كلماتي وتأثيرها على نفسي والآخرين

إعداد: شيرين كرادشة 

انتقلت إلى منطقة جديدة بعد سنوات طويلة من استقرارها مع عائلتها في بلدتها الصغيرة، وعملها هناك في وظيفة مرموقة، ووجودها ضمن شبكة من العلاقات القوية سواء مع الأصدقاء أو العائلة المقرّبة أو الممتدّة. وبين ليلة وضحاها وجدت نفسها في بلد غريبة، وكأنها شجرة وقد اقتُلعت من جذورها. بعد أن أمضت ليلتها الأولى في نوم متقطّع شعرت معه بثقل في صدرها وخوف من التغيير والبداية الجديدة، قرّرت في الصباح الذهاب للاستمتاع بالطبيعة، فهذا كان أكثر ما حظيت به مع هذا الانتقال. وبينما كانت تتمشى شاعرة بالوحدة والخوف، رأت سيّدة كبيرة في السن تسير مع كلبها الصغير، ابتسمت تلك السيدة وقالت لها: صباح الخير، أتمنّى لك يومًا مليئًا بالضحك. ابتسمت لها خجلًا فهي لم تعتد على التحدّث مع الغرباء. أكملت مسيرتها تلك وتلك الكلمات اللطيفة ترنّ في ذهنها. عادت إلى المنزل وهي تبحث عن ما سيجعلها تفرح، أو تبتسم وربّما تضحك. 

كم هي فعّالة تلك الكلمات البسيطة التي نسمعها! وكم هي مؤثّرة في حياتنا، وفي حياة مَن نتعامل معهم! كلمات بسيطة قيلت لأشخاص دفعتهم لإحداث التغيير والتأثير الكبير في حياة كثيرين، وكلمات أخرى جارحة مدمّرة سلبية فشّلت مشاريع ودمّرت عائلات وأوقعت كثيرين في حالات من اليأس والاكتئاب. فالكلمات تبني وقد تهدم، وهي تحفّز وتشجّع أو تحبط وتدمّر! ولنا الخيار أيّ من تلك الكلمات نختار! 

كلماتي تعبير عن أفكاري:

فإن كانت الأفكار التي تسيطر عليّ هي أفكار سلبية، فما سيخرج من فمي سيكون متماشيًا معها. كذلك إن كانت أفكاري أفكارًا إيجابية عن نفسي وعن الآخرين وعن العالم من حولي، فهذا سينعكس على كلماتي، فما الذي سأقوله لشخص أفكّر عنه أفكارًا رائعة تتسّم بالتقدير والاحترام؟ لا بدّ أن تكون كلمات مليئة بالنعم ومفعمة بالخير ومعطّرة برائحة المحبّة.   

كلماتي مرآة لمشاعري:

الكلمات التي أنطق بها إنما هي انعكاس لما أشعر به، فإن كنت أشعر بالخوف أو عدم الأمان أو القلق أو الاضطراب، فهذا سينعكس على الكلمات التي أقولها، أما إن كنت مملوءة بالسلام والراحة والحماس والفرح فكلماتي ستحلّق حاملة تلك المشاعر. ولا بدّ أن تلك المشاعر التي تغمر كلماتنا ستصل إلى من نتواصل معهم، فيشعرون بها ولا بدّ أن يتأثروا بها كذلك. 

كلماتي تبني علاقاتي:

الكلمات هي الطريقة التي بها نعبر إلى حياة الآخرين، وهي الوسيلة التي بها يمكن أن نؤثر إيجابيًا أو سلبيًا على غيرنا. فإن أردت أن أبني علاقات أفضل أحتاج أن أعزّز تلك العلاقات بالكلمات المناسبة التي تغنيها. فالكلمات للإنسان كالماء للنبتة تنمّيها وتنعشها.  

فمن خلال كلمات الشكر والتقدير والمواساة والاحترام والتشجيع يمكننا أن نقود علاقاتنا إلى بعد أعمق وأفضل نحو قوة التأثير في الآخرين.  

كلماتي تسدّد احتياجاتي:

يظن الكثيرون أن الكلمات هي سبب بناء وتشجيع للآخرين، ولكنّها ليست كذلك فقط، بل هي سبب بناء لنا نحن كذلك. فكلماتنا التي من خلالها نتواصل مع الآخرين تساهم في بنائنا، وتغييرنا نحو الأفضل. لأن الكلمات التي تبني الآخرين تبنينا معهم كذلك. فكم من المرّات تشجّعنا أو أُلهمنا بينما نحن نشجّع أو نلهم غيرنا. 

لذا فالدعوة موجّهة لكِ أن تستخدمي تلك الكلمات التي تعبّر عن المحبة والاحترام والتقدير لما ومَن حولك، فهذه الأفكار ستنعكس في كلماتك ومشاعرك ستعكسها كذلك. فكلما كثرت الكلمات المأخوذة من القواميس الإيجابية، فإن علاقاتك مع نفسك وغيرك ستزداد غنى.  

إتيكيت الكلام الذي يبني ويشجّع ويلهم: 

* قد تكون الكلمات التي لا تُقال سبب ألم وإحباط: لذا أشجّعك عزيزتي على أن لا تصمتي عندما يكون الكلام لازمًا وله تأثير. فكلمة اعتذار قد تغني عن مشكلة كبيرة، وتحمي علاقة مقرّبة من شرخ، وكلمة شكر قد ترفع معنويات أحدهم، وتدفعه نحو تحقيق مهمّته الرائعة في الحياة. وربما كلمة تشجيع لمن هو في محنة، أو من يمرّ في وقت صعب تكون كفيلة بإنقاذه من قوقعة اليأس والإحباط. لذا تكلّمي ولا تمنعي نفسك من الكلام بإسكاتها، بل أطلقي لسانك بأفكار إيجابية ومشاعر فيّاضة. 

* مَن نخالط، وما نتعلّم أو نقرأ أو نتفاعل يصبغ كلماتنا: اقرأي وتعلّمي وخالطي مَن، وما يمكنهم أن يجعلوا كلامك كماء بارد لنفس عطشانة. يمكنك أن تلاحظي من هم الأشخاص وما الأمور التي تساهم في رفع مستوى كلامك الباني لا الهدّام، وأن تكثري منهم. 

* لكلّ وقت ومكان ومقام كلام: في بعض الأحيان هناك كلمات تكون مناسبة في وقت وليس وقت آخر، أو مع شخص وليس آخر أو مكان وليس غيره. لذا فنشجّعك أن تتفحّصي الكلام المناسب في سياقه. 

* وصفة سحرية لكلام صالح “لتكن كل كلمة تنطقينها، وكأنها الأخيرة في حياتك”. فإن كانت كلمة لشخص ما، اسألي نفسك، ما الكلمة التي أودّ أن أتركها لو كانت آخر كلمة له في حياتي؟ لتكن كلمات تترك ذكرى جميلة عنه وعنك وعن علاقتكما، ولتكن كلمات تساهم في جعله شخصًا أفضل. 

* الصمت هو الحلّ في بعض الأحيان: في كثير من الأحوال لا يكون قول الكلام الصحيح في الوقت الصحيح هو فقط المطلوب، ولكن لا بدّ من منع قول الكلام المسيء والاكتفاء بالصمت. 

* الكلام كالهديّة وغلافها هو نبرة الصوت ونغمته، فلنهتم بكليهما: يُساء فهم الكثير من الناس بسبب استخدام نبرة صوت فوقية أو انفعالية أو هجومية، فيخرج الكلام بالتأثير السلبي.  

يقول علماء الاجتماع إن للكلمات قوة تفوق أي قوة أخرى توصّل لها الإنسان سواء الكهرباء أو المغناطيس…

لذا نشجّعك أن تستخدمي الكلمات التي تبني ومنها مثلاً: 

شكرًا لأنك.. 

أنا آسف، أخطأت… 

أقدّر… (ما قلته، أو فعلته) 

دعيني أرى ماذا يمكن أن نفعل كي لا يتكرّر هذا مرة أخرى 

لاحظت جهدك وتعبك واجتهادك في…. 

أخبرني/ أخبريني أكثر، أنا مهتمة بمعرفة المزيد عن….. 

ماذا يمكن أن نعمل كي نتغلّب على هذا 

أنت على حقّ 

أشعر معك 

لم أنتبه لهذا، أخبريني 

أنا معك في هذا الأمر 

كيف يمكن أن أساعدك 

يسرّني خدمتك 

أستمتع بقضاء الوقت معك 

شجّعتيني بكلماتك 

بينما نتكلّم عن أهمية الكلمات وتأثيرها لا يمكنني أن أتجاهل الكلمات التي نقولها حاليًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي. مع أن تلك الكلمات غير منطوقة وليست من خلال تواصل مباشر وجهًا لوجه إلا إنها ولكثرة استخدامها هذه الأيام، فقد حازت على حصّة الأسد من أحاديثنا وتواصلنا اليومي. لذا فلا بد أن ننتبه كذلك لكلماتنا التي نتواصل من خلالها عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وبشكل خاص عبر الواتساب. 

* احذري الجدال أو العتاب، بل استبدليه بمكالمة هاتفية أو لقاء، لأن الكثير من الأمور تُفهم بشكل خاطئ عبر الإنترنت لغياب اللقاء الشخصي. 

* استخدمي الإيموجي كبديل لنبرة الصوت وتعابير الوجه وحركة الجسم، فأحيانًا المزاح أو الاستغراب أو مجرد السؤال يتم فهمه بشكل خاطئ لغياب ما يوضّح نوعية هذا التواصل. 

* لا تهملي رسالة لطيفة، بل اتبعيها بجواب لطيف، واستغلي هذه المنصة من التواصل الحرّ السريع في نشر الحبّ والتشجيع. 

وأتمنّى لك في النهاية يومًا مليئة بالكلام العطر الذي تقولينه وتسمعينه مع بعض الضحك.