ماذا يعني أن أكون مؤثرة؟

باب: تأثيري في الرحلة

الكاتبة: ديما فاخوري

التاريخ: نوفمبر 18, 2023

في يوحنا الأصحاح 11 نقرأ عن مريم ومرثا. في العدد 20 “فلما سمعت مرثا أنَّ يسوع آتٍ لاقته. وأما مريم فاستمرَّت جالسة في البيت.” وفي العدد 31 تذهب مريم للقاء يسوع عند قبر لعازر، ويقول الكتاب المقدس: “ثم إنَّ اليهود الذين كانوا معها في البيت يعزّونها، لما رأوا مريم قامت عاجلًا وخرجت، تبعوها”. 

أين يكمن السر في مثل هذه الحادثة؟ مَن كانوا في البيت لم يتبعوا مرثا عندما ذهبت إلى القبر، ولكن ما إن تحرَّكت مريم للذهاب قاموا وراءها وتبعوها.  

يبدوا أنَّ مريم- رغم هدوئها وشخصيتها المسالمة البسيطة- تمتلك قوة تأثير غير عادية تجعل من حركتها دافعًا لكي يتبعها الآخرون.

هل تعتبرين نفسكِ مؤثرة؟ هل التأثير مفهوم يرتبط بالعالم الماديّ فحسب؟ أم هناك نواحٍ أخرى للتأثير مرتبِطة بالعالم الروحي؟ إن كنتِ مهتَمَّة بمعرفة رأي إلهك في التأثير سيسرُّكِ قراءة هذا المقال.

هل يريدني الله أن أكون مؤثرة؟

في وسط ضغوط الحياة فقد المؤمن تأثيره فيمَن حوله، واختلط بأبناء العالم فكادت أفعاله تشابههم وأقواله تماثلهم، وكدت لا تفرِّق بين المؤمن وغير المؤمن.

ويبرِّر الكثير من المؤمنين هذا قائلين: “إنَّ ضغوطات الحياة وأعباءها تدفعنا إلى أن نساير العالم كما هو”، ونسُوا ما قاله يسوع في متى 5: 13-16: أَنتم مِلح الأَرض، أَنتم نور العالم. 

وفي المقابل، هناك فكر يقول بأنَّ الإنسان كالنفاية لا يساوي شيئًا؛ لأنَّ السقوط لوَّثه ولم يعُد قادرًا على فعل شيء صالح. لربما كان هذا الكلام في جزئيته صحيحًا فلا شيء في الإنسان صالح ولكن لا يعني هذا أنه غير قادر على فعل أمور عظيمة كما قال السيد، فهو قادر من خلال قوة الله وعمل الروح القدس ومهارته واجتهاده وعزمه على أن يأتي بثمر في خدمة الآخرين ويؤثر في عالمه وفي الآخرين. لا زال قادرًا كما يقول الكتاب المقدس أن يعطي أولاده عطايا صالحة وهذا أيضًا ينطبق على مجتمعه الذي يعيش فيه.

مفهوم التأثير في المسيحية

علَّمنا الرب يسوع في الموعظة على الجبل في متى 5 قال: «أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ، وَلكِنْ إِنْ فَسَدَ الْمِلْحُ فَبِمَاذَا يُمَلَّحُ؟ لاَ يَصْلُحُ بَعْدُ لِشَيْءٍ، إِلاَّ لأَنْ يُطْرَحَ خَارِجًا وَيُدَاسَ مِنَ النَّاسِ. أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ. لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَل، وَلاَ يُوقِدُونَ سِرَاجًا وَيَضَعُونَهُ تَحْتَ الْمِكْيَالِ، بَلْ عَلَى الْمَنَارَةِ فَيُضِيءُ لِجَمِيعِ الَّذِينَ فِي الْبَيْتِ.”

التأثير هو أن تكوني ملحًا ونورًا في الأرض لهذا العالم الفاسد والمظلم، هذا هو الفرق بين المسيحي وغير المسيحي، وبين الكنيسة والعالم. والسؤال: كيف أكون شهادة؟ أي أن تحدثي فرقًا وتطبقين ما تعلمته من وصايا الرب والحق الذي كلَّمكِ به، فتكونين شاهدة في كلامك وسلوكك وتحيين ما تؤمنين به، فيرى العالم نوركِ ويطرد النور الظلمة في حياة مَن هم في نطاق تأثيرك، فيُقبِلون إلى معرفة الحق ويعيشونه. 

يمكنك أن تصنعي التأثير وتكوني ملحًا ونورًا بـ4 طرق:

  1. قوة الصلاة: أرجوكِ لا تقللي من أهمية حياة الصلاة التي تعدّ جزءًا لا يتجزأ في حياة المؤمن والكنيسة. “فَأَطْلُبُ أَوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ، أَنْ تُقَامَ طَلِبَاتٌ وَصَلَوَاتٌ وَابْتِهَالاَتٌ وَتَشَكُّرَاتٌ لأَجْلِ جَمِيعِ النَّاسِ، لأَجْلِ الْمُلُوكِ وَجَمِيعِ الَّذِينَ هُمْ فِي مَنْصِبٍ، لِكَيْ نَقْضِيَ حَيَاةً مُطْمَئِنَّةً هَادِئَةً فِي كُلِّ تَقْوَى وَوَقَارٍ، لأَنَّ هذَا حَسَنٌ وَمَقْبُولٌ لَدَى مُخَلِّصِنَا اللهِ، الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ.” (1 تيموثاوس 2: 1-4).
  2. قوة الحقّ: قوة الإنجيل للكرازة التي تأتي بالخلاص والفداء لمَن يقبلون ويتجاوبون ويقبلون الرب يسوع. يؤمن المسيحي بأن الحق أقوى من أكاذيب العدو والله أقوى من إبليس. كما كتب يوحنا “وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ، وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ.” (يو 1: 5). بالطبع لا يمكن للظلمة أن تفعل؛ لأنَّ هذا النور هو حقّ الله.
  3. قوة المثال: هناك قوة في الحق عندما تتكلمين به، ولكنه يكون أقوى عندما تُظهرينه وتعيشينه. الناس لا يحتاجون إلى جدلك، ولكنهم يريدون أن يروا بأعينهم النفع الناتج من جدلك. يريدون أن يروا زوجًا يحب زوجته، وأولادًا يطيعون والديهم، وعاملين يعملون بجِدٍّ وأمانة، وممرضة تظهر قلب الرأفة والرحمة، وموظف أمين رغم كل الضغوطات وحتى الظلم. ببساطة يريدون إنسانًا يعيش ما يؤمن به في واقع حياته. 
  4. قوة الوحدة والتضامن الاجتماعي: إنها قوة الأقلية المكرَّسَة. لقد بدأ يسوع بمجموعة صغيرة من 12 شخصًا ولكنهم كانوا مكرَّسين. وخلال سنوات قليلة، تذمَّر الرومان من أنهم كانوا يقلبون العالم رأسًا على عقب. هل ترغبين في أن تعيشي حياة تسرُّ الله في مجتمعك؟ هل لديكِ أحلام في عالم أكثر رحمة وعدالة وصدق؟ 

هناك حاجة ماسة في عالمنا إلى مجموعات مكرَّسَة من المؤمنين الملتزمين نحو بعضهم البعض، وبرؤية نحو المحبة والعدالة؛ وفوق الكل ملتزمين نحو المسيح ويتبعون يسوع القائد في حياتهم، مجموعات تصلي معًا وتفكر معًا وتُبِدع معًا وتضع القوانين معًا، وتعمل معًا من أجل خير المجتمع.

بعض الآيات من الكتاب المقدس لتعزيز الفهم والعمق في موضوع التأثير المسيحي.

إليكِ بعض الآيات التي تلقي الضوء على هذا المفهوم:

1. آية من إنجيل متى (Matthew 5:16):

   “لِكَيْ يُشْعَ نُورُكُمْ أَمَامَ النَّاسِ، فَيُمْجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.”

   هذه الآية تشير إلى أهمية أن يكون المسيحي نورًا في العالم، وأن تكون أعماله تمجد الله.

2. آية من إنجيل مرقس (Mark 10:45):

   “إِنَّمَا جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ لِيُخْدِمَ وَلِيُعْطِي نَفْسَهُ فِدَاءً عَنْ كَثِيرِين.”

   هذه الآية تذكرنا بأهمية خدمة الآخرين كمسيحيين، وكيف يجب أن نكون على استعداد للتضحية من أجل الآخرين.

3. آية من رسالة بولس الرسول إلى أهل كورنثوس (1 Corinthians 10:31):

   “فَإِنْ كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ أَوْ تَشْرَبُونَ أَوْ تَعْمَلُونَ أَيَّ شَيْءٍ، فَاعْمَلُوا كُلَّهُ لِمَجْدِ الله.”

   هذه الآية تشدد على أهمية أن نقدس كل جانب من حياتنا لمجد الله، بما في ذلك أفعالنا اليومية.

4. آية من رسالة بولس الرسول إلى أهل روما (Romans 12:2):

   “وَلا تَتَشَكَّلُوا عَلَى أُسْلُوبِ هَذَا الْعَالَمِ، بَلْ تَتَغَيَّرُوا بِتَجَدِّيدِ أَذْهَانِكُمْ لِكَيْ تَخْتَبِرُوا مَا هُوَ إِرَادَةُ اللهُ، الصَّالِحَةُ وَالْمَرْضِيَّةُ وَالْكَامِلَةُ.”

   هذه الآية تشير إلى أهمية تجديد العقل وعدم متابعة أنماط العالم، ولكن التمسك بمشيئة الله.

5. آية من رسالة بولس الرسول إلى أهل إفسس (Ephesians 2:10):

   “فَإِنَّنَا عَمَلُهُ، خُلِقْنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لِأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، اللَّتِي قَدَّرَ اللهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَسِلَكَ فِيهَا.”

   هذه الآية تذكرنا بأننا خُلقنا لأعمال صالحة وأننا يجب أن نعيش حياة مسيحية نموذجية.

هذه الآيات تساعد على توضيح معنى وعمق التأثير المسيحي وكيف يمكن للأفراد تحقيقه من خلال الامتثال لتعاليم المسيح وتوجيه حياتهم نحو خدمة الله والآخرين.

أنتِ ملح ونور قد خُلقتِ لتُنيري وتؤثِّري

عزيزتي، ما هو موقفك اليوم؟ 

رسالتنا في هذا العالم أن نؤثِّر فيه ونترك في حياة الناس بصمات تشهد عن يسوع الذي نحبه ونعيش لأجله. هذه هي الدعوة التي لنا. كلنا نؤثر وإن لم نؤثر إيجابًا فنحن نؤثر سلبًا، فاختاري اليوم أن تكوني ملحًا ونورًا.

المراجع:

Making Disciples by Performing Miracles: A Study in Mark by Jonathan Rivett Robinson — July 14, 2019

#تأثير #شهادة #قوة #مؤثرة