إعداد: شيرين كرادشة
عالمنا الذي تعيشين فيه اليوم يحتاج إلى المزيد من التعاطف أكثر من التنافس، وبالأخص بعد جائحة كورونا. إلا أنَّ الميل في العادة ما يكون للنظر إليه من خلال عدسة المنافسة ومقارنة نفسك مع الآخرين. فيكون التعاطف جزءًا بسيطًا من رؤيتك هذه. لذا سنركِّز في هذه المقالة على التعاطف وإدارتنا لمشاعرنا في علاقاتنا مع الآخرين. فالتعاطف يشمل كافة جوانب الحياة بدءًا من الأطفال الصغار الذين يعتمدون على غيرهم إلى أصحاب الأعمال العظيمة الذين لديهم إمكانية التحكّم بغيرهم وبمصيرهم، ويشملك أنتِ وأنا كذلك. ففي التعاطف دعوة منبعها المحبة الحقيقية من نحو العالم ومن نحو أنفسنا، تلك المحبة القوية هي التي تحرِّكنا بقوة وحماسة وحرية لنخرج من شرنقتنا حول أنفسنا ونحلِّق فوق قلوب الآخرين نابذين المنافسة.
ما هو التعاطف؟
التعاطف هو الحياة معًا. وهو دعوة واستضافة من تهمُّنا أمورهم والقريبين إلى قلوبنا. وهي المعاناة معًا، وليس فقط المعاناة والإحساس بالآخر ووضع نفسك مكانه. ولكنه أيضًا وعي متعاطف مع متاعب الآخر ممزوجًا بالرغبة في المساعدة ومدّ يد العون لإزالة التعب هذا. فالشخص المتألم ضمن دائرته الصغيرة الضيقة والذي يسكب عليه العالم المزيد من آلامه نجد أنه يشعر بالمرارة والغضب أو ربما بالخدران وسبات الشعور. لكنه إن وُجد إلى جانبه إنسانًا قادرًا على احتضانه والشعور بألمه، فالحال ينقلب. وإن استمرَّت دائرة التعاطف تلك، فإنه يمكن لآلام العالم أن تخفّ وأحمال البشرية تتناقص.
ما الأمور التي يمكن من خلالها أن أعرف ما إذا كنت متعاطِفة أم لا؟
- هل لو رأيتِ شخصًا أمامكِ بحاجة لمساعدة مثلًا في فتح الباب أو التقاط ما سقط منه، أو يحتاج إلى معونة في إصلاح عطل ما حدث معه فجأة في الشارع. أو وجدتِ شخصًا تائهًا في الطريق أو أمًّا معها طفل يعاني من نوبة غضب وغيرها من المواقف ـــــــــــــــــــــ هل تبادرين بمدِّ يد المساعدة وتقديم العون؟
- هل أتواصل مع الآخر بالتحفيز وكلمات التشجيع، والشكر والتقدير، والتعبير عن الامتنان والاحتضان؟
- هل أظهر اللطف والاهتمام بالآخر في ظروفه المتنوِّعة، مثلًا خسارة عمل، أو مشكلة عائلية، أو فقدان عزيز، أو ارتكاب خطأ ما؟
- هل أسعى في علاقاتي مع الآخرين إلى فهم ما يدور في حياتهم أكثر من رغبتي في أن أقول لهم ماذا يفعلون؟
خطوات نحو التعاطف
- الاستماع: الاستماع الحقيقي أي الاستماع لألمهم وعدم ارتياحهم، والاستماع للإشارات التي يصدرونها والتي تُظهر الارتباك والشك والفشل والخوف والقلق. اجعلي هذه الإشارات الصغيرة تحفِّز تعاطفك وتملأ قلبك بما يعانونه.
- البحث عمّا يمكِّنك من محبّة الشخص الآخر وقبوله: وبالأخص إن لم تكن هناك معرفة أو علاقة قوية تربطكما. لا بدَّ من وجود شيء ما، ربما الابتسامة أو نبرة الصوت في أبسط حال. كما إنَّ مراقبة الشخص يمكِّنك من العثور على ما تحبينه فيه، ربما طريقته في ترتيب الأمور أو حتى عدم ترتيبها. أو طريقة التحدُّث في موقف ما أو أسلوب الردّ على مكالمة مثلًا.
- قبول الشخص كما هو: في كثير من الأحيان نميل إلى رؤية الأشخاص من خلال المقارنة. فهذا هو ميلنا الطبيعي كبشر فنحن نقول عن الطويل طويلًا عندما نقارنه بمَن هو أقصر. وعن الأفضل أنه جيِّد؛ لأنَّ هناك مَن هو أقلّ منه جودة. هذه الطريقة في التفكير نطبِّقها كذلك على علاقاتنا، فنرى الآخرين من خلال مقارنتهم بأنَّ شخصًا ما أكثر نجاحًا أو أقلّ شهرة أو أغنى مثلًا، وبالتالي نُضعِف تعاطفنا من نحوه.
- تقبُّل الاختلاف: فاختلاف الآخرين عنك لا يعني وجود حاجز يفصلكما، ولكنه يعني عبورك نحو الآخر من خلال جسر التعاطف.
- التطبيق: نقل كل تلك المواقف والمشاعر إلى حيِّز التطبيق العملي بعمل ما يُظهر للآخر تعاطفنا. سواء بالتخفيف من بعض أحماله أو مدّ يد العون لإتمام مهمة ما.
التعاطف يُعتبر جانبًا مهمًّا من العلاقات الإنسانية، وله الدور الأساسي في النجاح في العلاقات، وفي جعل عالمنا عالمًا أفضل من ناحية التواصل البشري فيه. أما بالنسبة إلى إدارة العلاقات، فهو جانب مهمٌّ جدًّا من مهاراتنا الاجتماعية والتي تمكِّننا من تطوير ذكائنا الاجتماعي وفهم مشاعر الآخرين والتواصل معهم على مستوى أعمق.
ما هي إدارة العلاقات؟
تتعلَّق إدارة العلاقات بمهارات التواصل مع الآخرين، والقدرة على إخراج الأفضل ممَّن نتعامل معهم. إنها القدرة على بناء روابط والتأثير والإلهام وتقديم المعونة للتغيير والنمو والتطوّر وحلّ النزاعات. وبالتالي بناء علاقات لها قيمة إضافية في حياتك.
بناء على ما حدث الأسبوع الماضي، فقد قرَّرت سارة أنَّ مها إنسانة متسلِّطة سيئة الطباع، وهي لن تغيِّر رأيها فيها. هي تتعامل معها بجفاء، وتتجنَّبها في مواقف كثيرة خوفًا من طبعها السيئ هذا، كما وإنها تعكس حذرها منها في علاقاتها مع غيرها وتحذّرهم منها. هي حكمت عليها ورفضت بذل أي جهد لبناء علاقة معها، وبالتالي فهي تتعامل بردِّ فعل وليس بفعل.
أما سامية، فقد كانت فنانة في علاقاتها مع الآخرين، كلّ مَن يتعامل معها يشعر بالراحة وبقيمته وكرامته. كما ويسعى الكثيرون ليكونوا في محضرها. ولكنَّ سوء الفهم الكبير الذي حدث مع دينا وضعها على المحكِّ، ولكنها نجحت بعد الحديث والاستماع وتفهُّم وجهة نظر دينا في منع انهيار تلك العلاقة.
كيف يمكن أن تطوّري مهارات إدارة العلاقات؟
- اشرحي للآخرين السبب وراء ما تقرِّرين كي يكونوا على فهم واطِّلاع بخلفية قرارك. كذلك كوني منفتِحة للاستماع إلى وجهة نظرهم ومرنة للتغيير إن لزم الأمر.
- إن كان هناك نقاش ساخن بخصوص أمر ما يجب أن يتمَّ الآن، وأنت تعلمين أنه سيؤدي إلى غليان وثوران. فمن المفضَّل البدء بمشكلة صغيرة وتجنُّب المعضلات الكبيرة المعقَّدَة. كوني مباشِرة وواضحة في مشاعرك مع الاهتمام بوجود التعاطف والاستماع الفعّال. واعلمي أنَّ الصراعات تُساهم في بناء العلاقة لا هدمها في حال تمَّ التعامل معها بحكمة.
- في تواصلك مع الآخر، تأكَّدي من بناء الثقة، فأهمّ ما يبني الثقة هو قبول التغذية الراجعة ورأي الآخر بطريقة بنّاءة. أما في حال التعامل مع التغذية الراجعة بالهجوم أو الدفاع فاعلمي أنكِ فقدتِ الثقة. ومن الأمور المهمَّة التي تبني الثقة هي الاعتراف بالخطأ فببساطة قول: “أعتذر، فقد أخطأت” يختصر الكثير من الصراعات وهدم العلاقات. وكلمات بسيطة ككلمات الشكر والامتنان لها الدور العظيم في بناء علاقات فعّالة.
- عند التعامل مع الآخرين، ابدئي في التواصل والحوار والتعاطف من حيث هم موجودون دون القفز إلى مراحل متقدِّمة لم يصلوا إليها بعد.
- انتبهي لتواصلك غير اللفظي سواء بحركات الجسم أو ملامح الوجه أو نبرة الصوت؛ فهي توصِّل مشاعرك للآخرين. ملاحظتك لها وسيطرتك عليها ستُساهمان بشكل كبير في نجاح علاقاتك.
- قاومي التوتر في العلاقات، قد يلزم أحيانًا استخدام روح الفكاهة والضحك لتلطيف الأجواء. فالضحك يقلِّل التوتر، ويساعدك على التركيز، ويزيد من تعاطفك واتِّزانك.
وبالطبع فإن تطوُّرك في وعيك الاجتماعي أو تعاطفك وإدارتك للعلاقات يجعل منك إنسانة تتمتع بالذكاء الاجتماعي يقودك نحو النجاح في جوانب الحياة المتنوِّعة. وليكن هدفك هو كسب الآخرين لا خسارتهم. وهذا قد يكلِّفك الخروج من دائرة راحتك وبعض التضحية، والكثير من الاستماع والتقبُّل ومهارات التواصل ومهارات حياتية. وفوقها جميعًا المحبة من قلب صادق. أليس هذا ما تريدينه؟ ألا يستحقُّ ذلك هذا الجهد! امضي قدمًا.