عام جديد وخطَّة قابلة للتَّطبيق

إعداد: زياد ملكونيان

في نهاية كلِّ سنة وكجزء مهمٍّ من التَّحضير للعام الجديد، يبدأ بعضنا بوضع أهداف لتحقيقها خلال العام القادم. إن كنتَ تقوم بهذا وتفشل في كلِّ عام، أو لم يسبق لك وأن وضعْتَ خطةً وأهدافًا. أدعوك إلى قراءة هذا المقال؛ فقد يُشَجِّعك لتحقيقها في هذا العام، أو قد يفيدك في تجنُّب متاهات، ويُشَجِّعك على كتابتها هذه السَّنة!

شخصيًّا، عندما بدأتُ بهذه العادة، وضعتُ كلَّ ما أتمنَّى الوصول إليه في جميع المجالات، ولم أحقِّق غالبيَّتها! اكتشفْتُ أنَّني بالغْتُ في “أحلامي”، وعرَفْتُ بعدَها أنَّ أهدافي يجب أن تكون “ذكيَّة” (Smart Goals) أي:

محدَّدةSpecificS
قابلة للقياسMeasurableM
قابلة للتَّحقيقAchievableA
واقعيَّةRealisticR
محدَّدة بزمنTime-boundT

وأدعوك إلى قراءة المزيد عن الأهداف الذكيَّة لتتمكَّن من صياغة أهدافك بدِقَّة.

في العام الَّذي يليه، وضعتُ أهدافًا أكثر عقلانيَّة محقِّقة لشروط أن تكون ذكيَّة. ولكن لا أخفي أنَّ منها ما لم يتحقَّق أيضًا!

وأعتقد بأنَّ هذا طبيعيٌّ، فلن يستطيع أحد أن يتكهَّن بما سيواجهه في عام كامل جديد، أو أن يحقِّق كلَّ ما كان ينوي تحقيقه.

عام جديد!

هو فرصة جديدة لترك بعض العادات، واكتساب عاداتٍ أخرى، وإيجاد أمل جديد؛ لتحقيق المزيد من الأهداف والنجاحات. نبدأ عامنا بكلِّ حماس ثم يقِلُّ حماسنا وتركيزنا مع الوقت، لنكتشف في نهاية العام بأنَّ القليل فقط هو ما تمَّ إنجازه!

فتحديد الأهداف مُهِمٌّ، ووضع الخطط لتحقيقها أهمّ. ولكنَّ قِلَّة منَّا تداوم على تقييم هذه الخطط لضمان مسيرها بالشَّكل الصَّحيح الَّذي يقود إلى تحقيق هذه الأهداف.

وهذا أوَّلًا:

فتجزِئة هذه الخطَّة إلى مراحل، والتَّقييم الدَّوريُّ لها خلال العام، ووضع تعديلات تتماشى والمُستَجَدّات لإعادتنا إلى المسير نحو أهدافنا بالشَّكل المطلوب. قد يُنقِذنا من التَّوهان وفقدان الأمل عندما نتلاقى والإخفاق في نهاية العام!

ضع خطَّة سنويَّة، وأخرى نصف سنويَّة، ورُبعيَّة، وحَدِّد يومًا في نهاية كلِّ 3 شهور. اجلِس بكلِّ شفافيَّة أنتَ وخطَّتك، وقيِّم أداءَك، وقوِّم ما استَدعى ذلك؛ فهذا أهمُّ ما يمكن أن تقومَ به لتتدارَكَ الوضعَ، وتعودَ إلى السَّير في المسار الصَّحيح.

فمثلًا، لو وضعْتُ في خِطَّتي أن أقرأ ستَّة كتب خلال العام -وهذا بحسب إمكانيَّاتي smart goal))- هذا يعني ثلاثة كتب خلال ستَّة أشهر، وكتاب ونصف خلال ثلاثة شهور.

فعند جلسة التَّقييم الأولى بعد ثلاثة شهور، إن لم أجِدْ نفسي قد انتهيتُ من قراءة كتاب ونصف، عندها يمكنني أن أتدارَك الموقف وأضاعف جهدي لتحقيق هدفي، قبل أن أتفاجأ في نهاية العام أنَّني لم أحقِّق نصفَ ما خطَّطتُ له دون مراقبة!

ثانيًا: حدِّد أولويَّاتك ونظِّم وقتك.

هل سمِعتَ قبلًا بقاعدة 80 – 20 (مبدأ باريتو)؟ يقول هذا المبدأ إنَّ 80% من النَّتائج سببها 20% من الأسباب.

للمبدأ تطبيقات عديدة في كافَّة المجالات، وفيما يلي بعض الأمثلة على هذه التَّطبيقات:

في المبيعات: 80% من أرباحك تأتي من 20% من الزَّبائن.

أما في الإدارة: 20% من الموظفين يقومون بـ 80% من العمل في الشَّركة.

وفي تنظيم الوقت: 80% من وقتك يُصرَف على 20% من المهامِّ أو الأشياء.

أشجِّعك عزيزي أن تأخذ وقتًا كافيًا في ترتيب أولويَّاتِك وتنظيم وقتك؛ فهذا يُجَنِّبُك الكثير من الوقت الضَّائع بلا معنى! اسعَ خلال يومك إلى التَّركيز على هذه الـ 20% من الأعمال الَّتي ستقودك إلى تحقيق الـ 80% من النَّتائج والأهداف بأقلِّ وقت وجهد، وضَع المُحَدِّدات لِما يسرِق ويُضَيِّع وقتَك وجهدَك، ولا يُحَقِّق سوى القليل من النَّتائج، إن حقَّقها!

مثلًا، يمكنك أن تبذل وقتًا وجهدًا على 20% فقط من مهاراتك (كالالتزام، والانضباط، وتقييم الذَّات، …) الَّتي تقودك في النِّهاية إلى تحقيق 80% من أهدافك بسهولة وجهد أقلّ. فتعرفَ نفسَك وأفضل 20 % من وقتك خلال اليوم، ممَّا يُمَكِّنك من استِغلاله بالشَّكل الصَّحيح لتحقيق 80% من مهامِّ يومِك بنشاط وفاعليَّة. 

وتنطبق هذه القاعدة على الكثير من جوانب حياتنا، وأدعوك أيضًا إلى قراءة المزيد عنها.

ثالثًا:

وهو الأهمُّ، تذكَّر أنَّ ما تفعله إنمَّا تفعله من أجل نفسِك، لتكون أكثر نضجًا وحِكمة. وتسعى لتطوير هذا الإنسان الَّذي دُعِي ليكون ذا تأثير ومعنى، ويُحَقِّق هدفَ وجوده. فالإصرار والتَّركيز على تحقيق أهدافِك -إن لم ينبُعا من رغبة داخليَّة حقيقيَّة- لن يُثمِرا. بل ستُضَيِّع وقتك في كتابة خطَّة “حبر على ورق” فقط لكي تُرضيَ ذاتك، وتقول: لقد وضعْتُ خطَّة العام الجديد، ثمَّ تنسى.

لا ترضَ بأن تكون مُجَرَّد إنسانٍ موجود، بل ابحَث عن سببِ هذا الوجود، وحَقِّق مُبتغاه. بدايةً بتطوير الذَّات لتُصبح أكثر نفعًا وتأثيرًا، ولا يتأَتَّى ذلك دون وقفة حقيقية مع الذَّات، تكشِف ما يلزم تغييره وتطويره، وما يجب ضبطه وتفعيله. لذا ضَعْ خُطَّة مرسومة بأهداف ذكيَّة تسعى فيها إلى التَّغيير. ستُواجهك الكثير من العقبات، والمُفَشِّلات، والمُلَهِّيات، وستجد مَن يُحبطك، أو مَن يسخر منك، أو من يُقنعك بعدم “تعقيد الأمور”. ويدعوك إلى “عِش حياتَكَ يومًا بيوم”، فلا تلتَفِت إلى تلك المُعيقات، ولا تدعِ المُفَشِّلين ينالون منك.

قد تعود وتفشل من جديد، لكن ابحَث عمَّن هو مصدر ثقة، ومَن تراه أنضج ويستطيع المساعَدَة. قد تُشاركه الخطوط العريضة لخطَّتك، فتطلب منه المُساعدة في بعض الجُزئيَّات أو في المساءلَة لضمان تحقيق الجزء الأكبر من أهدافك. فبالتَّقييم الدَّوريِّ، وتنظيم الوقت والأولويَّات، والتَّركيز على الأهداف وسبب وضعها، أعتقد أنَّه مهما واجهك من مُفَشِّلات، ستكون قادِرًا على النَّيل منها! وثِق أنَّكَ إن أردْتَ، تستَطِعْ.