تطوير أهداف روحية
باب: نموي في الرحلة
الكاتبة: بسمة قموه
التاريخ: نوفمبر 20, 2023
تمكّنت مها من التخلّص من تلك الكيلوغرامات الزائدة التي اكتسبتها بعد عدّة ولادات، وذلك من خلال اتّباع نظام غذائي صحّي. ليس ذلك فقط، ولكنها مارست الرياضة مما منحها جسمًا رشيقًا مشدودًا. كل ذلك لأنها وضعت هدفًا واضحًا وعملت بجد لتحقيقه. وهذا كان بتأثير من صديقتها المقرّبة مرام التي تمكّنت خلال عام من نشر كتابها الأول بعد قرارها مع بداية العام ووضعها هذا الهدف بشكل واضح محدّد مع خطة عمل لتحقيقه. تساءلت سلمى صديقتهن الثالثة، وشعرت بالذنب لأنها تخدم في الكنيسة في خدمة مدارس الأحد منذ سنوات عديدة، وهي مؤمنة بالرب منذ مراهقتها، إلا أنها لم تفكّر بأي أهداف محدّدة للنمو الروحي ولدراسة الكتاب المقدس أو الخلوة على سبيل المثال. شعرت بالذنب في أعماقها، وتمنّت لو أنها وضعت أهدافًا لتحتفل بتحقيقها وإنجازها.
الآية في رسالة يوحنا الثالثة الأصحاح الأول والعدد الثاني والتي تقول: “أَيُّهَا الْحَبِيبُ، فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرُومُ أَنْ تَكُونَ نَاجِحًا وَصَحِيحًا، كَمَا أَنَّ نَفْسَكَ نَاجِحَةٌ.” تشتمل على دعوة واضحة للنجاح. هذا النجاح شامل جوانب عدّة من الحياة وهي الجوانب الروحية والجسدية والعملية. وهذا واضح من العبارة “في كل شيء”. ومن المعروف أن أساس تحقيق أي نجاح في الحياة هو وجود رؤية وهدف واضح. وهذا الهدف يجب أن يكون مرتبطًا بوقت معين وأن يكون قابلًا للقياس ومحدّدًا ومناسبًا لحياتنا وقابلًا لأن يتحقّق. هذه المقوّمات هو ما يجعل الأهداف أهدافًا ذكية تأخذك في رحلة واضحة لتحقّق معادلة النجاح، وهو أمر معروف في مجال الإدارة. كما وإنه حال أي مجال من مجالات حياتنا، والتي تشمل كذلك حياتنا الروحية. فأهدافنا الروحية يجب أن تكون كذلك محدّدة وقابلة للقياس وقابلة للتحقيق، وتتماشى مع هدف الله لحياتك الروحية ومرتبطة بوقت كي لا يتمادى الشخص في التكاسل والتأجيل لما يمليه عليه الروح القدس. إلا أن الفرق هو أن تحقيق أهدافنا الروحية مقرون بعمل النعمة وممتدّ بتأثيره في الملكوت، فلسنا وحدنا من يحقّق أهدافنا الروحية، ولكنه عمل الله الواضح في حياتنا ودور النعمة في تحقيق ذلك.
ما هي أهدافك؟ وما هي أهدافك الروحية بالأخص؟
معادلة النجاح هي من أصعب المعادلات في الحياة، ويعود ذلك إلى أن تعريف النجاح وتحقيق الأهداف يختلف من شخص لآخر، وما إن كان النجاح معتمدًا على الوصول إلى المحطة أم الخطوات التي بها تسيرين نحو المحطة. قد يكون ما تعيشينه اليوم لا يشبه كثيرًا ما كنتِ تحلمين به أو تهدفين للوصول له، لذا يستوجب عليك أن تقفي وتعيدي النظر في خطّتك نحو الهدف المرجوّ للوصول إلى النجاح الحقيقي مع كل خطوة، والاحتفال به على طول الطريق. هذا النجاح يجعلك أكثر شبعًا ورضًا وأقل إرباكًا واستنزافًا، وبالتأكيد أكثر إنتاجًا وأقل فوضى.
والسؤال الآن: هل حياتك الروحية بحاجة إلى أهداف كأهدافك المالية والعملية والعائلية، وما هو الهدف الروحي الذي وضعتيه لنفسك؟
مهما اختلفت الأهداف الروحية بين شخص وآخر، إلا أنها في النهاية محصورة ضمن إطار واضح وهو المذكور في رسالة رومية والأصحاح الثاني عشر. وفيه نجد محاور النمو الروحي والأهداف الروحية التي تعمل معًا لتصل بنا إلى الهدف الذي يريده الله لنا وهو أن نكون مشابهين صورة ابنه أي الرب يسوع. فكل تلك المحطات الروحية والإنجازات التي نعبرها ونسعى لها هدفها هو تلك المشابهة ليسوع.
مجالات محطّاتي وأهدافي وإنجازاتي الروحية
- علاقتي بالله
- علاقتي مع العالم كنظام وليس كأشخاص
- علاقتي مع الأخوة في الكنيسة أي جماعة المؤمنين
- علاقتي مع الأشخاص الأعداء (خارج جسد المسيح)
- علاقتي مع السلطات
- علاقتي مع نفسي
لكلّ مجال من هذه المجالات وصفة خاصة والتي إن عشتيها فإنك تحقّقين أهدافك الروحية، ومن خلال هذه المقالة سنتعرّف على تلك الوصفة لكل مجال من خلال رومية الأصحاح الثاني عشر.
علاقتي بالله:
“فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ، عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ.” (رومية 12: 1)
فالوصفة هنا هي تقديم الذات ذبيحة حيّة، أي الموت عن الجسد والحياة بالروح، وهذا يعني إنكار الذات والموت عنها وعدم جعلها أولوية. هذا الموت هو بداية الطريق مع الله، فالله لا يريد منا أعمالًا ولكنّه يريدنا نحن، يريدنا أن نموت عن أجسادنا ونحيا بأرواحنا معه. وهذا واضح في دعوته لنا: من أراد أن يتبعني فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني. لا يمكننا أن نبدأ في طريقنا مع الله دون هذا الحكم على الذات والتخلّي عن وضعها في أولوياتنا، ومع هذا الموت عبور نحو الدخول في علاقة عميقة مع الله.
علاقتي مع العالم كنظام وليس كأشخاص:
“وَلاَ تُشَاكِلُوا هذَا الدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ.” (رومية 12: 2)
ففي هذه الآية دعوة لنا أن نعيش بحسب نظام الله وليس نظام العالم، وهذا يشمل جوانب متنوّعة من حيث القوانين والمعتقدات والنظام، والمال…. فعندما يكون لنا أذهان متجدّدة حسب منظور الله بعيدًا عن وجهة النظر العالمية فيمكننا أن نحقق هدف الله لنا من ناحية علاقتنا مع العالم في مسيرتنا نحو مشابهة ابنه يسوع المسيح في رحلة النمو الروحي.
علاقتي مع الأخوة في الكنيسة أي جماعة المؤمنين:
“فَإِنَّهُ كَمَا فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ لَنَا أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَلكِنْ لَيْسَ جَمِيعُ الأَعْضَاءِ لَهَا عَمَلٌ وَاحِدٌ، هكَذَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ: جَسَدٌ وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ، وَأَعْضَاءٌ بَعْضًا لِبَعْضٍ، كُلُّ وَاحِدٍ لِلآخَرِ. وَلكِنْ لَنَا مَوَاهِبُ مُخْتَلِفَةٌ بِحَسَبِ النِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لَنَا: أَنُبُوَّةٌ فَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الإِيمَانِ، أَمْ خِدْمَةٌ فَفِي الْخِدْمَةِ، أَمِ الْمُعَلِّمُ فَفِي التَّعْلِيمِ، أَمِ الْوَاعِظُ فَفِي الْوَعْظِ، الْمُعْطِي فَبِسَخَاءٍ، الْمُدَبِّرُ فَبِاجْتِهَادٍ، الرَّاحِمُ فَبِسُرُورٍ. اَلْمَحَبَّةُ فَلْتَكُنْ بِلاَ رِيَاءٍ. كُونُوا كَارِهِينَ الشَّرَّ، مُلْتَصِقِينَ بِالْخَيْرِ. وَادِّينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِالْمَحَبَّةِ الأَخَوِيَّةِ، مُقَدِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي الْكَرَامَةِ. غَيْرَ مُتَكَاسِلِينَ فِي الاجْتِهَادِ، حَارِّينَ فِي الرُّوحِ، عَابِدِينَ الرَّبَّ، فَرِحِينَ فِي الرَّجَاءِ، صَابِرِينَ فِي الضِّيْقِ، مُواظِبِينَ عَلَى الصَّلاَةِ، مُشْتَرِكِينَ فِي احْتِيَاجَاتِ الْقِدِّيسِينَ، عَاكِفِينَ عَلَى إِضَافَةِ الْغُرَبَاءِ.” (رومية 12: 4- 13).
ففي هذا الجانب نجد أطول نص في الأصحاح وهو من العدد 3 وحتى العدد 13. ففي هذه الأعداد نجد وصفة للعلاقات داخل الكنيسة والتي هي صورة المسيح على الأرض. وقد شملت وصفة العلاقات جوانب متنوعة ومنها عدم التكبّر والشعور بالفخر بسبب المواهب مدركين أن الله قسم لكل واحد مقدارًا، بالإضافة أنه لم يترك أحدًا بلا موهبة، والمحبة بلا رياء، واحترام قادة الكنيسة وتسديد احتياجات القديسين (بالأولى أهل الإيمان)، وتقديم بعضنا بعضًا في الكرامة. فالكنيسة لها دور في تقوية العضلات الروحية للأفراد وتنفيذ الأعمال الصالحة التي أعدّها الله لنا كجماعة لنسلك فيها.
علاقتي مع الأشخاص الأعداء (خارج جسد المسيح):
“بَارِكُوا عَلَى الَّذِينَ يَضْطَهِدُونَكُمْ. بَارِكُوا وَلاَ تَلْعَنُوا.” (رومية 14)
“لاَ تُجَازُوا أَحَدًا عَنْ شَرّ بِشَرّ. مُعْتَنِينَ بِأُمُورٍ حَسَنَةٍ قُدَّامَ جَمِيعِ النَّاسِ. إِنْ كَانَ مُمْكِنًا فَحَسَبَ طَاقَتِكُمْ سَالِمُوا جَمِيعَ النَّاسِ. لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، بَلْ أَعْطُوا مَكَانًا لِلْغَضَبِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «لِيَ النَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي يَقُولُ الرَّبُّ. فَإِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ. وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ. لأَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هذَا تَجْمَعْ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهِ». لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ. (رومية 17- 21)
وصفة تلك العلاقة تشتمل على مباركة الذين يضطهدونا، والفرح مع الفرحين والبكاء مع الباكين فنحن بهذا نقدّم يسوع بمحبته وتعاطفه مع الآخر، وعدم مجازاة الشر بشر بل تقديم شهادة حسنة تاركين مبدأ الانتقام بل بالعكس “إن جاع عدوّك فأطعمه، وإن عطش فاسقه” لأنك بهذا تضع جمر نار على رأسه.
علاقتي مع نفسي:
فَإِنِّي أَقُولُ بِالنِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لِي، لِكُلِّ مَنْ هُوَ بَيْنَكُمْ: أَنْ لاَ يَرْتَئِيَ فَوْقَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْتَئِيَ، بَلْ يَرْتَئِيَ إِلَى التَّعَقُّلِ، كَمَا قَسَمَ اللهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِقْدَارًا مِنَ الإِيمَانِ. (رومية 12: 3) وتعني أن لا نتكبّر ونتمحور حول أنفسنا.
علاقتي مع السلطات:
“لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِينِ الْفَائِقَةِ، لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ، وَالسَّلاَطِينُ الْكَائِنَةُ هِيَ مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ… فَإِنَّكُمْ لأَجْلِ هذَا تُوفُونَ الْجِزْيَةَ أَيْضًا، إِذْ هُمْ خُدَّامُ اللهِ مُواظِبُونَ عَلَى ذلِكَ بِعَيْنِهِ.” (رومية 13: 1، 6) وهذا يشمل الخضوع للسلطات ودفع الضرائب وفعل الصلاح.
وفي النهاية يمكنك أن تحتفلي بكل خطوة حتى ولو صغيرة في الاتجاهات السابقة التي ستعطيكِ النمو والهدف الذي تسيرين نحوه. ستحتفلين بنجاحات متعدّدة ليكون فرح نجاحك هو الوسيلة التي سيكون فيها لك تأثير فيمن حولك.