الوعي بالمشاعر وأنماطها

إعداد: لما عطاالله

تشاركني صديقتي رهام باستمرار بأنها تخاف من مشاعرها: “نعم صحيح أنا أخاف من مشاعري، فالتعبير عنها يجعلني أبدو بصورة سيئة في نظر الآخرين. عندما أشعر بالحزن، أخاف أن يعطوني تشخيصًا بالاكتئاب. وعندما تظهر عليَّ أي علامات للقلق، أخاف أن يعطوني قائمة باضطرابات الصحّة العقلية التي أحتاج إلى علاج لها. وإذا كنتُ غاضبة، فهذا الأسوأ على الإطلاق!” 

لكن للأسف، لا أحد يمكنه رؤية ما يحدث فعلًا في داخلي، بل أحيانًا أي تعبيرات غاضبة تبدو ممنوعة وغير مستحَبَّة. فمثلًا لا أسمح لنفسي بالتعبير عن خيبة الأمل؛ لأنَّ ذلك يجعلني أبدو غير شاكرة للنِّعَم أو ممتَنَّة لها.

ولو حاولت التعبير عن الإحباط، فهذا يعني أنَّني خارج نطاق السيطرة وبحاجة إلى أن أجلس وحيدة للتفكير في سلوكي المخجِل. ومع كل ذلك ما زال هناك الشعور بالذنب والخجل وعدم الأمان التي أقوم بقتلها يوميًّا ودفعها بعيدًا وتجنُّبها حتى أنسى الشعور الحقيقيَّ. ولا أتذكَّره ويتوه مني وسط مشاعر أخرى.

كان حديثي مع رهام غريبًا جدًّا؛ لأنها كانت دائمًا في نظري تلك الفتاة السعيدة النشيطة المفعَمة بالحياة. كنتُ أعرفها طوال فترة الجامعة، لكن لم تكن معرفتنا قويَّة جدًّا، وبعد التخرُّج صادف أننا عملنا في الشركة ذاتها وصرنا زميلات نقضي ثماني ساعات يوميًّا في نفس المكتب. بعد مرور أشهر من العمل عبَّرت لي رهام عمّا بداخلها، كان ردّي لها بسيطًا جدًّا: “إنَّ مشاعرك ليست مشكلة؛ فهي ما تجعل منكِ إنسانة. ولكن ما يحدث عندما نحاول السيطرة على مشاعرنا أو القضاء عليها هو أننا نحرم أنفسنا من تجربة الحياة، نخدِّرها وتتخدَّر معها حياتنا. اسمحي لنفسك بعيش المشاعر وافهميها، كل شعور يحمل معه رسالة خاصَّة بكِ أنتِ، وأنتِ الوحيدة التي بإمكانك فهمها.” 

 بتحليلي البسيط، كنتُ أجد رهام لا تمتلك الوعي الكافي بمشاعرها، فهي تضعها تحت فئة واحدة تبدو لي أنها سيئة وسلبية. هي محتاجة ببساطة أن تضعها ضمن الإطار والمفهوم المناسبَين. 

ما هو الوعي بالمشاعر؟

الوعي بمشاعرك يعني زيادة معرفتك وفهمك لمشاعرك والقدرة على تصنيفها بدقَّة. ما الذي أشعر به الآن؟ لماذا أشعر به؟ ما هي الأحداث التي حدثَت أو الأفكار التي فكَّرتُ فيها التي جعلتني أشعر بهذا الشعور؟ الوعي بالمشاعر هو أهمُّ مرحلة في بناء الذكاء العاطفي: أن تحدِّدي مشاعرك وكيفية تأثيرها على سلوكك.

يبدأ الوعي بإدراكك أنَّ المشاعر هي إشارات موجودة لتنبيهنا إلى حاجة معيَّنة وتحفيزنا لعمل شيء ما. لا ينبغي تجاهلها كما لا ينبغي طاعتها بطريقة عمياء في الوقت نفسه. من المهم أن تقبلي أنَّ المشاعر ضرورية وتعطيكِ معلومات قيِّمة عن نفسك. ولذلك تحتاجين أوَّلًا أن تقاومي الرغبة في الحكم على مشاعرك ومشاعر الآخرين كما فعلَت رهام. وأن تتوقَّفي عن محاربة المشاعر أو تجاهلها أو الشعور بالاختناق بسببها. ومن ثم تضعين المشاعر في إطارها المناسب مدركةً أهمية دورها في النمو في الحياة. 

وهذا ينطبق على كل أنواع المشاعر، مثل مشاعر الخوف، والغضب، والاشمئزاز، والحزن، والغيظ، والوحدة، والحزن، والانزعاج، ومشاعر الحُبّ، والفرح، والرِّضا، والقناعة، والاهتمام، والاستمتاع، والسعادة، والسكينة، والرهبة.

لكن هل هناك مشاعر سيئة؟

بحسب مفاهيمنا البشرية إنَّ مشاعر الخوف والغضب والحزن مشاعر سيئة لكن لولا مشاعر الخوف من الاحتراق لما أبعدتِ يدكِ عن اللهب. ولولا مشاعر الغضب من إساءة تعرَّضتِ إليها لَما اتخذتِ قرارًا بوقفها، ولولا مشاعر الحزن على فقدان شخص عزيز لما استثمرتِ في علاقاتكِ مَع من تحبّين. 

لا بدَّ أن نتخلَّص من أسطورة أنَّ هناك مشاعر سيئة. فإن وضعنا قائمتَين من المشاعر وسألناكِ أن تصنفيها بين مشاعر جيدة ومشاعر سيئة، سيكون الغضب، الحزن، الغيرة، الخوف وما يشبهها ضمن القائمة السيئة. بينما الفرح والرضا والحب والشجاعة في القائمة الجيّدة. كان هذا هو مفهوم رهام إذ رأت أنَّ المشاعر السيئة تؤدي إلى انطباعات سيئة مع الآخرين، لكنها لم تكن مُدركة لأهميتها في رحلة النمو والنضج.  

حان الوقت لتُغيِّري مفهومكِ عن المشاعر السَّيِّئة، فهي إشارة لكِ لكي تتعلَّمي أمورًا عِدَّة في حياتكِ. 

سمّي مشاعرك لكي تفهمي سلوكك

الخطوة الثانية من الوعي بالمشاعر هي الوعي بأنواع المشاعر، أن تتعلَّمي كيف تسمّين مشاعركِ بدقَّة أكثر. فعندما تعرفين ما هو الشعور الذي تشعرين به الآن تستطيعين أن تفهمي ما الرِّسالة التي يُبلغكِ بها هذا الشعور عن نفسك في هذه اللحظة، فسمِّيه لتعرفي كيف تتعاملين معه! 

هناك حلقة مرتبِطة بين سلوكك وأفكارك ومشاعرك، فكلُّ سلوك في يومكِ يأتي نتيجة نمط مشاعر معيَّن، وكل مشاعرك تأتي نتيجة أفكارك. 

إليك بعض الخطوات العملية التي تساعدك على معرفة مشاعرك ونوعها:

  1. حاولي تصنيف كل موقف تمرّين به إلى أفكار ومشاعر وسلوك. ثم ضعي إشارة عند الموقف الذي لا يُعجبك فيه سلوكك

مثال: استيقظتُ من النوم وأنا سعيدة. شعرتُ خلال فترة الصباح بالحماس لأبدأ اليوم، وخلال يومي تغيَّر شعوري. وشعرتُ بالغضب بسبب خطأ عملته في أحد التقارير وكان ردّي هو الانعزال في مكتبي. وبعد الظهر، دعتني صديقتي إلى الغداء وشعرتُ بالحُبِّ…إلخ. مثلًا السلوك الذي لم يعجبك هو شعورك بالغضب وانعزالكِ بسبب خطأ في التقرير.

  1. خذي وقتًا وحاولي أن تحدِّدي المشاعر التي أدَّت إلى ذلك السلوك.

مثال: عندما أفعل أي خطأ في العمل أو في حياتي الشخصية، أشعر بالخجل والغضب وأنكمِش على نفسي وألتزم الصَّمت.

  1. ثمَّ اسألي نفسك: ما هي الفكرة التي أدَّت إلى هذه المشاعر؟ تكون الإجابة: بسبب أنَّني أتجنَّب المواجهة، أو أقوم باللوم، أو أنني لا أعترف بالخطأ بل أحاول قدر الإمكان إخفاءه، فالخطأ ممنوع والخطأ يُظهرني كشخص سيّئ.
  2. استمرّي في نفس الطريقة حتى تعرفي المعتَقَد الذي ينبغي أن تُعيدي التفكير فيه. 

وإن أكملنا التوضيح على المَثل السابق: بسبب أنني أخفي خطئي، فإنني أعيش في حالة من الغموض وعدم الشفافية والانفتاح في علاقاتي.

من المثال السابق، تُدركين أنَّ مشاعر الغضب التي تنتابكِ عند حدوث أي خطأ، هي نتاج أفكارك ومعتقداتك بأنَّ الخطأ شيء مخجِل وممنوع. وهذا أدّى إلى خلل في علاقاتك بسبب الغموض وعدم الانفتاح لديك، لأنَّكِ في نهاية الأمر تحاولين الظهور باستمرار بصورة مثالية. تحليلك لسلوكك ووعيكِ لمشاعرك يضعكِ على بداية الطريق الصحيح لإيجاد حلّ. هنا تُدركين بأنَّ الحل يأتي بتغيير معتقدك عن الخطأ بأنه شيء مُخجل، فتُفكِّرين فيه بأنه فرصة لتحسين أدائكِ في المرات القادمة. وفقًا لهذا النمط ستتغيَّر مشاعر الغضب وسيتغيَّر سلوكك.

عزيزتي، عندما تقومين بهذا التَّمرين تكرارًا ولأكبر عدد من السلوكيات التي يمكنكِ تحديدها. سيفتح وعيك بمشاعرك الطريق أمامك نحو التغيير الذي تريدينه والنجاح الذي تسعين إلى تحقيقه. فكم واحدة منا وقفَت مشاعرها عائقًا في طريق نموِّها ونجاحها؟ إنَّ وعيكِ بمشاعرك سيُصبح سلاحكِ لتنمي وتتطوَّري وتُحسني التعامل مع نفسك والآخرين والمواقف المختلفة في كلِّ مجال من مجالات حياتكِ. وستمكّنك من الإجابة عن السؤال: كيف أكون أفضل من الأمس.