هل ممكن للغة الجسد أن تكون وسيلة للتأثير بالآخرين؟

إعداد: لما عطاالله

يُخبرني أبي عن حبه الشديد وإعجابه بتشارلي تشابلن، يخبرني بأنه حضر جميع أفلامه الكوميدية ليس مرة ومرتين، بل عشر مرات وعشرين مرة. كنت دائمًا أستغرب من رأي والدي، فكانت أفلامه قديمة جدًّا إذ تعود للثلاثينيات. وكانت جودة التصوير أقل من عادية، وتكاد أن تكون ضعيفة. لكنه كان يعشق ذلك الصامت ليس لمجرَّد أنه كان يطلق قهقهاته عاليًا. بل لأنَّه كان يذكِّره بشبابه كثيرًا؛ لأنه كان العرض الوحيد الذي استطاع أن يحضره مع زملائه من جنسيات مختلفة دون الحاجة إلى ترجمة أيام الجامعة في رومانيا. وهذا لم يكن رأي والدي فقط بل كان الكل يحبه ويفهمه بالرغم من أنه فنّان صامت، وشخصيته لا تتحدَّث أبدًا بل تقفز وتستبدل بالكلمات الأفعال. 

كثيرًا ما نعتقد أننا استطعنا إرسال رسالة ما بطريقة صحيحة ومفهومة، لكن تأتي ردود الأفعال لترسم علامات استفهام كبيرة لا تكون مفهومة بالنسبة إلينا، كذلك الأمر حين نستقبل ما يُرسَل إلينا، فحتى حين تكون الكلمات واضحة وصريحة إلا أنها تصل لنا بمعانٍ مختلفة. هل سبق وحدث ذلك معكِ؟ 

هل تعلمين أنَّ الكلمات ليست أهمَّ وسيلة للاتصال بالآخرين، فالاتصال اللفظي يشكل 45% من الاتصال، والحركات الجسدية تشكِّل 55% منه. غالبًا ما ندرِّب أنفسنا على الكلام لكن ننسى الوسائل الأخرى التي هي أهمُّ فعلًا. فأحيانًا تعجز الكلمات عن التعبير عما نريد أن نقوله، ويتعثَّر اللسان فيتدخَّل الجسم بتعبيرات الوجه أو الجسد. وهنا لا تعوق تعبيراته حاجز لغة أو لهجة أو لكنة. ولا يختلف في فهم لغة الجسد عربي أو إنجليزي أو فرنسي أو ألماني، فالجسد يتكلم لغة يفهمها الجميع، وبنفس قدرته على التكلم لديه قدرة على الاستماع أيضًا. 

لماذا من المهم معرفة لغة الجسد؟

هل سبق وراقبتِ نفسك يومًا لتعرفي كيف يعبِّر جسدك بمهارات التواصل مع الآخرين؟ فكلٌّ يجلس بطريقة، وكل له ابتسامة مختلفة، البعض يعبِّر بنظراته والبعض الآخر بيديه، لتتحوَّل كل إشارة إلى رسالة مبطَّنَة. فتحمل كل حركة معانيَ تكون أعمق من الكلام أحيانًا، يتلقاها الآخر لا شعوريًّا فيبادر ويحكم ويكتشف شخصيات من حوله. أما السبب، فهو أننا نولَد مع قدرة لقراءة لغة الجسد، إلا أنَّ اعتمادنا على الكلام يمنعنا من تنميتها فيُصبح التركيز على الحديث هو الأولوية بالنسبة إلينا.

إنَّ لغة الجسد واحدة من أهم اللُّغات من حيث قدرتها على السيطرة على الموقف والتحكم بسير الحدث. فلغة الجسد لها قدرة على إيصال رسائل بطريقة صحيحة أو تغيير محتوى رسالة بالكامل. وذلك لأنَّ العقل الباطن للإنسان لا يستطيع الفصل بين ما يسمعه وما يراه. لذا ما يحدث في معظم مشاكلنا سواء في المنزل، أو العمل، أو صداقاتنا…إلخ هو على الأغلب سوء تفاهم. والأمر ليس متعلِّقًا بمشاكلنا فقط، لكن بكل المواقف التي فيها تعامل مع أناس، تقديم محاضرة، حلّ خلاف، تقديم فكرة لمجموعة، تفاوض على شيء معين…إلخ.

أمثلة للغة الجسد

  1. لغة الكفَّين: حين نمدُّ يدنا لمصافحة شخص نقوم بذلك إما بحرارة واندفاع للتعبير عن الترحيب والسعادة بلقاء ذلك الشخص، أو ببطء وليونة وتكاسل كتعبير عن اللامبالاة وعدم الاهتمام أحيانًا، وفي اندفاع عاطفيٍّ تكون المصافحة باليدَين معًا وهزّهما تعبيرًا عن تحية ودودة.
  2. لغة الذراعين: عندما نجلس مكتوفي الذراعين يعكس هذا مظهرًا عدوانيًّا أو حركة عصيان.
  3. لغة الاستماع: حين يتحدَّث إليك إنسان فإنَّ جسدك يُعلن إليه إما أنه يُنصت إليه ويستمع لما يقوله، أو أنَّ كلامه مملٌّ. فإذا جلس الشخص منتصبَ الجسد مركِّزًا عينيه على المتحدِّث، فإنه يستمع باهتمام، أمّا إذا جلس مسترخِيًا ونظراتُ عينَيه مشتَّتة بعيدة عن المتحدِّث، فإنه يُعلن أنَّ حديثه لا يثير الاهتمام ويصيبه بالضجر والملل.
  4. لغة الرأس والكوعين: حين تضعين الكوعين على المائدة وتضغطين بأصبعك داخل وجنتكِ، فأنتِ تُخبرين محدِّثكِ والمستمعين معكِ أنكِ تستمعين بتركيز. أما حين تجلسين مسترخية وتتكئين بكوعيكِ على مسند الذراعين وتضغطين بأصبعك على وجنتيكِ، فأنتِ تعبِّرين عن ضجركِ.
  5. لغة الابتسامة أكثر لغات الجسد إيجابيَّة، ولا يُنصح بالتخلي عنها عند الحديث والاستماع أبدًا.

قياس واحد لا يصلح لجميع الأحجام

تذكري أنَّ إحدى أهمّ الأمور التي تلعب دورًا رئيسًا في تفسير لغة الجسد. هي الخبرة السابقة للمستقبِل والمرسل، كما تلعب الثقافة دورًا مهمًّا للمرسل وللمستقبل في فهم تفسيرات لغة الجسد، إضافة إلى ذلك المواقف المختلفة ونوع المشاعر في تلك المواقف. ففهم لغة الجسد ليس بالأمر السهل. فهناك بعض الإيماءات التي تفسَّر بطرق مختلفة بناءً على خلفية كل شخص وثقافته ومجتمعه وعائلته. وقد يختلف التفسير بناءً على المواقف أو الأشخاص. فمثلًا يُعتبَر الجلوس رجلًا على رجل أمرًا متعارَفًا عليه للبعض بينما قد يكون دليلًا على قلة الاحترام للبعض الآخر. أو قد نفسِّر في مواقف معينة أنَّ تأشيرات الأصابع نحو الطرف الآخر أنها تصغير للشأن والاحترام بينما حين يحدث نفس الموقف بين أشخاص مختلفين. فـإنَّ التفسير يكون مختلفًا، ففي هذه الحالة يفسَّر الموضوع على أنه تحدٍّ أو تنافس على السلطة.

لغة الجسد. كيفية التأثير في الآخرين؟


الطالبة الجامعية ليال وبشهادة الكثيرين ممَّن حولها لديها أسلوبها المقنِع الجذّاب وابتسامتها الصافية التي تدخل إلى قلوب المحيطين بها. تؤكِّد صديقتها بأنها تؤثر كثيرًا بطريقتها بالكلام وإيماءاتها المليئة بالحماس والاندفاع، وشقاوة حركاتها. فكلّ تلك التصرفات التي تصدر منها تجعلني أبدي موافقتي على كل شيء تريده ليال دون أن تشعر.

تأكَّدي عزيزتي أنَّ لغة الجسد كفيلة بأن تجعل الشخص أكثر نجاحًا وتميُّزًا. كما وتساهم في تقريبه من قلوب المحيطين به ومن الفريق ومنحهم القبول. فلنظرة العين دلالات ولحركات اليدين والرأس دلالات. للغة الجسد أهمية أكبر ممّا تتصوَّرين. فإذا أردتِ أن تكوني امرأة مؤثرة حقيقة حان الوقت لتفكري وتوجِّهي انتباهك إلى حركات جسدك، وليس إلى كلامك فقط.