إعداد: كارولين فاخوري
علَّمتنا وسائل الإعلام على مدى سنوات طويلة أنَّ الحُبَّ يبدأ بنظرة، فابتسامة، فهمسة، فزواج. ربَّما يُكتَب له النَّجاح أو الفشل بناء على حُسن أداء الرَّجل في توفير حاجات المرأة، وقدرة المرأة على تسديد حاجات الرَّجل. لكنَّ الواقع يختلف كثيرًا عن الصُّورة الَّتي رسمها لنا الإعلام وعكسَتها لنا الرِّوايات. فـ”شرارة الحُبّ” الَّتي تبدأ عند التقاء رجل وامرأة تبدأ بإعجاب أحدهما بالآخر عند ملاحظة إحدى الصِّفات الَّتي أثارت انتباهه أو انتباهها. فإن تجرَّأ على أخذ الخطوة التَّالية تحوَّل هذا الإعجاب إلى عاطفة جيَّاشة تُسمَّى الافتتان أو الوقوع في الحُبّ. إذ في هذه المرحلة يرى كلٌّ من الطَّرفين الآخر على أنَّه التَّحقيق الكامل لكلِّ ما يتمنَّاه في شريك الحياة، فيكون كلٌّ منهما كاملًا في نظر الآخر لا تشوبه شائبة، ولا تعيبه صفة أو سلوك، وهنا عادة تنتهي الرِّوايات السَّعيدة.
لكن سريعًا ما يقف الاثنان جنبًا إلى جنب في مواجهة معترَك الحياة. فلا يعودان يريان الكمال أحدهما في الآخر بل تبدأ نقاط الضَّعف والأمور الَّتي لا ترتقي إلى مستوى كمال لقاء العينَين في المرحلة السَّابقةـــــــــ بالتَّكشُّف. فيدخل الإحباط في نظرتنا إلى الآخر ولا يعود بإمكان هذا الآخر أن يستعيد مكانته السَّابقة. وهنا يقف الاثنان عاجزَين عن رؤية صفات الآخر الحسنة ويعجزان عن تذكُّر ما أعجبهما في الآخر في البداية. وهنا عادة تنتهي الرِّوايات الحزينة.
فالحياة طويلة -رغم قِصرها- فيها تحدِّيات جمَّة يحتاج فيها الاثنان إلى أحدهما الآخر. فالحياة هي أصدق اختبار تُمتَحن فيه جودة الحُبِّ وصدقه. فلو كان الحُبُّ صادقًا وواعيًا، إن وقع أحد الطَّرفَين يُقيمه الآخر ويُعينه. وهذا هو القصد من الزَّواج منذ بداية إنشائه من قِبَل الله. أن يكون أحدهما مُعينًا للآخر نظيره؛ فلكلٍّ من الزَّوجين مسؤوليَّاته وواجباته كما له حقوقه. وعلى الزَّوجين اختيار البقاء معًا ومواجهة ما تُلقيه الحياة على عاتقهما بسرور ورضى؛ فيكونان إلى جانب بعضهما البعض يُتمِّمان مسؤوليَّات علاقة الحُبّ الَّتي جمعتهما، فيلجآن إلى اختيار الحُبِّ في كلِّ يوم، وفي كلِّ موقف، وفي كلِّ تحدٍّ، وفي كلِّ انتصار، وفي كلِّ لحظة ضعف. وعندها فقط يستطيعان الثَّبات في حياة الحُبِّ، وإبقاء شرارة الحُبِّ مُشتعلة بينهما مهما طال الزَّمن، وأيًّا كانت التَّحدِّيات.