كيف تتخذين قراراتك؟

إعداد: هاني شحادة

هل تذكرين آخر مرة طلبت فيها من أحدهم أن يسدي لك نصيحة تتعلق بقرار هام تنوين اتخاذه فحصلت على الإجابة التالية:  “استخدمي عقلك وفكري جيداً وحتماً ستصلين إلى القرار الصائب”. 

لقد اعتدنا أن نعتمد على عقولنا في اتخاذ قراراتنا المختلفة لأننا تعلمنا أن الاعتماد على مشاعر القلب غير مضمون ولا يأتي بالنتائج المرجوة. حيث أن المشاعر متقلبة وأما العقل فطالما قام بعمليات الجمع والطرح والضرب والقسمة والقياس والمقارنة والتحقق من صحة العديد من الأمور. كما وأن معظم المؤمنين يتفقون مع فكرة أن القلب مخادع ومضلل “القلب أخدع من كل شيء وهو نجيس من يعرفه” (أرميا 17: 9).  فلماذا نشرك القلب في اتخاذ القرارات الهامة؟ 

للأسف تستمر هذه الفكرة بالانتقال من جيل إلى آخر من دون تمييز ودراية. فكلمة الله تقول: “وأعطيكم قلباً جديداً وأجعل روحاً جديدة في داخلكم. وأنزع قلب الحجر من لحمكم وأعطيكم قلب لحم، وأجعل روحي فيكم وأجعلكم تسلكون في فرائضي وتحفظون أحكامي وتعملون بها” (حزقيال 36: 27،26).

ومن الجدير بالاهتمام أن الله لم يختر أياً من أنبيائه وتلاميذه حسب حدة ذكائهم أو سرعة بديهتهم أو خبرتهم العملية. انظري ولاحظي ماذا كانت خياراته: رجل قاتل، مدلل والدته، راعي خراف، صياد سمك، امرأة زانية، جابي ضرائب… ألخ. فجل اهتمام الرب هو القلب ورغباته وما يحركه، حيث أنه مكتوب أن الله “ينظر إلى القلب” (1صموئيل 16: 7). تذكري عندما أراد الرب أن يختار ملكاً على شعبه وقال على لسان النبي صموئيل لشاول بأنه طلب لنفسه رجلاً يكون بحسب قلبه (وهذا ما نعرفه عن داود الملك).

ولنعد إلى الملك سليمان

الملك سليمان عرف عنه أنه كان أحكم رجل عاش على الأرض. وأريد أن أسألك هنا، ما هي حسب ظنك الأمنية الوحيدة التي طلبها سليمان من الرب عندما أصبح ملكاً؟  هل طلب ثروة هائلة يا ترى؟  أم جيشاً عظيماً بأسلحة فتاكة؟  صحة ممتازة وحياة مديدة؟  زوجة فائقة الجمال لتكون ملكة ولتنجب له العديد من الأطفال؟!  لا تندهشي عزيزتي إن قلت لك أنه لم يطلب أياً من هذه.. اقرئي معي ماذا طلب سليمان من الرب: “فأعط عبدك قلباً فهيماً لأحكم على شعبك وأميز بين الخير والشر لأنه من يقدر أن يحكم على شعبك العظيم هذا” (1ملوك 3: 9).  نعم هذا صحيح، كانت هذه أمنيته الوحيدة، وقد حققها الرب له فعلاً. وظهرت حكمته من أول قضية حكم فيها والتي كانت بين المرأتين الزانيتين اللواتي اختلفتا على الطفل الصغير والمذكورة في (1ملوك 3: 16-28).

يستطيع عقلك أن يختار لك أين تعيشين، لكن قلبك هو الذي يهمس لك من لا تستطيعين أن تعيشي من دونه.

  وقد يوجهك عقلك نحو اتباع نظام غذائي معين. لكن قلبك هو من يدلك على ما تشتهيه نفسك فعلاً، كما ويعدد لك عقلك أصدقاءك، لكن قلبك هو من يعرف أياً منهم يهتم لأمرك فعلاً.  لكن هذا لا يعني أن جميع أفكار القلب ورغباته طاهرة وكاملة. فذلك يتوقف على كون قلبك بحسب قلب الله وفي شركة دائمة معه. أو في كونه قد أعلن استقلاله عن كلي القدرة وما تزال مشتهياته بحسب العالم. وهنا يكون مخادعاً ومضللاً وتكون قراراتك مبنية على مشاعر غير ثابتة وغير واثقة. فتستنجدين بالآخرين للنصيحة وتسمعين العبارة إياها المذكورة في الأعلى، التي توحي لك بأن حل مشكلتك موجود أمامك مباشرة وكل ما عليك فعله هو أن ترتبي أفكارك، ولكنها تعني فعلاً أنك يجب أن تعتمدي على نفسك لأننا لا نستطيع أن نساعدك. وكم هذا أمر مؤسف حينما تتركين وحيدة لتتخبطي ما بين أفكارك ومشاعرك وليس من معين. فكيف تتخذين القرارات الصائبة والتي هي بحسب مشيئة الله ؟! هنا تكمن الحاجة للقلب ذي الشركة مع الله والمسكون بروحه الذي يعطي السلام النفسي تجاه أمر معين عندما تفكرين فيه.  

لهذا أنصحك أن تفعلي كما فعل سليمان. أن تطلبي من الله أن يهبك “قلباً فهيماً” يميز بين الخير والشر، وأن تطلبي منه “قلباً نقياً وروحاً مستقيمة” كما طلب داود و”الحكمة الطاهرة التي من فوق”  التي تحدث عنها يعقوب، والرب يعطيك ما تطلبين بحسب غناه في المجد.