إعداد: ديمة فاخوري
كل واحد منا يرغب في أن يكون مؤثرًا. نريد أن يصغي الناس إلى قصتنا سواء في العائلة أو التجمعات العائلية. نرغب في أن تسمَع آراؤنا وتُقبَل. نريد أن نتلامس مع الآخرين ونؤثر فيهم ويكون لوجودنا معنى في حياتهم. كما نرغب في أن نكون ناجحين في أدوارنا المختلفة في الحياة، سواء على صعيد العمل أو مستوى الحي والجيران أو المجتمعات القريبة والواسعة.
هل تتساءلين أحيانًا إلى أي حد أنتِ ناجحة في ترك هذا النوع من التأثير الإيجابي؟ هل تجدين نفسكِ أحيانًا يائسة في وجه الضغوطات التي تواجهكِ في المجموعات التي تختلطين بها بحيث تشعرين أنَّ صوتك غير مسموع ووجودك لا يضيف قيمة رغم إدراكك بامتلاكك نواة جيدة للتأثير؟
هناك صفات وخصائص شخصية تساعدك لتخرجي من هذه الدائرة يمكنك مراعاتها.
كخطوة أولى، هذه الأسئلة ستساعدك لتحديد أين أنتِ من التأثير في الآخرين:
هل لديكِ هدف واضح في هذه الحياة؟ هل أنتِ مسؤولة عما حققتِه أو ما ستحققينه مستقبلًا؟
أو هل ترين العالم وكأنه مكان للفُرَص وأنتِ تتحرَّكين دائمًا باتجاه تحقيق ما تهدفين إليه؟
إذا كانت الأمور لا تتجه نحو هدفك، هل تقومين بأفعال معينة وتكتشفين إمكانات أخرى محتمَلة؟
أم هل تعرفين أنك تمتلكين الخيار لفعل وتفعيل ما تريدينه.
هل تعرفين كيف تتعاملين مع الناس ومع الأحداث؟
تتعاطفين مع ضعفات ونقائص الآخرين؟ هل تحبين نجاحهم وتفوُّقهم؟
هل تريدين أن تجذبي الآخرين ويكون لك القدرة على التأثير في الآخرين وتشكيل سلوكهم؟ هناك ركائز تساعدك على البدء
- ركائز تتعلق بالفكر:
- كوني صاحبة رؤية: لا تهتمي بإنجاز المهام فحسب، فالناس ينجذبون إليكِ إن رأوكِ تطبقين ما تؤمنين به بصورة عملية حقيقية. منظورك يجب أن يكون منظورًا واسعًا لمعنى الحياة.
- كوني واضحة: اجعلي أفكارك واضحة وحاولي التعبير عنها وإيصالها للآخرين. كوني صادقة في التعبير عنها حتى إن لم يكن هذا سهلًا بالنسبة إليكِ وحتى لو كلَّفكِ.
- اكسبي ودّ الآخرين: أنتِ مَن تختارين وتتخذين قرارًا واعيًا لكسب ودّ الآخرين، وبهذا تطورين فكرًا يُراعي احتياجاتهم ويفهم وجهة نظرهم (ليس بالضرورة أن تُثبتي وجهة نظرك دائمًا)؛ لأنك لن تتمكني من التأثير في شخص إن لم تعامليه ككيان متكامل، وإن فعلتِ ذلك فسيختار بإرادته أن يستمع إليكِ.
- اضبطي نفسكِ: أنتِ الوحيدة القادرة على السيطرة على فكرك الذي بدوره يوجِّه سلوكك، كاللجام الذي يتحكَّم بالخيل ويوجه سلوكها بقرار واعٍ من الخيّال. لذا انتبهي لفكرك؛ لأنه سيقود أفعالك التي إن كانت خاطئة ستخسرين ثقة الناس. تأنّي واهدئي، كوني لبقة؛ لأنَّ الذوق يزيد قوتك ويجعلك مقبولة في عيني الآخرين فيثقون بكِ ويأتمنونك على مشاعرهم وأفكارهم وجهودهم لأنك أثبتِ جدارة في التعامل معها أوَّلًا.
- طوري نفسكِ: امتلكي عقلية نمو ترغب في التغيُّر نحو الأفضل. ينجذب الناس إلى شخص ماهر يعمل على تطوير نفسه ليساعدهم هم أيضًا في الوصول إلى أهدافهم. لن يتبعوا شخصًا غير قادر أن يتكيف مع الظروف المتغيرة في عالم مقلِّب.
- كوني مرنة: تساهلي في البحث عن بدائل. اخلقي جوًّا من التعاون ولا تعقدي الأمور. لا تفرضي الأوامر في محيط تأثيرك بل اعتمدي مبدأ التشاور لتصلي إلى رأي يرتاح إليه الناس الذين تتعاملين معهم. لأنه من الأرجح أن يتبع الناس إنسانًا سهل المعشر والتعامل وهذا يشجعهم على تبني مبادئه وقيمه مع الوقت.
- ضعي نفسك مكان الآخر: لا تفرضي نفسكِ على الآخرين، فكري فيما يهمهم ويريحهم ويبنيهم كما لو كان لنفسك. كوني في نفس المستوى مع الآخرين؛ لأنكِ إن فعلتِ ستجدينهم بجانبك وقت الحاجة.
- ركائز تتعلق بالتواصل
اجعلي القنوات مفتوحة مع الآخرين ليشعروا أنهم يقدرون أن يتواصلوا معكِ في أي شيء وأنتِ كذلك؛ لأنكِ بهذا تدعمين الآخرين وتساعدينهم على تحقيق أهدافهم، وإن فعلتِ هذا سيرغبون بصدق إلى تأييد ما تسعين أنتِ بدورك إلى تحقيقه.
في كتابه “الناس الآسِرون” يقول جون نفينغير إنَّ الخيار بيدنا أن نؤثر أو لا. إذ يشير إلى أهمية شخصيتنا وتصرفاتنا وهيأتنا الخارجية وحركاتنا الجسدية على تقبُّل الناس لنا. ويرى أنه ثمة علاقة قوية بين السلوكيات غير اللفظية والشخصية، وأنَّ مشاعرنا ووضعياتنا الجسدية مرتبطة معًا وبشدة، فالمؤشرات التي نُرسلها تُحدِث فرقًا سواء عن وعي أو عدم وعي. ويشرح طرقًا مختلفة يمكنها أن توحي بقوة ودفء أكبر في الشخصية عند تواصلنا مع الآخرين. ومنها:
- التواصل غير اللفظي (الوقفة ووضعية الجسد)
كوني واثقة من نفسك، فهذا يُضفي عليكِ الهيبة. امتلكي المكان الذي تقفين أو تشاركين أو تعملين فيه. بمعنى الطريقة التي تستخدمين بها المكان تعكس مقدار القوة أو التأثير الذي يمكنك بثه فيه وفي الأشخاص. فالمؤثرون يجعلون المكان يبدو وكأنه بيتهم ويبدون درجة كبيرة جدًّا من الراحة. وعلى الأرجح أنهم يستغلون مساحات كبيرة ولا ينعزلون في بقعة واحدة. وعندما يدخلون في محادثة مع شخص غالبًا ما يقللون من المسافة بينهما الأمر الذي يفرض نوعًا من السلطة.
إنَّ معتقداتنا ومفاهيمنا عن الحياة تؤثر وتشكل في مشاعرنا، ثم هذه المشاعر تؤثر في تعابيرنا غير المنطوقة من وقفتنا وحركاتنا وتعابير وجوهنا.
“الجسد لا يكذب.” مارثا غراهام.
وتلعب الثقة بالنفس دورًا كبيرًا في هذا الجانب. عندما تتناغم تعابير وجهك ووقفتك ونبرة صوتك وكلماتك الفعلية لتسرد قصة متكاملة منسجِمة فإنها تعبر فعليًّا عما تشعرين به، والناس سيتمكنون من التواصل معكِ والانجذاب إلى ما تحاولين إيصاله. وبالمقابل، عندما لا يحدث هذا الانسجام لا ينجح جسدنا في رواية نفس القصة، وبالتالي يرسل إشارة إلى السامع بأنك مهزوزة أو ضعيفة أو غير واثقة.
قليل من الناس يقدمون أنفسهم في المكان كجنود يقتحمونه؛ وقفتك الواثقة أو الضعيفة تعكس مواقف داخلية تؤثر في الآخرين، لأنه وفقًا لعلماء النفس فإنَّ وضعية جسدك تؤثر على طريقة تفكيرك في اللحظة التي تتواصلين فيها. لذا فإن تغييرك لطريقة وقفتك قادر على إحداث تغييرات هرمونية وبالتالي رفع مستويات الثقة، كما يحدث عندما تتأنقين وترتدين أفضل ملابسك أو تصفِّفين شعركِ لتُحسِّني من نفسيتك.
من الأمور التي يجب مراعاتها في حركات الجسد:
- الإيماءات:
حركات جسدك قد تجذب أو ترسل معلومة أو حتى تنفِّر. فعليك أن تحرصي على حركاتك الخارجية، تعززين القوية وتتجنبين المفرط بسلبية منها. وهناك إيماءات تظهر قوة ودفئًا من خلال حركات اليدين مثلًا، واللمس، والمصافحة، والمعانقة، بالطبع مع مراعاة اختلاف العادات الثقافية والاجتماعية ومدى حساسيتها.
- وجهك:
وجهك وتواصلك بالعينين يمكن أن يكون مصدر قوة، فمن خلاله تظهر عواطفك على السطح مثل الغضب أو الاشمئزاز أو السعادة، فانتبهي إلى تعابيرك. كما يمكن لوجهك أن يكون مصدر دفء للآخرين. الابتسامة مثلًا معدية، إن نظرتِ إلى صورة إنسان يبتسم ستعرفين كيف تقلدينه. عندما يبتسم إليك شخص فإنَّ دماغك يعرف كيف يكون شعورك عندما تتلقين هذا التعبير، ويسعدكِ أن تتذكري هذا الشعور، فتميلين إلى التجاوب بابتسامة. ببساطة، إننا نميل إلى أن نحب المبتسمين في وجوهنا؛ لأنهم يجعلوننا نشعر شعورًا جيدًا.
- صوتك:
صوتك يعبر عن مشاعرك بالراحة والسعادة أو حتى الاضطراب والتوتر. لطالما اتبع المسوِّقون عبر الهاتف أسلوب “ابتسم واتصل”، فالدراسات تُظهر أنَّ الناس يمكنهم فعلًا أن يسمعوا ابتسامة في صوتك عبر الهاتف، ويتخيلون هذه الابتسامة على وجهك بينما هم يستمعون إليك.
- هيئتك الخارجية:
ملابسك، شعرك، حذاؤك، كلها تشكل لوحة ترسمين من خلالها الصورة التي ترغبين بها لنفسك. فبينما لا يكترث البعض لمظهرهم الخارجي، غير أنَّ له ارتباطات قوية جدًّا تعكس مَن نحن، ليس فقط للآخرين بل لأنفسنا أيضًا. هل تعلمين أنَّ مظهركِ يؤثر في وظائف دماغك؟ تمامًا مثل زي البطل الخارق، المظهر الصحيح يجعلكِ تشعرين بأنك قادرة على مواجهة أي أمر تتعرضين له بقوة.
- التواصل اللفظي (الكلمات):
على قدر ما تعبر المؤشرات غير المنطوقة عن القوة والدفء كذلك يمكن للكلمات المنطوقة. فبينما يعمل التواصل غير المنطوق على مستوى اللاوعي فإنَّ اللغة تشغِّل عمل الذهن بأكمله. فالكلمات تدخل إلى إدراكك كما تقتحم الشخصيات المسرحية المسرح، إذ تدخل دخولًا مؤثرًا على ساحة عقلنا إعلانًا عن بدء المسرحية، بحيث تحفِّز ارتباطات شخصية تتلامس معنا ومع مشاعرنا وواقعنا.
في علم اللغة، الكلمات تجلب إلى الذهن صورًا ومعلومات حسية ومشاعر أخرى. ورغم أنها تحتاج إلى وقت أكبر لتحليلها مما تستغرقه الابتسامة، إلا أنَّ الكلمات تستحضر صورًا وذكريات قادرة على تشكيل ما نفكر به أو نشعر به في لحظة.
يقول مارك توين، لأنَّ الفرق بين الكلمة الصحيحة حقًّا والكلمة الصحيحة تقريبًا هو كالفرق بين الـ”lightning” (البرق) والـ”lightning bug” (الحشرة المضيئة).
وبالطبع الفرق كبير جدًّا بين كلمة البرق وكلمة الحشرة المضيئة مع أنهما في اللغة الإنجليزية يحملان نفس الكلمة المشترَكَة “lightning”، ولكنَّ إضافة كلمة أخرى “bug” جعلت هناك اختلافًا جوهريًّا في المعنى رغم التشابه الظاهري الأولي. وهنا تكمن أهمية الكلمات.
أشجعك أن تفحصي أين أنتِ من السابق إن كنتِ ترغبين في أن تكوني شخصية مؤثرة. ابحثي في فكرك أولًا ثم طوري مهارات التواصل الظاهر منها والمخفي، فلا يكفي التركيز على الركائز الخارجية فحسب إنما ينبغي أن تمتلكي الركائز الفكرية المطلوبة وتراعي الجانبين معًا.
اطلبي رأي شخص تعتقدين أنه مؤثر إيجابي وتعلَّمي من خبرته. اضبطي وتحكمي بصفاتك وخصائصك التي تجدينها عائقًا، طوِّري ما يحتاج إلى تطوير منها ونمي نقاط القوة في شخصيتك لتزيدكِ تأثيرًا وإجابة على السؤال كيف أترك بصمة.