إعداد: ديمة فاخوري
6 خطوات تدرَّبي عليها لتحفيز ذاتك
راما شابة طموحة ناجحة مميَّزة، ولكنها عاشت في بيئة مليئة بالمقارَنات والإساءات التي أثرت في صورتها عن ذاتها منذ الطفولة. في مراحل حياتها وأثناء نشأتها لم تكن قادرة على ممارسة حياتها الاعتيادية كبقية فتيات جيلها نظرًا للشخصية الاعتمادية التي فُرضت عليها أن تعيشها بحيث لم تُترَك لها مساحة كافية للتعبير عن نفسها واكتشاف ذاتها عن طريق الاختلاط الطبيعي في المجتمع وتكوين علاقات صحية، فقد كان والداها يخافان عليها جدًّا إلى درجة الاختناق.
ظلت راما متفوقة في دراستها في السنوات الابتدائية والإعدادية الأولى ثم بدأت التحديات تظهر في سنوات المراهقة، حيث بدأت الضغوطات تزداد ووجدت نفسها ترهب الامتحانات حتى بدأت تفقد التركيز وتصيبها حالة من الرعب الممزوج بالتشويش، وبدأ تركيزها يضعف وأداؤها يتراجع. مرت الأيام ووصلت إلى مرحلة الثانوية العامة وانتقلت من متفوِّقة في المرتبات الأولى على دفعتها إلى شخص لم يتمكن من اجتياز امتحان الثانوية العامة المصيري. أصيب معلِّموها ووالداها بالفشل والصدمة، ولم يعرفوا ماذا حدث لهذه الشابة المبدِعة.
مرت راما بأزمة نفسية صعبة جعلتها غير قادرة على ممارسة علاقاتها الطبيعية بصورة صحية واهتزت ثقتها بنفسها. تمكنت في السنة التالية -بشقّ الأنفس- من إعادة الامتحان واجتياز مواده ولكن بمجموع لم يؤهِّلها إلى اختيار دراسة تعبِّر عن شغفها، وحتى عندما وجدت عملًا كان دائمًا ما يصيبها الإحباط أمام المطبات الصعبة في العلاقات والسلوكيات المهنية.
في هذا المقال سنتطرق إلى التعامل مع هذا النوع من مشاعر الإحباط بطريقة صحية تُخرجنا من قيود الفشل، وتمنحنا القوة والحافز لمواجهتها بصبر واحتمال وفهم رغم الألم والضيق اللذين ربما نجتاز فيهما في هذه الأوقات.
أنا ذكية ومبدِعة ولكنني لا أشعر أنني ناجحة. ما الذي أفتقر إليه؟
تحدثنا في مقال سابق عن ضرورة التعامل مع منظومة مشاعرنا، وفي مقالنا هذا نؤكد لكِ على ضرورة هذا التعامل والتعبير عنه بالكلام؛ لأنَّ هذا سيساعدكِ على أن تعي مشاعركِ أكثر وبالتالي تتمكنين من إدارتها والحكم فيها، وهذه الإدارة تؤدي إلى المزيد من التعبير. وبسبب الأمان الناتج عن القدرة على الإدارة تستطيعين أن تسمحي لنفسك أن تعبِّري. وبالتالي تؤدي إدارتك إلى تحفيز نفسك وتحمُّل الإحباط، وهذا أساسي للنجاح المهني والدراسي، كما أنَّ هذا يقودك إلى إدراك مشاعر الآخرين والنجاح في علاقاتك.
فكما في قصة راما وغيرها من قصصنا الحياتية، نجد طلابًا أذكياء لا يحصلون على درجات عالية في الامتحانات؛ لأنهم لا يستطيعون مثلًا إرغام أنفسهم على الدراسة بشكل كافٍ. أو قد نجد موظفًا شديد الكفاءة لكنه يخلق الكثير من المشكلات في العمل بسبب عدم تحكمه في غضبه، أو نجد شخصًا مبدِعًا لكنه يخاف من إظهار إبداعه أمام الناس ويفضِّل الابتعاد والتجنُّب فلا يدري به أحد ولا يستمتع أحد بإبدعه وإنتاجه. أو نرى رجل أعمال لا تنقصه الخبرة والحنكة ولا رأس المال لكنه يفتقر إلى الشجاعة وروح المغامَرة، فيظل نجاحه محدودًا مقارنة بآخَر أقل منه في الخبرة والذكاء ولكنه أكثر جرأة.
السبب ببساطة أنَّ الذكاء العقلاني لا يكفي بمفرده للنجاح الدراسي أو المهني أو الأسري، وهناك حاجة ماسة لإدارة مشاعرك.
كيف أواجه فشلي وإحباطي؟ كيف لا أفشل خلال رحلة نموي؟
في واقع الأمر هناك عنصر مهم من عناصر الذكاء العاطفي والوجداني مرتبط بصورة خاصة بالنجاح في الحياة، وهو القدرة على تحفيز الذات، وهذا يتضمَّن تدريب نفسك على:
- تأجيل اللذة والراحة إلى ما بعد تحقيق الإنجازات.
- التفكير الإيجابي.
- إيجاد الحلول البديلة للخروج من فشلك وإحباطك وإخبار نفسكِ أنه عارض وسأتجاوزه.
- الاحتفال بكل تطوُّر تنجزينه مهما كان بسيطًا.
- تكرار المحاولة وعدم التوقف أو التفشُّل مهما كان الحال أو درجة الصعوبة.
- الثقة بنفسك أكثر من الثقة بآراء الآخرين، وبالطبع هذا لا يعني ألا تسمعيها إنما يعني أن تفحصيها وتقيِّميها وتقرري ما يناسبك كإنسانة مستقلَّة قادرة على النجاح.
والتاريخ مليء بالأمثلة لأشخاص حققوا نجاحات أسطورية بسبب استطاعتهم التعامل مع الفشل، ولعلَّ من أهم المقولات التي قالها توماس إديسون: “إذا وجدت عشرة آلاف طريقة لا تعمل فأنا لم أفشل ولم أشعر بالإحباط. لأنَّ كل محاولة خاطئة تقرِّبني أكثر من الطريقة التي تعمل، فأنا عندئذٍ أكون قد اكتشفتُ عشرة آلاف طريقة لا يعمل بها المصباح الكهربائي.”
افحصي معتقداتك
افترضي أنكِ طالبة في كلية وكنتِ تتمنين الحصول على تقدير “امتياز” في مادة ما، ولكنكِ اكتشفتِ أنكِ حصلتِ على تقدير “جيد” في امتحان نصف السنة. ماذا تفعلين؟
- هل تضعين خطة لتطوير مستواك وتقرِّرين أن تستمرّي في هذه الخطة للحصول على التقدير المطلوب في آخر السنة؟
- هل تقرِّرين أن تكوني أفضل في المستقبل ولا تتَّخذين خطوات عملية؟
- هل تقولين لنفسك إنَّ الأمر لا يهمّ، وتركزين على المواد الأخرى التي حصلتِ فيها على درجات مرتفعة؟
- هل تذهبين للحديث مع الأستاذ وتستعطفينه ليرفع لك الدرجة؟
أفضل إجابة هي الأولى؛ لأنَّ أهم علامات القدرة على تحفيز الذات هي القدرة على وضع خطة للتغلب على المصاعب والإحباطات والاستمرار في هذه الخطة مهما كانت صعوبتها.
إنَّه غاية في الأهمية أن تواجهي معتقداتك؛ لأنها تؤثر في نظرتك إلى نفسك وتحفيز ذاتك. نذكر لكِ بعضًا منها، فافحصيها:
- إذا لم أكن ناجحة تمامًا فأنا فاشلة تمامًا: ربما تكوَّن لديكِ هذا المعتقَد من خلال عدم اعتراف والديكِ بنجاحك إلا إذا كان كاملًا (100%).
- إذا انتقدني أحدهم فأنا إذًا فاشلة ولا أصلح لشيء: خصوصًا إن كان هذا الشخص يشكِّل أهمية خاصة، فكيف لو كان أحد الوالدَين!
- الناجح لا يفشل والفاشل لا ينجح: ربما تكوَّن هذا المعتقَد من خلال عبارات متكرِّرة، مثل: “الناجح ناجح من يومه”!
- يجب أن أكون أكثر نجاحًا من الجميع وإلا فأنا فاشلة: ربما تكوَّن هذا المعتقد لديكِ من خلال تنمية روح التنافس في طفولتك.
ثقي في قدرتك على الاحتمال والنجاح
إذا وجدتِ نفسكِ اليوم في حالة شبيهة بالتي وصفناها في المقال، اعرفي التالي:
- الإحباط أمر طبيعي نمرّ به جميعًا نتيجة تجارب وظروف وتعقيدات نفسية واختبارية كثيرة نجتازها في حياتنا تبدأ منذ طفولتنا وتستمرّ، ولكن من غير الطبيعي أن تستسلمي لهذه الأفكار الإحباطية السلبية التي قد تتحوَّل إلى معتقدات محورية في حياتك تقود وعيك بنفسك وإدارتك لمشاعرك وبالتالي نجاحك في حياتك المهنية والدراسية.
- خلقكِ الله بإرادة قوية للكفاح والتطور والصمود والقدرة على التكيف والشفاء والتحفيز الذاتي.
- كما تشعرين في نفسك هكذا تكونين ويراكِ الآخرون.
- ما تتكلَّمين به عن نفسك يؤثر، لذا اعرفي ماذا تقولين لها وأحبيها وخاطبيها بإيجابية معلنةً كلمات رحمة بدلًا من جلد ذاتكِ.
لقد خلقكِ الله مميَّزَة وهو يثق في قدرتك على النجاح والإبداع؛ لأنكِ على صورة الخالق المبدِع.
لذا في كل مرة تتعثرين فيها وتفشلين، قولي في نفسك كما قال إديسون: وجدتُ طريقة لا تعمل وبهذا اقتربتُ أكثر من اكتشاف الطريقة التي تعمل! وهكذا تحفِّزين نفسكِ. ثم إذا سقطتِ قومي من جديد واستمرّي في الاحتمال وتحفيز نفسك؛ لأنَّ هذا هو النجاح عينه!