5 خطوات ستساعدك أن تغفري وتعيشي بسلام

هل سبق وفكرتِ في حدث في ذهنك وقلتِ: كيف يمكنني أن أغفر هذا الفعل؟ أم هل شعرتِ بأنَّ نارًا تتفتّح في داخلك تأكل أحشاءك عند ذكر اسم أو تذكر موقف أو حتى شم رائحة؟ أو هل تتبادر إلى ذهنك صور تبعث فيك مشاعر الألم أو الكراهية أو حتى الرغبة في الانتقام؟ 

إن كان هذا ما تشعرين به، فاليوم أنتِ بحاجة إلى هذا المقال. هناك جذور أعمق لما تشعرين به تحتاج أن تتكشف أمامكِ اليوم. أنتِ بحاجة أن تطلقي وتغفري. ولكن قد تفكرين: وما الذي يدفعني إلى فعل هذا؟

الغفران قضية في غاية الأهمية

الغفران هو قضية أساسية في الإيمان المسيحي، وربما هو من أهم- إن لم يكن أهم الأمور- التي يحتاج إليها الإنسان رغم أنه يمكن أن يكون صعبًا. أصل الغفران هو المحبة غير الأنانية التي لا تحتفظ بسجلات الأخطاء (1 كورنثوس 13: 5). وأصل الكلمة اليوناني للغفران هو حرفيًّا الإطلاق. وكأنَّ هناك دَينًا يجب أن يرده الآخر لنا ولكننا نتخلّى عنه وعن المرارة وعن أي تعويض من الآخر عن ألمنا وجروحاتنا.

تجدنا في الصلاة الربانية المشهورة التي علَّمنا إياها يسوع نقول: اغفر لنا خطايانا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا (متى 6: 9-13). هناك إذًا رابط بين غفراننا للآخر وغفران الله لنا. في مثَل العبد الذي لا يغفر المذكور في متى 18: 21-35 نرى العبد الذي لم يغفر لرفيقه في القليل بعد أن غفر له سيده في الكثير ينال عقابه! نجد الله الصالح المتسيِّد كلي القدرة يغفر لأولاده الضعفاء ويرحمهم ليعشوا الحرية بينما نحن البشر نجد الغفران قضية صعبة للغاية.

إنَّ جوهر إيماننا المسيحي يقوم على فكر الله في الاسترداد ومنحنا الخلاص ليرد العلاقة معه بعد أن سقط الإنسان منذ آدم وحواء في الخطية؛ لأنه لم يُرِد أن يعيش أولاده في وحل الخطية التي ولَّدت الشر ودمرت علاقة الله مع خالقه ونفسه وحتى علاقاته مع البشر. وهذا يعني أنه من المهم جدًّا في فكر الله لنا أن نعيش في علاقة صحيحة معه ومع أنفسنا ومع الآخر، نكون فيها متصالحين ومتحابين وهذا لن يحدث دون غفراننا لبعضنا البعض كما غفر الله لنا. 

يريدنا الله أن نغفر لأنه يعرف أبعاد عدم الغفران، ولذا نجد يسوع يُجيب بطرس عندما سأله كم مرة يغفر، هل إلى سبع مرات؟ “بل إلى سبعين مرة سبع مرات” (متى 18: 22).

مفاتيح مهمة تساعدك على الرغبة في الغفران

الغفران لا يعني أن تنسي ما حصل إنما أن تسلمي حقك إلى الله في إطلاق الحكم على مَن أساء إليِك. وليس بالضرورة أن تتم المصالحة.

هو لا يعني أن تنكري غضبك وألمك وتتجاهلي الشخص أو المشكلة إنما أن تتعلَّمي أن تفصلي بين الخطية والخاطي، وتتعلَّمي المواجهة بمحبة (يوحنا 8: 1-11).

الغفران لا يبرر الخطية أو يلغي المساءلة، ولكنه اتجاه قلبي يبدأ باستعداد عملي من إرادتك (قلبك) لاتخاذ هذا القرار حسب فكر الله فتبدأ رحلة الغفران، ثم تقود إرادتك فكرك وفكرك يقود مشاعرك. وقد تضطرين إلى الصلاة بشفافية طالبة من الله أن يجعلكِ على استعداد لأن تغفري، فيقوّي إرادتك كما فعل الرب قبل ذهابه إلى الصليب.

إنه قوة فهو يرفع سيطرة أي شخص عليكِ، ويطلقك حُرَّة من سجن المرارة والغضب والألم العاطفي. ويأتي بالشفاء والسلام إلى حياتك، فأنتِ الرابحة في نهاية المطاف. 

الغفران ببساطة هو اختيار الرحمة وليس الحكم أو الإدانة كما رحمنا الله ونحن لا نستحق بل بذل لنا ابنه لغفران خطايانا. 

فمَن نحن حتى لا نرحم؟ 

أريد أن أغفر ولكن لا أعرف كيف

قد يبدو لكِ الغفران قضية مستحيلة، حتى عندما قد ترغبين بإطلاقه قد تتصاعد المشاعر ويغمرك الألم من جديد، فتتراجعين.

أطمئنك أنَّ هذا لن يحدث بقوتك الشخصية، فأن تغفري وحدكِ لشخص كما غفر الله لكِ هو أمر مستحيل. ولكن إلهك هو إله المستحيلات ويقدر أن يعينك لتفعلي هذا، وهو الذي لا يستحيل عليه أمر.

5 خطوات ستساعدك أن تغفري 

من الجيد أن تلجئي إلى مشير تثقين به ليستمع إليكِ ويوجهك في ضوء إرشاد الكلمة وروح الله حتى لا تتولَّد لديكِ المرارة. 

نصلي أن تساعدكِ هذه الخطوات:

  1. اعترفي بالألم 

يجب أن تتجاوزي ألمك أولًا، ولن يحدث هذا بالطبع ما لم تعترفي بوجوده. وعندها قد تشعرين أنَّ مشاعر الألم قد اشتدت ولكن لا بأس. فإنك كلما أسرعتِ في التعامل معها صار من الأسهل عليكِ أن تغفري. يمكنك أن تكتبي ما حدث في مدونة يومياتك أو تلجئي إلى صديق تثقين به. 

  1. تخيلي أنك في الطرف الآخر

تخيلي موقفًا أسأتِ فيه إلى أحدهم عن قصد أو غير قصد.، وكان ينبغي عليكِ أن تطلبي منه أن يسامحك، كيف جعلكِ هذا تشعرين؟ هل سامحكِ أم لا؟ يطلب منا الكتاب المقدس أن نعامل الناس كما نحب أن يعاملونا (متى 7: 12). لذا سيساعدكِ أن تضعي نفسكِ موضع الآخر للحظات.

  1. تذكري غفران الله وتأملي في وصيته

سيساعدك أن تغفري عندما تدركين كم غفر الله لكِ. قد لا تستطيعين ممارسة الغفران في الحال ولكن الله بنعمته سيعدّك إلى اتخاذ هذه الخطوة حتى ولو كان الشخص المسيء قد فارق الحياة. فالغفران ليس مشروطًا بقبول الآخر لغفرانك. تذكري صلاة يسوع التي علمنا إياها واتخذي قرار طاعة وستتبعه فيما بعد المشاعر.

  1. اختاري أن تطلقي الألم

عندما تغفرين لا تعطين للشيطان مجالًا ليدخل إلى حياتك وتتخلصين مما قد يكون أصلًا أو جذرًا للعديد من الأمراض والمشاكل الصحية. لا تكرري الإساءة في ذهنك مرارًا وتكرارًا بل اختاري أن تتقدمي وتنطلقي من أسرك. وهنا تأتي أهمية الصلاة حتى لا ترجعي إلى سلوك عدم الغفران، فأنتِ بحاجة إلى قوته!

  1. استمري في الغفران

لا يحدث الغفران في كبسة زر ثم تمضين في حياتك. العملية مؤلمة وتحتاج إلى ممارسة واستمرارية، ولكنها دائمًا ستكون مُجدية في النهاية.

  1. أرجو أن تكون هذه الخطوات قد أفادتكِ، ونصلي أن تتحول من خلال الدعم والإرشاد والصلاة والموقف الثابت إلى تطبيق حياتي، فلا تكون مجرد كلمات تدخل إلى عقلك. رغم أن العقل في هذا السياق هو الأساس الذي سنبتدئ منه والذي إن ارتبط بالروح والطاعة سيغدو تطبيق الغفران ممكنًا في حياتك. 
  2. إن وصلكِ هذا الإعلان الإلهي اليوم، فاتَّكلتِ على قوة إلهك، وحاولتِ ولو بخطوة مبدئية. واستمررِت بصدق وتحمُّل رغم الألم، ستجدين نفسكِ قادرة ليس فقط على الغفران لمَن أخطأ بل وأيضًا الصلاة من أجله. “وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ،” (متى 5: 44).

لا توجد شهادة أعظم عن نعمة الله المغيِّرة من شخص يمكنه أن يُظهر الغفران الحقيقي لمَن لا يمكن الغفران لهم.

تمسَّكي في مواعيد إلهك الذي يقول إنك تستطيعين كل شيء في المسيح الذي يقوّيكِ. (فيلبي 4: 13)

وتذكَّري تعليم سيدك يسوع عندما قال: “لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ”. (رومية 12: 21(

  1. تقدرين أن تعتمدي على إلهك ليعطيك النعمة لتعيشي الغفران. أشجعك أن تأخدي القرارات الصحيحة وتبدئي رحلة الغفران اليوم. أصلي أن يعدَّكِ الرب ويؤهِّلك إلى هذه المهمة الصعبة ولكن المُجزية إلى الأبد.

المراجع: