عدم أخذ دور الضحية. أنا مسؤولة عن قراراتي

إعداد: شيرين كرادشة

انسكبت القهوة على قميصها الجديد. 

سيارتها تعطّلت ولم تعد تسير. 

ابنها أُصيب بنزلة برد واستدعتها المدرسة لأخذه وهي في وسط اجتماع هام للعمل. 

نسيت هاتفها في المنزل. 

جميع الإشارات المرورية التي في طريقها اليوم كانت حمراء. 

مرّت بمثل هذه المواقف وكان لسان حالها: العالم يقف ضدّي! يا لحظّي السيء! أنا مظلومة والحياة لا تنصفني! هذا ما يمكن أن نسمّيه “متلازمة لماذا أنا”، وهذه هي الحالة التي فيها يلعب الشخص “دور الضحيّة.” 

كلّنا قد مررنا بإحباطات وفشل وخيبات أمل وتقصيرات في ماضينا، لكن الفرق هو إن البعض تحرّروا من قيود الماضي ، تعلّموا دروسًا، وتقدّموا للأمام. أما البعض الآخر فما زالوا تحت تأثير ماضيهم مما منعهم من الاستمتاع بالحاضر. فإن لم يعمل الماضي على إلهامك أو تحفيزك، فما عليك إلا طرحه بعيدًا، وإلا فإنه سيجعلك ضحيّة بائسة يائسة. 

“لا يجب علينا أن ننظر للماضي إلا إن كنا نستخلص دروسًا من أخطائه وبهدف الاستفادة من دروسه الثمينة.” (جورج واشنطن) 

أنتِ أمام خيارين: الضحيّة أو المسؤولية؟ أيهما تختارين؟ 

يستخدم الإنسان استراتيجيات دفاع لحماية نفسه، فمثلًأ عندما يتعرّض لألم من ماضيه بسبب أخطاء ارتكبها أو أُرتِكبت بحقّه، تجد أن تبنّيه دور الضحيّة يكون لحماية نفسه وتخفيف الألم الداخلي الذي يشعر به. هذا هو أسلوبه المرضيّ للتخلّص من جروح ماضيه. فتجده يبدأ بلوم الآخرين على حاله وعلى ما أصابه. قد يخفّ ألمه قليلًأ ولكنّه في أعماقه يشعر باليأس وفقدان القوة. 

وللتخلّص من دور الضحّية ما عليكِ إلا أن تقفي أمام المرآة وتنظري في عيونك وتسألي نفسك: ما هو دوري في هذا؟ ما المسؤولية التي يمكن أن أتحمّلها في هذا الوضع؟ هذا سيجعلك تتصالحين مع ماضيك وتتقدّمين للأمام. تحمّلك المسؤولية وسعيك لجعل الحال أفضل يخلّصك من لوم الآخرين المرضي المدمّر.

رفقًا بنفسك، اغفري لغيرك 

في كثير من الأحيان نبدأ بجلد الذات، فنحن في أعماقنا نلعب لعبة اللوم، نحاول أن نجد من يمكنه أن يتحمّل المسؤولية واللوم على الخطأ.  ربما محبتنا وتعاطفنا مع الآخرين تمنعنا من لومهم، وربما خوفنا وانكماشنا على أنفسنا هو ما يجعلنا نجد أن “أنا” هو أفضل من يُلام. اعلمي أنك إنسانة مميّزة وغالية ومحبوبة. حتى لو أخطأت في ماضيك أو وُجِّهت لك سهام الأذى فيمكنك أن تتعلّمي من الماضي ومن أخطائك ويمكنك أن تسعي لتكون إنسانة أفضل، كما ويمكنك أن تغفري لمن أخطأ بحقّك، فالغفران هو هدية تقدّمينها لنفسك. 

قال مارتن لوثر كنغ “الغفران ليس عملًا عرضيًا ولكنّه موقفًا دائمًا.” فهو ليس موقفًا ذهنيًا ولكنّه توجّه حياتي وخيار، وهو يخلّصنا من صداع وتعب سنين طويلة. هو لا يضمن إزالة الأخطاء التي حصلت ولا تبرير الضرر الذي جرى حتى لو تم معالجة الجرح والألم، ولكنه ينقلك إلى ما هو أسمى مما حدث. هو تحرير وتحرّر من القيود التي نحملها من الماضي وتثقلنا. قد لا يغيّر الغفران الماضي ولكنّه يغيّر اليوم، ويجعل المستقبل أكثر اتساعًا. أما عدم الغفران فكما قال نيلسون مانديلا “المرارة هي شرب السمّ آملاً أن يموت به أعداؤك.”   

شعور الامتنان لا يرافق شعور الضحيّة  

علينا أن نشعر بالامتنان من نحو الماضي، ففيه دروس وعبر وخبرات. فمهما كان هناك ألم أو متاعب إلا أنه يمكننا أن نجد الدروس التي نشعر من نحوها بالامتنان. ففي وسط كل موقف يمكننا أن نطرح السؤال: ما الذي تعلّمته من هذه الخبرة أو هذا الموقف؟ 

فالامتنان يجعل علاقاتنا أفضل، وصحّتنا النفسية أفضل، ويقلّل القلق والتوتر، ويرفع من مستوى سلامتنا الجسدية. كما ويحسّن من منظورنا من نحو الحياة مما يمكّننا ويقوّينا في حياتنا وتقدّمنا. 

هكذا يمكننا أن نضيف تلك الدروس التي تعلّمناها إلى قائمة الامتنان الخاصة بنا والتي إن بدأنا وأنهينا يومنا بها فإننا نكون في حال أفضل. 

كفّي عن الرغبة بالسيطرة واستمتعي بالنعم والعطايا

شعور الضحيّة يجعل فكرة “هناك أمر سيء على وشك أن يحدث” فكرة مسيطرة، وبسبب ذلك الخوف تجد الشخص يميل دائمًا للسيطرة ليضمن أن يصيبه سوء من المصائب القادمة. فما الحلّ في هذه الحالة؟ 

تذكّري أنه لا يمكنك أن تسيطري على ما يحدث معك، ولكن يمكنك أن تسيطري على موقفك وردّ فعلك لما يحدث. لا يمكنك تغيير الماضي ولكن يمكنك اليوم عمل أمور تجعل غدك أفضل. فالماضي قد مضى بمتاعبه، استمتعي باليوم وبكل نعمة وبركة وعطية فيه. 

انظري لنفسك كناجية وليس ضحيّة 

فالضحيّة تنتظر متى سيكون حالها أفضل أما الناجية فتجد الأفضل في حالتها الحالية، والضحيّة تشفق على ذاتها أما الناجية فتعطف على غيرها، الضحيّة تتجادل مع الحياة وتتعارك مع المشاكل أما الناجية فتحتضن الحياة وتواجه المشاكل. 

وفي النهاية نقدّم لك النصائح التالية: