كيف نتعامل مع عدم اليقين الذي يسيطر على حياتنا؟

إعداد: لما عطاالله 

تشاركني صديقتي نادين: “أشعر باستمرار بالخوف من المجهول. لا أعرف ما الذي يخبِّئه الغد لي، هل هي أخبار سارة: نجاح، ترقية، زواج، مولود جديد؟ أو هل هي أخبار سيئة: حادث، وفاة، فشل، فقدان وظيفة؟ كيف لي أن أعيش في طمأنينة وسلام الله وكل ما حولي قد ينقلب بلحظة وكل مخططاتي وأحلامي قد تتغيَّر! بالمختصر، عدم اليقين هو ما يُخيفني، وما زاد الأمر سوءًا هو جائحة كورونا؛ فهي ألقت بثقلها على صحَّتنا الجسدية والنفسية. وعرقلت حياتنا الاقتصادية وشلَّت علاقاتنا العاطفية، أصبحنا نتخبَّط في عدم اليقين الذي يُحيط بنا من كلِّ جانب، ويُشعرنا بالعجز عن السيطرة حتى على تفاصيل حياتنا اليومية”.

اسمحي لي أن أكون صريحة معكِ

أنا أتوق إلى الشعور بالأمان، وأحلم بمعرفة كل ما في المستقبل. فبذلك سأقدر أن أعيش بارتياح وأخطِّط لحياتي وأرسم أحلامي. يا ليت لي القدرة الكاملة على السيطرة على حياتي، فإنَّ شعوري بعدم اليقين هو تهديد يستنزفني عاطفيًّا، ويوقعني في دوامة من السيناريوهات التي تدور حول سؤال واحد: ماذا لو؟ وللأسف دائمًا ما تذهب أفكاري نحو أسوأ الاحتمالات التي يجلبها الغد لي. وألجأ إلى القلق باستمرار فهو يجعل الأمر يبدو وكأنَّ لديَّ بعض السيطرة على الظروف غير المؤكَّدَة، بحيث أنَّني لربما أعتقد بأنه سيساعدني على إيجاد حلٍّ لمشاكلي أو تحضيري للأسوأ. إلا أنه للأسف لا شيء من هذا يحدث، كلُّ هذا مجرَّد وهم. فلا يمكن أن يمنحني القلق مزيدًا من التحكّم في الأحداث التي لا يمكن السيطرة عليها، إنه فقط يسلب الاستمتاع في الحاضر، ويستنزف طاقتنا. 

إذا كانت قصة نادين تشبه قصتك، وإذا كنتِ من الأشخاص الذين يشعرون بالارتباك والقلق المستمرَّين من المستقبل. فمن المهم أن تعرفي أنك لست وحدك، جميعنا في نفس “القارب”. كلٌّ منا لديها ظروف خاصة وكلٌّ منا لديها تحدِّيات مختلفة، وكلٌّ منا لديها قلق ممّا يخبِّئه الغد.

 لكن سأعطيك بعض الحقائق والوعود الكتابية التي إذا تبنَّيتِها، ستعيشين حاضرًا أفضل وتنقلين نفسكِ إلى مستقبل أفضل. 

  1. ثقي أنَّ مقاصد الله لحياتك خير: كثرت الوعود في الكتاب المقدس التي تؤكِّد لنا بأنَّ الله كلِّيُّ القدرة والسيطرة. وبأن مهما كانت الظروف التي نعيشها، فإنَّ مقاصده خير ورحمة لحياتنا (إرميا 29: 11). فعندما نقرأ قصة يوسف في الكتاب المقدس نجد أنَّ حياته كانت صعبة. لقد مرَّ في شبابه بأصعب التجارب: إخوته باعوه، زوجة رئيسه ابتلتْه ببليَّة؛ لأنه رفض أن يكون معها وانتهى به الأمر بالسجن. فسَّر حلم السجين لكن نسيه وبقي بالسجن. ومع كلِّ هذا أصبح يوسف ثانيَ أهمِّ قائد في مصر بعد فرعون. على الرغم من رحلته الشاقة وألمه، ولكنَّ خطة الله وقصده لحياة يوسف كانا خيرًا. قد يظهر لنا حاضرنا بأنه صعب ولا أمل من الخروج منه، لكن صدِّقي وعد الله بأنَّ كلَّ الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله، الذين هم مدعوّون حسب قصده. (رومية 8: 28)  
  2. الله يحفظ أولاده وبناته من كلِّ شرٍّ: قد نظنُّ أحيانًا أنَّ الله يسبِّب الشر لحياتنا لكنَّ كلمات مزمور 121 تؤكِّد لنا عكس ذلك، فالله يحفظ أولاده من كلِّ شر. مثلاً، اعلمي أنَّ نفس السيادة التي كان من المُمْكِن أن تُوقِف فيروس كورونا ولم توقِفه. هي ذاتها السيادة التي تحفظ حياة النفوس الَّتي تمرُّ بهذه الأحداث الآن. في الحقيقة، الله يصنع أمرًا أكثر من مجرَّد حفظ الحياة والإبقاء عليها– إنّه يُحَلّي بالرجاء أولئكَ الذين يثقون به، مؤكِّدًا لهم أنَّ كلَّ مقاصده مليئة باللُّطف، حتى في الموت.
  3. “ليكن حِلمُكم معروفًا عند جميع الناس. الرب قريب”: حقيقة بأنَّ “الرب قريب” هي التي تمنحنا الرجاء والقوة في هذه الحياة. فإنَّ إيماننا بأنه قريب تعني أوَّلًا بأنه قريب من أفكارنا ومشاعرنا؛ أي يسمع لنا ويشعر بضعفاتنا، وهذا جدير أن يملأنا سكينة في وسط عواصف الحياة. (عبرانيين 4: 15). 

لا تتردَّدي بأن تصلّي وتشاركيه احتياجك وخوفك، والله سيعطيكِ سلامه. الرب قريب أيضًا تعني أنه قريب في مجيئه الثاني ولقائنا معه على السحاب، حيث لا وجع ولا بكاء، عندها سنكون معه في المجد. رجاؤنا في هذه الحياة هو حياة أبدية في محضر يسوع، وليس هناك شيء مطمئن أكثر من هذه الحقيقة.

عندما تصدِّقين هذه الحقائق وتعيشين بها، هناك بعض الخطوات العملية التي ستساعدك أن تعيشي بسلام:

  1. راقبي أفكارك ولا تصدِّقي كل شيء: في رسالة فيلبي 4: 8: “أخيرًا أيها الإخوة كلُّ ما هو حق، كلُّ ما هو جليل، كلُّ ما هو عادل، كلُّ ما هو طاهر، كلُّ ما هو مُسِرّ، كلُّ ما صيته حسن، إن كانت فضيلة وإن كان مدح، ففي هذه افتكروا.” اضبطي أفكارك، وصفّيها، وميِّزي الحقِّ من الباطل في الأشياء التي تستقبلينها في عقلك. ولا تصدِّقي كلَّ الأفكار التي تدور فيه، من المهمّ عدم تصديق الأفكار التي تذهب باتجاه السيناريوهات السيئة. بالطَّبع، قد يكون من المفيد التفكير في أسوأ السيناريوهات حتى نتمكَّن من منع وقوع كارثة. لكن عندما نصدِّق تلك الأفكار المجهِدة، فإننا نميل إلى الرد عاطفيًّا كما لو أنَّ أسوأ الحالات تحدث بالفعل في الحياة الواقعية وليس فقط في رؤوسنا، بحيث نحزن على أشياء لم نخسرها في الواقع. ونتفاعل مع الأحداث التي لم تحدث بالفعل، وهذا ينعكس بشكل مباشر على مشاعرنا، ويجعلنا نشعر بالتهديد والخوف وعدم الأمان. “لأَنَّهُ كَمَا شَعَرَ فِي نَفْسِهِ هكَذَا هُوَ.” (أمثال 23 : 7)
  2. لا تقاومي الحاضر بل انظري إليه كفرصة للنُّمو والتطور: ممّا لا شكَّ فيه أنَّنا نعيش جميعًا أوقاتًا صعبة، إلّا أنَّ مقاومة الواقع الحالي لن يساعدك على التَّعافي، التَّعلُّم، النُّموّ، أو حتّى الشعور بالتَّحسُّن. على العكس تمامًا، فإنَّ المقاومة تصعِّب من آلامنا وصعوباتنا من خلال تضخيم حجم المشاعر الصعبة التي نشعر بها، إذ أنَّ كلَّ ما نقاومه يستمرُّ ولا يتلاشى. فتجدين نفسك في نهاية المطاف تستنفذين كل جهدك وطاقتك في المقاومة والرفض في الوقت الذي كان من الممكن توظيفها في حل المشكلة أو تقبلها. تأكدي عزيزتي أن كلُّ ظرف يجعل منا أشخاصًا أقوى وأنضج. 
  3. استثمري في ذاتك: عندما لا نستثمر في أجسادنا أو عقولنا أو أرواحنا، فإنَّنا ندمِّر أدواتنا الأساسيَّة لقيادة حياتنا بشكل أفضل. كبشر لا نقوم بعمل جيِّد عندما نؤجِّل “صيانة” أنفسنا. نحن بحاجة إلى الحفاظ على العلاقات التي تجلب لنا التواصل والمعنى. كما أنَّه يجب أن نحصل على قسط كافٍ من النوم والراحة عندما نتعب، ونحتاج إلى قضاء بعض الوقت المخصَّص للتَّسلية فقط (الإيجابيَّة بالتأكيد). كلُّ هذه الأمور كفيلة بأن تجعلكِ قائدة أفضل لحياتك.

عزيزتي

أنتِ مدعوّة أن تعيشي حياة سلام الله وفرح لا حياة قلق وخوف. كان يسوع يتحدَّث مع الجموع وأعطاهم طمأنينة، عندما قال: “«سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ.” (يو 14: 27). أن تعيشي في حالة من السّلام والرّجاء والمصالحة في وسط عالم مضطرب هو ما يميِّزكِ كابنة الله، فيسألوك عن سبب الرَّجاء الذي فيكِ. من الطبيعي جدًا أن تمرّي بظروف صعبة وقد تكونين ضعيفة وحزينة، لكن اجعليها مرحلة مؤقتة وليس حالة دائمة. تجاوبك مع الظروف هو ما يميزك، وتذكري دائمًا أنك لست وحدك في هذا التحدي. لكن الله أعطاك الروح القدس ليرشدك، ويعينك في كل ظروف حياتك. لا تعيشي في حالة انتقاليَّة حتى تنتهي محنة معيَّنة أو ظرف ما. بل بينما أنتِ تمرّين في الظَّرف الصعب عيشي بسلام؛ لأنَّكِ مدركة أنَّ إلهكِ إله خير وسلام.