتأثرون بسلوكنا سلبًا أو إيجابًا. فإذا أظهرت جدية في عيش حياتك الروحية فعلى الأرجح أنهم سيأخذونها بجدية هم أيضًا.
- كوني شفافة وأظهري انطباعات حقيقية
ليس أي منا أفضل أو أقدس من الآخر، فقاومي الرغبة في التظاهر بذلك. يخبرنا الكتاب المقدس في مواضع عدة أنَّ الله يقاوم المستكبِرين وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة (أمثال 3: 34، 11: 2، إشعياء 2: 12، يعقوب 4: 6 و10).
أما إذا فشلتِ، وستفشلين في بعض الأحيان، اعترفي وتحمَّلي المسؤولية وامضي إلى الأمام. سيجعلك هذا مكشوفة ولكن مقدَّرَة من الناس؛ لأنكِ كنتِ حقيقية وعسكتِ موقفًا سليمًا قد يقعون هم فيه. وبالتالي كنِت نموذجًا لما يمكن فعله، حتى لو اندهشوا في البداية.
يُخبرنا بعقوب: “اعترفوا بعضكم لبعض بالزلات، وصلوا بعضكم لأجل بعض، لكي تشفوا.” (يعقوب 5: 16).
ربما إنَّ فكرة مشاركة الآخرين بالزلات التي تأتي بالشفاء لا تتفق وفكر مجتمعاتنا. ولكن هذا لا يمنع أنَّ الناس يحتاجون أن يروها ليصدّقوها.
حاولي باجتهاد أن تكوني صادقة وشفافة عندما ترتكبين خطأ، وسيجذب هذا الآخرين إلى ما تؤمنين به.
- حافظي على موقف إيجابي
نعيش في عالم سلبي، لذا إن ركَّزنا على كل ما هو خاطئ سيصير من السهل أن نتعرَّض إلى خيبة الأمل والتشاؤم. لقد حذرنا يسوع أنه في الأيام الأخيرة ستبرد محبة الكثيرين لكثرة الإثم (متى 24: 12). وليس المقصود أنَّ إثم الناس سيجعلهم غير قادرين على المحبة. إنما أنهم سيتجاوبون مع الظلم الذي يتعرَّضون له بأن يُغلقوا أحشاءهم وقلوبهم نحو الآخرين.
افحصي موقفكِ القلبي نحو الحياة؛ لأنه سيُظهر لكِ أين وضعتِ ثقتكِ. لا تنظري إلى العالم كما لو أنه بلا رجاء. وتذكري كلمات الرسول بولس أنَّ الله: “باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح.” (أفسس 1: 3)
سأعطيكِ توصية كتابية ستشكل المصفاة لذهنك وتساعدك على الحفاظ على منظور سماوي أبدي في عالم مليء بالسلبيات. تجدين هذه المصفاة في رسالة فيلبي- التي إن عشتِ في ضوئها- تأكَّدي أنَّ سلوكك سيتغيَّر ويؤثر في الآخرين من خلال حياتك.
“أَخِيرًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ كُلُّ مَا هُوَ حَقٌ، كُلُّ مَا هُوَ جَلِيلٌ، كُلُّ مَا هُوَ عَادِلٌ، كُلُّ مَا هُوَ طَاهِرٌ، كُلُّ مَا هُوَ مُسِرٌّ، كُلُّ مَا صِيتُهُ حَسَنٌ، إِنْ كَانَتْ فَضِيلَةٌ وَإِنْ كَانَ مَدْحٌ، فَفِي هذِهِ افْتَكِرُوا”. (فيلبي 4: 8)
- اسندي الآخرين ودافعي عنهم
من الحقائق الكتابية الأساسية أنَّ كل واحد فينا ثمين في عيني الله حتى مات المسيح من أجله، وهذا يشملكِ.
ابدئي برؤية الآخرين حسب منظور الله، وسيلاحظ الناس هذا.
من السهل علينا كمؤمنين أن نقع فريسة النميمة والغيبة والنقد السلبي. لذا علينا أن نحذر، فطريقة معاملتنا للآخرين تعكس إيماننا، وهي مؤشر يجب أن نفحصه.
“بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي: إن كان لكم حُبٌّ بعضًا لبعض.” (يوحنا 13: 35)
عندما تتجنَّبين النميمة وتدافعين عن إخوتك، تخبرين الناس أنه يمكنهم أن يثقوا بكِ ويأتمنوكِ. وعندما تختارين أن تبني الآخرين بدلًا من هدمهم، فإنك تشجعينهم أن يسلكوا هذا السلوك المبني على الحق هم أيضًا. وهكذا يزداد تأثيرك في خدمة الآخرين واستخدام الله لكِ.
خطوة عملية تساعدك
إذا أردتِ تشجيع الآخرين والتأثير فيهم، فستحتاجين إلى أشخاص لتوجيهك وإرشادك في هذه الدعوة. يجب أن تُبقي عينيكِ مفتوحتين على الأشخاص الذين لديهم سمات تريدين أن ترَي المزيد منها في حياتك. عندما تجدينهم، يجب أن تفعلي ما في وسعك لقضاء الوقت معهم والاستفادة من مثالهم وما لهم من المواهب الروحية.
نحن بحاجة إلى تعليم جيد وثابت بالتأكيد، لكننا نحتاج أيضًا إلى مرشدين يمثِّلون الحياة المسيحية. لهذا يقول بولس لأهل كورنثوس: “كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بي كَمَا أَنَا أَيْضًا بِٱلْمَسِيحِ.” (كورنثوس الأولى 11: 1). نحن بحاجة إلى البحث عن مؤمنين ناضجين ليكونوا نموذجًا لنا، كلَّما نجحنا في ذلك بشكل أفضل، أصبحنا مِلحًا ونورًا.
تشجَّعي، أنتِ ملح ونور وشريكة في عمل الملكوت. وهناك قيمة يمكنك أن تضيفيها إلى الآخرين والمجتمع إن ثبتِّ في وصايا الله وثابرتِ لتعيشيها حقيقة في حياتك. عندها بلا شك ستؤثرين؛ لأنك تعكسين الإنجيل الحقيقي الذي يرغب الله في أن يأتمنك عليه ويستخدمك لإظهاره.
لا تيأسي إن فشلتِ في الطريق، ولكن اتركي له مجالًا أن يعمل فيك ويغيِّر. وتأثيراته ستظهر بلا شكّ في حياتك وحياة مَن حولك.