إعداد: لما عطاالله
“اسمي رزان، تقابلت مع الرب يسوع قبل خمس سنوات تقريبًا، أذكر ذلك اليوم بكل تفاصيله، حين أدركت وصدّقت وآمنت أنني لا يمكن أن أكون في علاقة حقيقية مع الله وأنال الغفران والشفاء الروحي إلّا بيسوع المسيح. كنت أبحث عن السلام في حياتي بصورة مستمرة فقد قضيت سنوات كثيرة في إحباط وصراع في علاقاتي مع الآخرين. وصلت إلى النقطة التي أؤمن فيها أن الحياة لا تستحق أن نحياها حقاً، مللت وسئمت من البحث عن السلام والمصالحة في علاقاتي فحيثما أدرت وجهي كان هناك مشاكل: في بيتي لا يوجد سلام فإخوتي ووالديّ في صراع وتحدّيات مستمرة، في مكان عملي الكلّ يسعى إلى إثبات مهاراته وقدراته لدرجة فُقدت المحبة والمودة فيها بين الزملاء، في الشارع وأنا في طريقي للبيت لا أجد السلام.
لا يمكنني أن أنكر التغيير الواضح الذي عشته، وما زلت أعيشه بعدما تقابلت مع الربّ، فقد تغيّرت وتبدّلت مفاهيم كثيرة ومعتقدات أساسية في حياتي. لكن سأكون صريحة معك، فإنني كلما تعمّقت أكثر في كلمة الله، ونضجت في رحلة النمو الروحي، فإنني أدرك أن ما تقدّمه المسيحية من مبادئ هي صعبة جدًا، أجد أن أعيش بحسبها أو أن أطبّقها على حياتي اليومية هو شيء مستحيل. فأنا أسعى أن أكون مسالمة قدر الإمكان في علاقاتي، حتى لو لم يكن هناك سلام أصلًا، وأحاول على قدر طاقتي أن أخلق هذا السلام، لكن ما قدّمه الرب يسوع من مثال قد رفع المعايير بالنسبة لي. أحاول ولكن أتعثر وأسقط وبالتأكيد أخطئ، في الكثير من الأحيان، أفقد السيطرة على ردود أفعالي، وفي مواقف أخرى قد تتفاقم الأمور ويتحوّل اختلاف بسيط في الرأي إلى خلاف أكبر مع أحد الزملاء وغيرها الكثير والكثير من المواقف.”
هل تجدين حالك من حال رزان، هل تجدين نفسك تصارعين باستمرار من أجل السلام في علاقاتك؟ هل تجدين نفسك تصنعين الخلاف بدل من أن تصنعي السلام؟
العلاقات مهمة جدًا لحياتنا…
العلاقات مهمة جدًا لحياتنا، فالله خلقنا بطريقة لنتواصل مع الآخرين ونتفاعل معهم، وليس لننعزل عنهم ونكون وحيدين. إن الهنا إله العلاقات، وقبل أن يخلقنا كان الآب في علاقة حميمة وشركة مع الابن والروح القدس، وخلقنا لنتمتّع بعلاقة مباشرة حيّة معه ونتمتّع بسلام الله. الرب يتلذّذ بالتواصل معنا، فلقد أعلن عن ذلك بصراحة: “ولذاتي مع بني آدم” (أمثال 8: 31). بدون العلاقات نجفّ ونذبل، فالعلاقات هي أخذ وعطاء، فنحن نبارك الآخرين ونفيدهم، وبالمقابل فإن الرب يستخدمهم ليكونوا بركة وتشجيعًا لحياتنا.
لكن بالتأكيد خلال رحلة حياتنا نتقابل مع أشخاص ليسوا في الحالة التي نأملها، أو نتمنّاها طول الوقت، فقدرتك على التعامل مع الآخرين بطريقة جيّدة وصحّية تؤثر على نوعية الحياة التي تحياها، لذلك من المهم أن نعرف كيف نتعامل مع كل النوعيات من البشر، وليس فقط هؤلاء الذين نحبّهم، أو نفضّل التواجد معهم.
سلام مع الآخرين
إليك بعض الأمور البسيطة لتبدأي رحلتك في السلام مع الآخرين:
- نمِّي السلام مع الله ومع نفسك:
لكي تكون علاقتنا بالآخرين سليمة وإيجابية يجب أن نحافظ على علاقة صحيحة بالله حتى يرشدنا، ويعطينا الحكمة في التعامل معهم. فكل مؤمن بالمسيح مسؤول عن القيام بدوره لتأسيس علاقات طيبة والحفاظ عليها، ومثالنا في ذلك هو الرب يسوع، الذي أظهر عندما عاش على هذه الأرض مثالاً للمحبة الكتابية ومشاركتها مع الآخرين (متى 23:5-24).
- أحبّي… كما أحبّك أولًا
نشتاق جميعًا أن نُحب وأن نكون مقبولين، هذا شيء لا يمكن لأي منا أن ينكره. المحبة حسب ما نقرأه في كورنثوس الأولى هي أن نعتني بالآخر، ونتأنى عليه، ونرفق به. المحبة هي أن نحتمل الآخر وأن نصبر عليه. المحبّة كما قدّمها لنا الرب يسوع هي بالمختصر البذل أي أن نقدم الآخر عنّا، أي ما يريد هو وليس ما أريد أنا. إدراكنا الحقيقي لهذه المحبة وقبولنا لها، يجعلها تفيض منّا تجاه الآخرين.
يا رب ساعدنا أن نحب بعضنا بعض كما أنت أحببتنا، علّمنا أن نتذكّر باستمرار مقدار المحبة التي قدّمتها لنا، وننظر لها كمقياس في محّبتنا للآخر.
- التعاطف
التعاطف هو الحياة معًا. وهو دعوة من تهمُّنا أمورهم والقريبين إلى قلوبنا. هي أن نفرح مع الفرحين وأن نحزن مع الباكين. تخيّلي معي كم سيصبح العالم مكانًا أفضل لو استطعنا أن نحتضن بعضنا البعض، ونشعر بآلام بعضنا البعض! الكثير من النزاعات والصراعات تحدث لمجرد أننا لم نفهم مشاعر الآخر، أو لم نفكّر بما يمرّ به. تذكّري أن كلٌ منا له جانب لا يظهره أمام الآخرين، يُعاني منه بمفرده.
- لا تتوقّعي الكمال من الآخرين
لا تصرفي وقتك وجهدك في محاولة جعل المستحيل ممكنًا، الناس لديهم أخطاء. أيًّا كان الشخص الذي لك علاقة به، فسوف تكون هناك أوقات سيخذلك بها. لذلك استعدّي أن تغفري كثيرًا.
- لا تتوقّعي أن يكون الجميع مثلك لأنهم ليسوا كذلك، كل منّا مولود بطباع وصفات معيّنة، فنحن مختلفون وكل واحدة منا متميّزة وفريدة. مهم جدًا أن تدركي هذه الحقيقة، فكّري أكثر في الآخرين ولاحظي احتياجاتهم. مثلًا من يتحدّث كثيراً لا يفهم أن هناك من يريد التعبير عن رأيه في بعض الأحيان، ومن يتحدّث كثيرًا نفسه ربما بحاجة إلى نيل الاهتمام والتأييد من الآخرين. إن أردت أن تتمتعّي بعلاقات أفضل عليك أن تفكّري أكثر بما يريده الآخر وأقل بما تريدينه أنت. أحبّي وتعاطفي وضعي نفسك مكان الآخر باستمرار.
على سبيل المثال: إن أردت أن أكون زوجة فاضلة وبركة لزوجي، عليّ أن انتبه للأمور التي يحبّها. عليّ أن أتوقّف وأستمع له عندما يتحدّث عن أحلامه وتفضيلاته والأمور التي يحبّ أن يفعلها، وبعد ذلك عليّ أن أفعل ما هو أهم وهو أن أتجاوب مع ما عرفته واكتشفته عنه. أو في علاقاتي مع أفراد عائلتي خاصة والديّ، أسعى باستمرار لاحترام فرق الأجيال بيننا، وفرق طريقة التفكير واختلاف الاهتمامات لتفادي تفاقم أي خلاف.
سلام مع الكلّ حتى…
هل سبق لك أن قابلت شخصًا يسيء إليك باستمرار؟ لديك شعور مستمر بأنك لا تفعلي شيئًا بشكل صحيح عندما تكونين معهم؟ أنا متأكدة بأننا جميعنا التقينا بهذا النوع من الأشخاص. لكن توصينا كلمة الله في رسالة رومية بأن نكون مسالمين مع جميع الناس (رومية 12: 18). كيف يمكنني أن أفعل ذلك، وأنا أشعر بالإهانة والإساءة باستمرار؟
إليك بعض الأمور التي يقدّمها النص الكتابي في رومية الإصحاح 12:
لا يمكننا التحكّم في كل شيء
توضّح لنا الآية في رسالة رومية 12: 18 أنه بينما لا يمكننا التحكّم في كل شيء ، يجب أن نبذل قصارى جهدنا للبحث عن السلام. على سبيل المثال، لا يمكنك التحكّم في غضب شخص آخر أو ردود أفعاله، لكن بالتأكيد يمكنني التحكّم في نفسي: أي أقوالي وأفعالي وسلوكي. بالمختصر، يمكنني أن أدير الموقف فبدل من خلق خلاف من ردة فعل الشخص الآخر يمكنني أن أقابل غضبه بكلمة لطف أو الصمت إذا تطلّب الأمر ذلك.
- اتركي الانتقام والجزاء لله
ستكون هناك أوقات يؤذيك فيها شخص ما، وسيكون ردّ فعلك الطبيعي هو السعي للانتقام. عندما تشعرين بذلك تذكّري هذه الكلمات: لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء، بل أعطوا مكانًا للغضب، لأنه مكتوب: لي النقمة أنا أجازي يقول الرب. فإن جاع عدوّك فأطعمه. وإن عطش فاسقه. لأنك إن فعلت هذا تجمع جمر نار على رأسه. (رومية 12: 19 -20). نحن مدعوون لنعيش حياة مختلفة، لذا عليك ِ ترك رغبتك الشديدة في الانتقام وردّ حقك ليد الله الذي لا يغفل عليه أمر ، ثقي بعدالته ورحمته وصلاحه.
- اغفري، اغفري ثم اغفري
في كل لحظة تجدين صعوبة أن تغفري… تذكّري الغفران العظيم الذي قدّمه الله لنا على الصليب. أظهر لنا يسوع أعظم أشكال الحب، إذ ونحن بعد خطاة مات لأجلنا. (رومية 5: 8). لا تقسّي قلبك، وأعطي فرصًا للآخرين باستمرار، وسيعطيكِ الله المعونة الإلهية لتقومي بذلك.
في النهاية، أن نعيش بسلام مع كل الناس أمر فعلًا ليس بسيطًا. لنصلّي أن يعطينا الله المعونة بأن ننظر للأمور كما هو ينظر لها، وأن نكون على مثاله في كل ما نفعل.
يا ربّ ساعدنا أن نتخلّى عن ذواتنا، وأن نكون شغوفين بمحبة من حولنا كل يوم، أعطنا يا ربّ أن نفهم احتياجات من حولنا وأن نقبل اختلافاتنا، يا ربّ أعطنا أن نحتمل بعضنا البعض وأن نغفر لبعضنا البعض. يا ربّ ساعدنا أن نكون مسالمين مع كل الناس.