6 نصائح للتحوّل من اللوم الذاتي إلى الرعاية الذاتية

إعداد: شيرين كرادشة 

سقطت تلك الزهرية الجميلة المصنوعة صناعة يدوية على الأرض وتشقَّقت وتشوّهت صورتها، حزنت صاحبة تلك الزهرية وبكت على ما حصل معها. كان أمامها الخيار أن تلتقطها وتعتني بها وتحاول إصلاح تلك الشقوق التي ملأتها، وتعالج تلك الثقوب التي برزت في جوانبها. لكنَّ الغضب والحزن والمرارة جعلوها تتفجَّر فيها صارخة: أنتِ السبب! وبدأت بإلقاء اللوم عليها ورميها بما وصلت له يداها. زادت شقوقها وكثرت ثقوبها، وسادها المزيد من التَّشويه الذي جعلها ربما تفقد هويَّتها كزهرية جميلة من صناعة يدويَّة. رضيت الزهرية بحالها وبهتت ألوانها وتشوَّه شكلها، فلم تعد تلفت الأنظار بل بدأت الأنظار تلتفت عنها بعيدًا. 

تلك ليست قصة خيالية ولكنَّها قصة كثير من الناس الذين دمَّرهم اللوم الذاتي، وسادهم ذلك الشعور بالذنب الذي شوَّه الهوية وأثَّر على الإنجازات والعلاقات، ودفعهم إلى هوّة اليأس. مع أنه كان أمامهم الخيار لحياة أفضل وعلاقات أغنى من خلال ضمِّهم واحتضانهم ورعايتهم ودفع اللَّوم بعيدًا عنهم. 

ما هو اللوم الذاتي؟ 

هو عملية ذهنية تعزي حدوث أي موقف فيه توتر إلى الشخص نفسه، وأنه هو السبب وراء ما حدث. هذا اللوم الذاتي قد يقود إلى الاكتئاب، كما ويُعتبَر من المشاعر الموجَّهَة للذّات مثل الشعور بالذنب والاشمئزاز من النفس. ويُعتبر اللوم الذاتي عملية لا إرادية يلجأ إليها الإنسان بهدف التأقلم أو التعايش مع الظروف التي تعرَّض لها، أي كأنها وسيلة دفاعية. 

ومن الأمثلة على اللوم الذاتي، مثلًا: شخص لم ينل الوظيفة التي تقدَّم إليها، فتجده يقول: لم أحصل على العمل؛ لأنَّ مَن قابلني رأى أنني غير كُفُوء. وآخر يقول: علاقة فشلت؛ لأنني شخصية من الصعب أن تُحَبَّ.

يعتقد الشخص الذي يلوِّم ذاته أنه يحلُّ المشكلة، فمعرفة السبب هو الجزء الأكبر من الحلِّ، وهو قد عرف السبب، السبب هو أنا. ولكن في الواقع هذا الأسلوب يخلق مشاكل أكبر، ويجب أن يتمَّ إيقافه. يحتاج الإنسان إلى وعي كي يتمكَّن من إدراك وفهم ماهية اللوم الذاتي هذا الذي يعاني منه، وبالتالي يتعامل معه، ويحوِّله من خلال بناء أمور إيجابية، حيث يتحوَّل من لوم ذاته إلى رعايتها والعناية بها. 

ما أضرار اللوم الذاتي؟ 

يؤثر اللوم الذاتي في صحَّتك النفسية، وهو يُعتبر من أكثر أنواع الإساءات العاطفية سُمِّيَّة؛ فهو يعمل على تضخيم ضعفاتك وعدم كفايتك سواء كان حقيقيًّا أم لا، ويشلُّك قبل أن تتمكَّني من التقدُّم خطوة إلى الأمام، وبالتالي تنعدم ثقتك بنفسك.  

كما وقد ينعكس هذا على صحَّتك الجسدية، حيث تظهر المشاكل الجسدية المتنوِّعة والتي يكون منبعها الأساسي هو تلك المشاعر السلبية المتجذِّرة في أعماقك. هذا بالإضافة إلى الشعور بالكسل وفقدان الطاقة. 

ويؤثِّر في حالتك المزاجية، وعلاقاتك مع الآخرين، وقدرتك على الإبداع وحلِّ المشكلات، وبالتالي ينعكس على أدائك العام في الحياة. 

يتحوَّل اللوم الذاتي إلى نوع من الإدمان الذي تعتادين عليه، فهو وسيلة دفاعية تستخدمينها للتعامل مع المشاكل وحلِّ المعضلات وتسكين آلامك الداخلية وشعورك بالسيطرة على الأمور. فتتحوَّلين بأنظارك عن المشاكل والصراعات إلى داخل نفسك بلومها وتأنيبها، وفي النهاية تدميرها دون وعي لما تفعلين.  

ما أسباب اللوم الذاتي؟ 

قد ترجع جذور اللوم الذاتي في أصلها إلى طريقة تعامل الأهل مع ابنهم أو ابنتهم، حيث كما يُقال إنه “البطة السوداء” التي تُلام على كل ما يجري، والتي هي وراء كل مشكلة تحدث. أو ربما بسبب تحمُّل الطفل مسؤوليات وملكية أمور أكثر من طاقته وعمره أو لظروف ما مرَّ بها، أو بسبب الانتقاد الزائد أو التعرُّض للإهمال أو الإساءات النفسية أو الجسدية.

يميل الشخص الذي يعاني من اللوم الذاتي إلى إسعاد الآخرين وصراعه وجهاده المستمرّ لنيل قبولهم، كما ويخاف من قول كلمة لا. وفي حال أيّ خلاف، تجد سعيه ورغبته في إصلاح الموقف هما ما يدفعانه إلى لوم نفسه. 

كيف يمكننا مقاومة اللوم الذاتي؟ 

من خلال المرونة والرعاية الذاتية اللتين ستُمكِّنانك من الارتداد عن تلك السلبيَّة، وبالتالي القدرة على التأقلم بشكل إيجابي مع المواقف الصعبة. 

  1. خذي استراحات بعد العمل الجادّ المُجهِد، فعندما تستريحين فإنه يمكنكِ أن تعملي بعد الاستراحة بشكل جيِّد. فالاستراحات تمكِّنكِ من ملء خزّانك بالطاقة والشغف فتتابعين العمل دون أن تحترقي بسبب العمل المُضني بلا توقُّف. اسمحي لنفسك أن تتعبي وأن تخطئي، واعترفي بأنَّ لديك احتياجات ومنها الحاجة إلى وقت خاص بك.  
  2. مارسي الامتنان والشكر، وهذا يتمُّ من خلال كتابة مذكّراتك أو مثلًا كتابة 3 أمور يوميًّا تشعرين بالامتنان لأجلها. فمثل هذه العادة اليومية يمكنها أن تُعيد شحن دماغك بطريقة إيجابية. 
  3. لاحظي لغتك، وتجنَّبي الأوامر مثل كلمة يجب، واستخدمي يمكن، وخاصة وأنتِ تخاطبين نفسك. لوِّمي نفسك على الأمور الجيِّدة وليس فقط السيئة. قولي إنك وراء تلك الأوقات الممتعة أو الوجبة الشهية أو اللقاء اللطيف. واعملي قائمة بالأمور الجيِّدة عن نفسك، وانظري إلى نفسك بشكل كامل واضح من حيث نقاط قوتك ونقاط ضعفك، وأخفضي صوت الحديث الداخلي المشبَع بالأخبار السيئة، وقولي ببساطة: لا، شكرًا، لا أودُّ أن أسمع لهذا، ليس لديّ الوقت، لديّ ما هو أهم لأعمله. 
  4. لا تلومي نفسك ولا تلومي غيرك، بل خذي المسؤولية في الموقف من حيث الإجابة عن السؤال: ما هو دوري فيما حصل؟ ماذا يمكنني أن أفعل لتحويل الموقف إلى نجاح وفرصة تعلُّميَّة؟  
  5. مارسي التفهم الذاتي، أي كوني متفهمِّة لنفسك وافهمي آلامك ومتاعبك بعيدًا عن الدراما والمبالَغة، وكذلك اعرفي ما هو رأيك بنفسك بشكل عادل وواضح. تواصلي بالشكل الذي يجعلك مرتاحة، وعبِّري عن نفسك بوضوح بعيدًا عن الأقنعة.  
  6. اهتمي بنفسك من خلال ممارسة الرياضة والمشي، وشرب الماء الكافي، والحصول على النوم اللازم، ومراجعة الطبيب بشكل دوري. طوِّري عادات منها تطوير هواياتك وقضاء وقت مع الأصدقاء ومع مجموعة دعم، وقضاء أوقات بعيدًا عن الهاتف، إضافة إلى ممارسة عادات بنّاءة مساعِدة، مثل كتابة المذكّرات والتنفس العميق. ومن العادات المهمَّة التي تحتاجين إلى التدرُّب عليها هي وضع الحدود الواضحة وقول كلمة لا. ولا تنسي قضاء وقت في القراءة، ودعي للضحكِ مكانًا. 

ذاتك بحاجة لرعايتك

في كثير من الأحيان، لومك لنفسك يجعلك تتجاهلينها وتغفلين رعايتها والعناية بها، وربما تعتقدين أن ذلك أمرًا لا تستحقينه. لكن تذكَّري إنَّ عنايتك بنفسك هذه ليست عملًا أنانيًّا ولكنها مقاومة لتلك القوة السلبية التي تنطوي على لومك لذاتك. 

ماذا بعد؟ 

وفي النهاية تذكَّري أنكِ زهرية جميلة مصنوعة يدويًّا، ربما في أعماقك هناك الكثير من اللوم. هذا اللوم سيشوِّه صورتك أمام نفسك وبالتالي كيف يراك الآخرون. لكننا نذكِّرك أن تعتني بنفسك لتبقى جميلة في عيونك وعيون آخرين من حولك. وإن ألقت بك الحياة بضرباتها وتشقَّقت أو تلفت، تذكَّري أنكِ في كيانك جميلة ومميَّزة. لا تلومي نفسك بل اعتني بها، تحمَّلي المسؤولية واصنعي الأفضل من كلِّ ما تمرّين به. 

المراجع

4 Ways You can Replace Self-Blame with Self-Care – Hey Sigmund

Tackling Self-Blame and Self-Criticism: 5 Strategies to Try | Psychology Today

Self-care: You have only yourself to blame – People’s World

What Is Self-care? — My Mind Oasis

87 Important Self Care Quotes on Life you need in 2021

Why We Turn to Self-Blame and How to Release Ourselves From It – Torch