الزارع خرج ليزرع

باب: نموي في الرحلة

الكاتب: د. سميح خوري

التاريخ: مايو 3, 2025

“هوذا الزارع قد خرج ليزرع، وفيما هو يزرع سقط بعض على الطريق فجاءت الطيور وأكلته، وسقط آخر على الأماكن المحجرة حيث لم تكن له تربة كثيرة فنبت حالاً إذ لم يكن له عمق أرض، ولكن لما أشرقت الشمس احترق وإذ لم يكن له أصل جف، وسقط آخر على الشوك فطلع الشوك وخنقه. وسقط آخر على الأرض الجيدة فأعطى ثمراً بعض مئة وآخر ستين وآخر ثلاثين” (متى 13: 3-8).

كان المسيح يعلم بالأمثال والهدف من التكلم بالأمثال هو أن يتعلم الناس عن المجهول بواسطة المعلوم. 

فالأمور السماوية أعلنت بواسطة الأشياء الأرضية وأظهر الله في شبه الناس يقول الكتاب المقدس “هذا كله كلم به يسوع الجموع بأمثال وبدون مثل لم يكن يكلمهم، لكي يتم ما قيل بالنبي القائل “سأفتح بأمثال فمي وأنطق بمكتومات منذ تأسيس العالم” (متى 13: 34-35)، وبالأمثال قرب المسيح في كل تعليمه العقل البشري وجعله على اتصال بالعقل الإلهي غير المحدود.

إن المسيح يشرح لنا في مثل الزارع الأمور المختصة بملكوت السموات وعمل الفلاح العظيم لأجل شعبه.  فكزارع في الحقل أتى ليبذر بذار الحق السماوي. “الزارع الزرع الجيد هو ابن الإنسان” (متى 13: 37).  فالمسيح أتى لا كملك ليبني إمبراطورية أرضية بل كزارع كلمة الله. تلاميذ المسيح لم يفهموا المثل فجاءوا إلى يسوع على انفراد ليفسره لهم.  مجيئهم إليه هو الشوق الذي كان المسيح يرغب في أن يثيره فيهم لكي يقدم لهم مزيداً من الإرشادات الإلهية.  قال المسيح: “إن شاء أحد أن يعمل مشيئته يعرف التعليم هل هو من الله أم أتكلم أنا من نفسي” (يوحنا 7: 17). 

فكل من يأتي إلى المسيح طالباً معرفة أوضح للحق سينالها.

وهكذا المسيح الزراع السماوي خرج ليزرع. هو خرج من عند الآب قبل كون العالم، وترك مكانه على عرش الكون، ثم خرج إنساناً متألماً مجرباً. خرج ليزرع بالدموع وليروي بدمه بذار الحياة للعالم الهالك.  وبنفس هذه الكيفية يجب على خدامه أن يخرجوا ليزرعوا.  لقد جاء المسيح ليزرع كلمة الله في العالم.  وكلمة الله هي البذار. إن كل بذرة مودع فيها مبدأ الإنبات. وكذلك في كلمة الله توجد الحياة.  فالمسيح يقول: ” الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة” (يوحنا 6: 63). “من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية” (يوحنا 5: 24). ومتى ضاع الإيمان بكلمة الله فالنفس تُمسى بلا مرشد أو حارس.  والناس في أيامنا هذه يزرعون للجسد ومن الجسد يحصدون فساداً.

وفي تفسيره للبذار الذي سقط بجانب الطريق قال:  “كل من يسمع كلمة الملكوت ولا يفهم فيأتي الشرير ويخطف ما قد زرع في قلبه هذا هو المزروع على الطريق” (متى 13: 19).  الناس يسمعون الكلمة ولكنهم لا يفهمونها ولا يدركون أنها تنطبق عليهم وهم لا يستوعبون حاجتهم أو خطرهم أنهم لا يحسون بمحبة المسيح.

“المزروع على الأماكن المحجرة هو الذي يسمع الكلمة وحالا يقبلها بفرح. ولكن ليس له أصل في ذاته بل هو إلى حين.  فإذا حدث ضيق أو اضطهاد من أجل الكلمة فحالا يعثر” (متى 13: 20-21). 

إن كثيرين ممن يعترفون بالكلمة هم سامعون تشبه قلوبهم الأماكن المحجرة. هذا النوع من الناس قد يسهل إقناعهم، إلا أن تدينهم سطحي. المذكورون في المثل الذين يقال عنهم أنهم يقبلون الكلمة حالاً ولا يتأملون فيها فيما تطلبه كلمة الله منهم وهم لا يخضعون ذواتهم بالتمام لسلطانها.

إن جذور النبات تتعمق بالتربة.  وإذ تكون مخفية عن العيون تغذي حياة النبات وكذلك الحال مع المسيحي فبواسطة الإتحاد غير المنظرو بين نفسه والمسيح أي الإيمان تتغذى الحياة الروحية. ولكن السامعين ذوي القلوب المحجرة يعتمدون على الذات بدل اتكالهم على المسيح. إنسان من هذا النوع ليس له أصل في ذاته لأنه غير مرتبط بالمسيح يعثر إذا حدث ضيق أو اضطهاد من أجل الكلمة. هؤلاء الناس يقبلون الإنجيل كوسيلة للنجاة من الألم بدلاً من قبوله الخلاص من الخطية.  فالذي يعيش لذاته ليس مسيحيا ولا يعرف أن المحبة تظهر في التضحية. وإذا كنا نحب يسوع فلأجله نتوق إلى الألم والتعب والتضحية.

“المزروع بين الشوك هو الذي يسمع الكلمة وهمّ هذا العالم وغرور الغنى يخنقان الكلمة فيصير بلا ثمر” (متى 13: 22). 

إن بذار الإنجيل (الكلمة) كثيراً ما يقع بين الشوك والأعشاب المضرة، فإذا لم يحدث تغير أدبي في القلب البشري وإذا لم يتخلص الإنسان من العادات والأعمال الغير صالحة وحياة الخطية فإن الكلمة تختنق.  وسيكون الشوك هو الحصاد وستقتلع الحنطة، أي بمعنى أنها توقف نمو البذار الروحي.

وقال المخلص عن البذار الذي سقط في الأرض الجيدة “وأما المزروع على الأرض الجيدة فهو الذي يسمع الكلمة ويفهم وهو الذي يأتي بثمر فيصنع بعض مئة وآخر ستين وآخر ثلاثين” (متى 13: 23). الذين يسمعون ويحفظون الكلمة يثمرون بالصبر.  فالذي يخضع لتبكيت الروح هو الذي له القلب الجيد الصالح.  فهو يعترف بذنبه ويحس بحاجته إلى رحمة الله ومحبته.  إن القلب الجيد هو القلب المؤمن والذي له إيمان بكلمة الله.  فكلمة الله إذ تقبل في النفس تظهر في الأعمال الصالحة وستظهر نتائجها في أخلاق كأخلاق المسيح وحياة كحياته.

وثمر الإيمان الحقيقي هو الوداعة والمحبة. “هوذا الفلاح ينتظر ثمر الأرض الثمين متأنياً عليه حتى ينال المطر المبكر والمتأخر” (يعقوب 5: 7).  لهذا على المسيحي أن يتوقع بالصبر أن تثمر كلمة الله في حياته.


انضمي إلينا اليوم وكوني جزءًا من مجتمعنا المتنوع! سجّلي الآن وأنشئي ملفك الشخصي للاستمتاع بفوائد عديدة وتجارب فريدة داخل موقعنا.

#الزارع #الزرع الجيد #بلشي من هون #ثمار