الابتكــــــار

باب: تأثيري في الرحلة

الكاتبة: رانيا عماري

التاريخ: أبريل 27, 2024

لطالما كنتُ وما زلتُ أقفُ مندهشًا أمام عَظَمَةِ وهيْبة وجمال ودقّة تفاصيل أعمال إلهي المبدع، التّي بكلمة قدرتهِ كلّ الأشياء صارت. فالكون بعظمته، الطّبيعة بسّحرها الخلّاب وقوانينها وأسرارها الكبيرة والصغيرة، والخليقة بتفاصيل تكوينها، جميعها تتحدّث وتُخبر وتشهد عن إبداعات الخالق. 

يكلّمنا الكتاب المقدس من بدايته إلى نهايته عن قدرة الله العظيمة في الخلق. ففي تكوين 1: 1 يقول “في البدء خلق….”، وفي رؤيا 21: 5 مكتوب: “…. والآن أنا أجعل كلّ شيء جديدًا!”. ابتكر الله الخليقة بكلمته وحكمته وقوّته، فأبدع وما زال قادرًا أن يصنع من العدم أشياء. وحتى عند سقوط الخليقة وموتها، كشف الله عن حبّه لنا من خلال طريقته الجديدة وخطتّه لخلاص البشر من الموت. وهذه الخطّة هي في ابنه “لأنه هكذا أحبّ الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية” يوحنا 3: 16. ونرى في الأناجيل كيف تُقدّم لنا حياة يسوع وتعاليمه طرقًا وحياة جديدة مع الله. وفي وقتنا الحالي يختبر كل من يتكّل عليه في تعاملاته اليوميّة اختبارات تشهد أنه لا مثيل له. فطرقه ليست كطرقنا، وأفكاره ليست كأفكارنا وليس لعظمته استقصاء. 

الابتكار: تعريفه وأنواعه وأهدافه 

غالبًا ما يُشار إلى الابتكار بأنه التطبيق العملي للأفكار لإيجاد حلول جديدة وأنواع جديدة مختلفة أو محسّنة بطريقة مميّزة للتحدّيات التي نواجهها. ولا تقتصر هذه الحلول على منتج أو سلعة جديدة، لكن يمكن أن تكون بأشكال مختلفة بحسب مجال العمل. ففي مجال التكنولوجيا نجد تقنيات جديدة كالإنترنت، وفي عالم الأعمال نجد نماذج أعمال مبتكرة. وهناك الابتكار التنظيمي مثل استخدام الموارد والأصول بطريقة جديدة. وهناك ابتكار أساليب جديدة في تنظيم مكان العمل والعلاقات الخارجية. أيضًا الابتكار الذي يعمل على تحسين كفاءة الأساليب الحالية، أو ابتكار طرق جديدة لجذب العملاء. 

أربعة مستويات من الابتكار:
  • الابتكار التدريجي وهو الاكثر شيوعًا وفيه يتم إحداث تحسينات وإضافة ميّزات جديدة على ما هو موجود بالفعل مثل تحسين تصاميم الهواتف الذكيّة. 
  • الابتكار التخريبي وهي الابتكارات التي تُحْدِث تخريبًا في الصناعات القائمة حاليًا. مثال على ذلك استخدام أمازون لتقنيات الإنترنت مما أدّى إلى تعطيل الصناعة الحالية لمتاجر الكتب. 
  • الابتكار المعماري يحدث عندما تُستخدم المنتَجات أو الخدمات الجديدة التكنولوجيا الحالية لإنشاء أسواق جديدة و/أو مستهلكين جدد لم يشتروا هذا المنتج من قبل. مثال على ذلك، عندما استفادت بعض الشركات من تكنولوجيا الخلايا الشمسية لإنتاج إضاءة أرضيّة صغيرة في الهواء الطلق. حيث أدّى ذلك إلى إنشاء مجموعة جديدة كاملة من المستهلكين الذين قاموا بتزيين ساحاتهم بهذه الأضواء الصديقة للبيئة. 
  • الابتكار الجذري وهو الطريقة النمطيّة التي يرى بها معظم الناس الابتكار إلّا أنه أندر أشكالهم جميعًا. ويتضمّن فتح أسواق جديدة تمامًا. مثال على ذلك اختراع الطائرة، حيث فتحت هذه التقنية الجديدة شكلاً جديدًا من أشكال السفر، واخترعت صناعة وسوقًا جديدًا بالكامل.

تعمل الابتكارات كما ذكرت على إيجاد الحلول فتسّهل حياة الإنسان. لكن نحن نعلم أن ليس كلّ ما تمّ ابتكاره ذا أهداف سامية. وحتى الابتكارات الجيّدة ما لم يحسّن استخدامها، فإنها ستؤول لأن تكون سببًا للمشاكل التي لا حلّ لها. هناك ابتكارات تخدم البشرية، وهناك ابتكارات تخدم فئة معينة دون الأخرى قد تكون ضارّة مثل تلك المتعلّقة بالحروب (الأسلحة والقنابل). أو قد تكون غير مضرّة مثل الابتكارات المتعلّقة بالمزارعين فهي تسّهل عملهم.

هل نحن مدعووّن للابتكار؟

خلق الله الإنسان على صورته ومَنَحه السّيادة على الخليقة كلّها، فالابتكار جزء من هبة الله علينا كوننا خُلِقْنا على شبهه. لكن علينا أن ندرك أمرًا ما، أنه في حين أننا نستطيع أن نصنع حلولًا جديدة أو نحسّن بما هو موجود. يبقى الله وحده المنفرد في قدرته على صنع الأشياء الجديد من العدم، لذلك فهو الوحيد الذي ندعوه الخالق. أما نحن فنتّصف كوننا خلّاقيين بأننا قادرون على التّخيل وابتكار حلول ومنتجات باستخدام ما هو موجود بالأصل، وهذا هو الفرق بين الخالق والخليقة. نعم قد منحنا الله هذه القدرة المميّزة على الابتكار، وفي جهودنا الابتكارية نختبر وندرك جمال العقل البشري الذي هو صَنْعَة يد الخالق-الله مبتكرنا.

الابتكار المسيحي

تختلف نظرة الاِشخاص للعالم الذي يعيشون فيه بحسب القيم والمعتقدات التي اكتسبوها من خلال التّعلم والملاحظة والخبرات أو التي تأثروا بها من الأهل والأفراد وأحداث المجتمع المهمّة. كذلك الحال معنا، فقد شكّل إيماننا وهويّتنا كأولاد لله نظرتنا للعالم “….فلا يوجد شي متعلّق بالواقع هو غير روحي”. ويقول الكتاب المقدس في كورنثوس الثانية 10: 5 “هَادِمِينَ ظُنُونًا وَكُلَّ عُلْوٍ يَرْتَفِعُ ضِدَّ مَعْرِفَةِ اللهِ، وَمُسْتَأْسِرِينَ كُلَّ فِكْرٍ إِلَى طَاعَةِ الْمَسِيحِ”. وهذا ما أشار إليه اللّاهوتي آرثر هولمز أن تسـأسر كلّ فكر لطاعة المسيح. والتفكّر المسيحي يعني رؤية الحياة كلّها في علاقة مع الخالق ربّ الكلّ، هذا أمر ليس اختياريًا أو ذا أهمية ثانوية، ولكنه أساس وقلب معنى أن تكون مسيحيًا. فأنا وأنت كمسيحي مدعوون لأن نفكّر ونتصرّف ونتخّذ القرارات كما المسيح. ويكون الابتكار مسيحيًا إذا تماشى في نهاية المطاف مع هدف الله وخطته وطرقه.

مجال الابتكار والدافع:

نحن كمسيحيين مدعوون لأن نعكس محبّة الله من خلال المشاركة في الابتكار الأخلاقي -بحسب التخصّص والمواهب والقدرات التي نمتلك ونُطَور- بما يخدم حل المشكلات في شتّى المجالات من حياتنا. في البيت، مكان العمل، في الأعمال الحرة، في التعليم وخدمة المجتمع . 

يقول الكتاب المقدس “فَأَجَابَ وَقَالَ: تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِك. لو 10: 27” وهنا يتكلم يسوع عن المحبة agapao التي تحمل في طياتها إحساسًا بفعل الشيء الصحيح في الوقت المناسب للهدف المعني، أو بعبارة أخرى ، حبّ شخص ما كصديق. وهذا الحبّ الأخلاقي هو ما يدعو الشخص أو الشركات المسيحية للابتكار ليس بهدف الربح فقط لكن لتلبي بالفعل احتياجات العملاء والمجتمع كما تتمنى الأمر لنفسك. فمن وجهة نظر الله الغرض هو خدمة الناس.

الابتكار في الخدمة والكنيسة

أجد نفسي مشغولة الفكر في كمّ الابتكارات التي تم إنشاؤها بهدف تشتيت وإبعاد فكر الناس عن الإله الحقيقي. وكم هي المسؤولية الملقاة على عاتقنا لوضع حدّ لهذا الضياع. وفي هذا علينا أن نكون حذرين في تعريفنا لنوع المسؤولية تلك، فكأبناء لله نحن العاملون معه وليس العكس. نحن المدعوون للمشاركة في حلم الله وليس حلمنا . فليست ابتكاراتي هي التي تحقّق غرض الله وخطّته في الخلاص. فهو قادر على ذلك من خلالي أو بدوني. العمل هو عمله، ودوري أن أضع يدي في يده ليملأني بروحه ويستخدمني لتحقيق مشيئته كما فعل مع بصلئيل. يقول الكتاب المقدس: “وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: اُنْظُرْ. قَدْ دَعَوْتُ بَصَلْئِيلَ بْنَ أُورِي بْنَ حُورَ مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا بِاسْمِهِ، وَمَلأْتُهُ مِنْ رُوحِ اللهِ بِالْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَكُلِّ صَنْعَةٍ، لاخْتِرَاعِ مُخْتَرَعَاتٍ ….. وَفِي قَلْبِ كُلِّ حَكِيمِ الْقَلْبِ جَعَلْتُ حِكْمَةً، لِيَصْنَعُوا كُلَّ مَا أَمَرْتُكَ” خر 31 : 1-6.

نجد أن الرب يدعو بصلئيل وغيره لاختراع مخترعات وصُنْع ما أُمِر به. ومكّنه من ذلك عندما ملأه من روحه بعناصر الابتكار أي الحكمة والفهم والمعرفة وكل صنعة. مسؤوليتي اذًا هي التقرّب منه بالصلاة وقراءة كلمته الحيّة وتعلّم الإصغاء لصوته والاستعداد لعمل روحه فيّ والتجاوب مع ما يأمرني به من خلال الاستثمار الصحيح للوقت والوكالة (الموهبة) التي أمتلك. وكم هو رائع ومثمر عندما تتكاتف الجهود مع إخوتي في جسد المسيح الذي هو الرأس لنسمح بعمله الخلّاق فينا وقيادته لنا.

كلمة أخيرة:

كإنسان أن أمتلك القدرة على الابتكار تدعوني لأن أتواضع وأشكر صاحب الفضل في ابتكاري ومنحي هذه القدرة لا العكس. لكن للأسف كثير من الابتكارات كانت سببًا في ارتفاع قلب الإنسان وإشعال كبريائه وإبعاده عن الله. فاحذري أن تقعي في هذا الفخ، فإما أن نكون آلات للبرّ بيد الله أو آلات للشرّ بيد الشيطان. 

وفي تأمّلي لمحبّته لي وأفكاره من نحوي وقدرته العظيمة أجد نفسي أتساءل من أنا لأرتأي فوق ما ينبغي أن أرتأي. فكل ما أملك هو له، وهو صاحب العمل القادر في لحظة أن ينزع كل هذه المميّزات مني كما فعل مع نبوخذ نصر. لكن ومن ناحية أخرى أجد نفسي مسنودة غير متروكة. لأنّ صاحب الكلمة الأولى والأخيرة هو أبي، فمهما ضاقت الدنيا عليّ، والواقع يقول لا مخرج، نجده يقول “هأَنَذَا صَانِعٌ أَمْرًا جَدِيدًا. الآنَ يَنْبُتُ. أَلاَ تَعْرِفُونَهُ؟ أَجْعَلُ فِي الْبَرِّيَّةِ طَرِيقًا، فِي الْقَفْرِ أَنْهَارًا.” إشعياء 43: 19

استمتعي بابتكارات إلهك واخدمي، الآخرين بابتكاراتك. 


انضمي إلينا اليوم وكوني جزءًا من مجتمعنا المتنوع! سجّلي الآن وأنشئي ملفك الشخصي للاستمتاع بفوائد عديدة وتجارب فريدة داخل موقعنا.

#الابتكار #بلشي من هون #طرق جديدة