دخول المسيح الظافر إلى أورشليم
باب: نموي في الرحلة
الكاتب: عيسى زانيري
التاريخ: أبريل 5, 2025
هذا هو يوم أحد السعف أو أحد الشعانين، فما أجدر بنا أن نبتهج ونفرح لأن ملك المجد قد صعد إلى أورشليم، إنه الملك الموعود به والمنتظر. أتى من السماء نعمة ورحمة إلى الأرض؛ أتى إلى أورشليم كملك منتصر وهو ملك عادل ليبشر المساكين ويعصب منكسري القلوب. في ذلك الوقت كانت أريحا مليئة بالصاعدين إلى أورشليم لأجل العيد وكان الرب يسوع هناك مع الجموع. ومن هناك صعد معهم يسوع إلى أورشليم. أخذ الاثني عشر أيضا وابتدأ يقول لهم عما سيحدث له. “ها نحن صاعدون إلى أورشليم وابن الإنسان يسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت ويسلمونه إلى الأمم، فيهزأون به ويجلدونه ويتفلون عليه ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم” (مرقس 10: 33-34).
وإذا قرب يسوع من بيت فاجي أرسل اثنين من تلاميذه ليحضر له الجحش. وركوب المسيح على ذلك الجحش كان علامة على أنه ملك السلام. وبهذا تتم نبوة النبي زكريا التي قيلت قبل 550 عام قبل الميلاد (زكريا 9:9) ” ابتهجي جدا يا ابنة صهيون اهتفي يا بنت أورشليم. هوذا ملكك يأتي إليك هو عادل ومنصور وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان “.
لقد تنبأ النبي أن يسوع يأتي ملكا ولكنه لا يأتي بمركبات وخيل كمحارب بل يأتي بما يليق برئيس السلام. ولا يأتي بعظمة وافتخار بل بالوداعة. ولا يأتي على فرس أبيض وسلاح فتاك وسيف مشهور بل يأتي على حمار بوداعة ومعه سلاح المحبة. وإن سيرة ربنا يسوع كلها كانت وفق هذه النبوة. لقد فرش التلاميذ ثيابهم على ظهر الجحش، وهذا دليل على الفقر الذي يمازجه الجلال. افتقر سيدنا لدرجة أنه لم يملك فيها سرجا لكنه كان غنيا بالقلوب التي كرست له فقدمت له ثياب الإنسان لا سراج الحيوان، لم يكتف التلاميذ بطرح ثيابهم على الأتان بل فرشوا ثيابهم في الطريق هذه بينة على التكريس الحقيقي. لقد فرشوا ثيابهم احتراما واعتبارا له كما اعتادوا أن يضعوا للملوك العائدين من الحرب منتصرين وللملك العائد بعد غيبة عنها.
لما قرب عند منحدر جبل الزيتون وبانت قباب المدينة للناظرين ابتدأ جمهور المدينة يفرحون ويسبحون الله بصوت عظيم لأجل جميع القوات التي نظروا. كان الجمع الذي مع يسوع قد شهد دعوة أليعازر من القبر وإقامته من الأموات.
وكان مع الرب يسوع ثلاثة أنواع من الناس:
- أناس صعدوا مع يسوع من أريحا.
- أناس صعدوا مع يسوع من بيت عنيا بعد أن شهدوا إقامة أليعازر.
- أناس صعدوا من القدس لاستقبال الرب بعد سماعهم بالقوات التي عملها هنا.
التقت أصوات الهاتفين في موكبه بأصوات المستقبلين الخارجين من المدينة الذين ألفوا موكبا جماهيريا ضخما حاملين معهم سعف النخل في أيديهم. فأغصان النخيل هي علامة الفرح والنصرة. “أوصنا لابن داود” أي اللهم خلص، هي في الأصل كلمة سريانية مستعملة للدعاء. وأكثر ما كان يستعملها اليهود في هتاف للسرور وهذه الهتافات مستمدة من مزمور 118. لقد كانوا في كثير من الأحيان يترنمون بكل المزمور. وكان هذا إقرارا ضمنيا من الجمع بأن يسوع هو ملك اليهود. وكان هذا الترحيب والتمجيد إكراماً للمسيح وحده لا للزوار القادمين معه.
قبل هذا الوقت أمر يسوع تلاميذه ألا يظهروا للناس عامة أن المسيح هو ملك اليهود. ومن أجل ذلك تجنب كل احتفال.
ولكن الآن حان الوقت لأن يرفع الحجاب عن تلك الدعوة وأن يدخل أورشليم باحتفال عظيم ليظهر للناس أنه المسيح الملك. لقد كان دخول المسيح هذا باحتفال إلى أورشليم من نوادر الأمور المتعلقة بحياة الرب يسوع بل كانت من أهم الأمور في حياته.
كان الفريسيون من بين الجموع فهم بلا شك حضروا ليراقبوا أعماله وكانوا ينتظرونه على أية زلة صغيرة ليشتكوا عليه حتى أنهم من حقدهم الأعمى لم يشاركوا الجموع فرحتهم. لم يقدروا أن يروا البركة والانتعاش والفرح بل امتلئوا حسداً على تمجيد الناس ليسوع. كان هتاف الجماهير مزعجاً لضمائرهم فطلبوا من المعلم أن ينتهر تلاميذه. فقد اعتبروا أن الرب يسوع هو مهيج للشعب. لكن رد الرب عليهم كان غاية في الحكمة والصبر والوداعة “أقول لكم إن سكت هؤلاء فالحجارة ستصرخ”.
بلغ المسيح في طريقه مكانا انكشفت له أورشليم وتجلت أمام نظره قباب الهيكل التي سكبت عليها أشعة الشمس الربيع محلولا من ذوائب تبرها. وكان لابد لهذا المنظر أن يثير في نفس يسوع إعجاباً وفخراً بجلال المدينة وجمالها. لكننا نراه هنا يبكي لأن البكاء في الأصل رثاء. رثى أورشليم بصوت مرتفع. عجيب أن يبكي يسوع في يوم مهرجانه لكن ما هو أعجب أن أورشليم لم تبكي على نفسها لأنها ربطت على عينيها فلم تعرف زمن افتقادها. إن زمن النعمة “نعمة الله” الذي فيه أرسل ابنه إليك وفتح باب التوبة والرحمة هو وقت قبول المسيح والخلاص به، ويسمى هذا زمن افتقاد. فلو قبلت المسيح يسوع مخلصاً نلت السلام ولكن برفضك إياه رفضت كل السلام. بكى المسيح على أورشليم لأنها تجاهلت آخر فرصة لها.. بكى المسيح عليها لأنه رأى ببصره الذي يخترق حجب المستقبل ما هو مدخر لها في سجل القضاء. هل رثى المسيح جهل الجماهير المتقلبة التي هتفت له أوصنا في الأعالي وهي حاملة سعف النخل لكنها نادت بيلاطس قائلة “اصلبه اصلبه” قبل أن يجف سعف النخل بين أيديها؟
إن عدم معرفة اليهود لزمن افتقادهم وجهلهم أن يسوع هو المسيح ورفضهم إياه وصلبه له حولوا الرحمة إلى نعمة. وما صح على اليهود في ذلك الوقت يصح على كل خاطئ في أربعة أمور هي:
- إن الله عين لهم وقتاً يمكنهم فيه أن يتوبوا ويستعدوا للسماء ومنحهم وسائط كافية لذلك.
- إن ذلك الوقت محدد، وهو زمان افتقادهم الذي هو أهم الأوقات لأنه يتعلق به سعدهم الأبدي أو شقاؤهم الدائم.
- إنه حينما ينقضي ذلك الوقت تزول وسائط النعمة ولاسيما تأثير الروح القدس فيهم ويغلق الباب.
- إنه بعد نهاية زمن افتقاد الرحمة يبتدئ زمن افتقاد الدينونة.
انضمي إلينا اليوم وكوني جزءًا من مجتمعنا المتنوع! سجّلي الآن وأنشئي ملفك الشخصي للاستمتاع بفوائد عديدة وتجارب فريدة داخل موقعنا.