هل لعائلتي دور في تشكيل هويتي؟

باب: من أنا اليوم

الكاتبة: الإخصائية النفسية: دينا برقان

التاريخ: نوفمبر 9, 2023

هل تساءلتِ يومًا عن بعض تصرفاتك أو عاداتك؟ هل تساءلتِ لماذا تشعرين بعدم الرضا عن إنجازاتك بالرغم من أنَّ جميع مَن حولك يفخرون بها وأنتِ ترينها لا شيء؟ أو قد تقومين بعرض المساعدة على الآخرين وتقديم الخدمات لهم دون أن يطلبوها؟ قد تواجهين نفسك و تتساءلين لماذا تقومين بذلك. لماذا تكرِّرين بعض التصرفات أو لديكِ بعض الأفكار التي تعلمين أنها غير صحيحة أو بالأحرى مؤذية لكنك تقومين بتكرارها. وتبدو وكأنها جزء من شخصيتك، وتظهر خلال يومك بصورة تلقائية. 

من الممكن أنك قد قمت بالعديد من المحاولات للتغيير، كالتركيز على إنجازاتك أو صفاتك الإيجابية وربما قرأتِها وكرَّرتها يوميًّا. ولكنك تشعرين بهذا الشيء العميق في داخلك الذي يشدُّكِ لتعودي إلى التصرفات السابقة والأفكار الخاطئة عن نفسك. فتتساءلين: ما السبب وكيف تتخلَّصين منه؟ لنستطيع ذلك نحتاج إلى النظر بعمق إلى عائلتنا وتأثيرها علينا. فعائلتي بشكل عام والوالدين خصوصًا وطريقة تعاملهما معي له تأثير كبير في تشكيل صورتي عن نفسي وفكري وهويَّتي. ويظهر هذا التأثير من خلال ثلاثة عوامل:  

  1. الرسائل غير المباشرة: 

وتظهر من خلال تصرفات وردود أفعال الوالدين وليس بكلمات واضحة. فمثلًا قد يركز الوالدان على التحصيل الأكاديمي ويدفعونكِ لتكوني دائمًا الأولى وتحصلي على علامات كاملة. ولكن إذا لم تكن العلامات كاملة- وإن كانت من أعلى العلامات- فهي غير مقبولة ومرفوضة. وإذا كنت من المتفوقين ولكن لستِ في مقدِّمة الصف، فيقابل الوالدان ذلك بالغضب أو عدم النظر إليه على أنه إنجاز. مثل هذه التصرفات ترسل رسائل غير مباشرة بأنه مهما كان إنجازك إذا لم يكن كاملًا فهو لا شيء. مثال آخر على هذه الرسائل: “بنتي اللي بحبها هي الي بتساعدني بشغل البيت”. مثل هذه الجمل ترسل رسالة أنكِ تكونين محبوبة ومقبولة فقط عند تقديم الخدمات للآخرين. 

حاولي أن تسترجعي بعض المواقف والجمل التي كانت توجَّه لك باستمرار. وانظري متسائلة كيف ترتبط ببعض تصرُّفاتي وكيف أفكر عن نفسي. وعندما تجدين هذا الرابط تستطيعين أن تكسريه وتبدئي بتغيير هذه التصرفات والأفكار وبناء هوية جديدة.

  1. قصة وماضي الأم والأب: 

هل تتساءلين عن بعض تصرفات والديك وترين بعض التناقض في تصرفاتهما معك. أو أنَّ لديهما ردود أفعال غير مفهومة بالنسبة إليك وتقولين في نفسك: ما لذي فعلتِه ليتصرَّفا معكِ بهذه الطريقة؟

ربما تدفعكِ مثل هذه الاستفسارات إلى الرغبة في البحث عن جذور هذه الأفعال، وما يدفع والديكِ إلى مثل هذه السلوكيات. فهل فكرتِ بأن تنظري إلى ماضي والديك وكيف كانت عائلاتهما وما الظروف التي مرا بها وجعلتهما ما هما عليه الآن؟

 إنَّ الأب والأم هما أيضًا تأثَّرا بماضيهما وعلاقات عائلتَيهما معهما. وقد ينقلان ما تعرَّضا إليه في حياتهما إلى أبنائهما دون وعي منهما لذلك. قد تجدين أنَّ والدتك لديها بعض الصفات والتصرفات التي لدى جدَّتك، مع أنها تنتقد هذه الصفات وترفضها.

حاولي أن تتعرَّفي على ماضي والدَيك، وأن تفهمي قصتهما وما مرّا به خلال نشأتهما قبل أن يكونوا والدَين. اسأليهما عن عائلتهما، عن طفولتهما، عن أيام دراستهما. ستجدين أنَّ ذلك يجيب عن الكثير من تساؤلاتك السابقة ويساعدك أن تتفهمي الكثير من تصرُّفاتهما، وأنها ليست بسببك وإنما بسبب ماضيهما. سيساعدك أن تفهمي تأثير هذه السلوكيات على تشكيل هويتك. وسيساعدك أيضًا أن تكوني واعية لهذا الإرث النفسي فلا تنقلي ما لا ترغبينه منه إلى عائلتك في المستقبل. 

  1. ترتيبك في العائلة 

طوَّر عالم النفس ألفرد أدلر Alfred Adler نظرية حول تشكيل شخصية الفرد وهويته تعتمد على تفاعل مجموعة من العوامل العائلية والاجتماعية والبيئية. ومن هذه العوامل ترتيبك في العائلة إذ تختلف طريقة تعامل الوالدين مع الطفل باختلاف ترتيبه، وبالتالي يتأثَّر تشكيل هويتك بترتيبك في العائلة.

إذا كنتِ الطفل الأول

إذا كنتِ الطفل الأول فإنَّ اهتمام والديك كان منصبًّا عليكِ بالكامل، وينظران إليك على أنك الأقوى والأكبر. الشخص الذي يستطيع أن يتحمَّل المسؤولية وقادرة على حماية مَن هم أصغر منكِ، ويتوقَّعان منكِ أن تكوني الشخص الذي يحترم القواعد والقوانين ويُطبِّقها. فتتطوَّر شخصيتك لتصبحي الشخص المسؤول الذي يلجؤون إليك لمساعدتهم والاعتناء بغيرك. وتصبحين الشخص القيادي صاحب الإنجازات والذي يسعى دائمًا إلى أن يكون في المقدِّمة.

إذا كنتِ الطفل الأوسط

أما إذا كنت الطفل الأوسط، فقد تشاركت اهتمام والديك مع الطفل الأكبر. ولذلك تطوَّرت لديك روح تنافسية عالية لتحصلي على الاهتمام الكامل بالإضافة إلى القدرة على التأقلم والتكيف مع الظروف المختلفة وتطوير صفات وجوانب في شخصيتك تميِّزك عن الطفل الأكبر. وذلك لتعرُّضك للمقارنة معه ولذلك قد تظهرين كشخصية متمرِّدة على القواعد والقوانين، وذلك لتُظهري تميُّزك على الطفل الأكبر.

إذا كنتِ الطفل الأصغر

أما إذا كنت الطفل الأصغر، فأنتِ قد حصلت على اهتمام مختلف من الوالدين والإخوة الأكبر. فأنتِ طفلة العائلة ويحاول الجميع أن يقدِّموا الاهتمام والرعاية لكِ. وقد يكون هذا بطريقة مبالَغ بها، فتتطوَّر لديكِ الشخصية التي تتطلَّب الاهتمام بشكل دائم، وتتوقعين من الآخرين أن يتخذوا القرارات عنكِ ويتحمَّلوا المسؤولية. أمّا إذا كانت الفروقات العمرية كبيرة ولم تحصلي على الاهتمام الكافي وشعرتِ بهذه الفجوة بينك وبين إخوتك، فقد تتطوَّر شخصيتك لتصبحي أنتِ الشخص الناجح والمتفوِّق في العائلة. وذلك لتقلِّلي الفجوة في النمو والتطور مع إخوتك.

إذا كنتِ الطفل الوحيد

أما إن كنتِ الطفلة الوحيدة، فقد حصلتِ على اهتمام والدَيكِ بالكامل دون تغيير. وفي أغلب فترات طفولتك كانت تعاملاتك مع الأشخاص الأكبر، فلا يوجد إخوة تتعاملين معهم بشكل يومي. لذلك فقد تشعرين بأنك كنتِ أنضج من غيرك وتستخدمين أسلوبًا أكبر من عمرك في الكلام عندما كنت طفلة. بالإضافة إلى استمتاعك بالاهتمام المُطلَق وسعيك إليه وشعورك بالظلم عند عدم حصولك عليه. كما تصبحين شخصية حساسة أكثر ويصعب عليك التعاون مع الآخرين، وفي نفس الوقت تصير الثقة بالنفس لديك أكبر. 

ترتيبك قد يتغيَّر مع الوقت والظروف

إنَّ ترتيبك في العائلة قد يختلف مع اختلاف عدد الإخوة، فقد تكونين في البداية الطفلة الوحيدة ثم تصبحين الطفلة الأكبر. أو قد تتغيَّر الظروف في العائلة فيتغيَّر تعامل الوالدَين معكِ، فبدلًا من أن تكوني الطفلة الوسطى حسب ترتيب ميلادك قد تصبحين الطفلة الأولى التي يعتمد عليها والدَيكِ لحماية إخوتك والاعتناء بهم حتى الأكبر منكِ. لذلك قد تجدين لديك مختلف هذه الصفات التي تؤثر في تشكيل هويتك.

إنَّ هذه العوامل التي تحدثنا عنها تؤثر بشكل كبير في تشكيل هويتك. فقد تظهرين كشخصية تنافسية تسعى إلى التفوق والتطور دائمًا، أو كشخصية اعتمادية تسعى إلى أن تكون مركز اهتمام الجميع ولا ترغب في تحمُّل المسؤولية. لكن بعد أن تفهمي تأثير هذه العوامل تستطيعين أن تعملي على صقل هويتك بالطريقة التي ترغبين فيها فتُظهري الصفات التي ترغبين بها أكثر وتغيِّري صفات أخرى. 

جرِّبي أن تضعي قائمة بالصفات والأفكار التي ترغبين بتغييرها أو صقلها والتعامل معها. وحاولي أن تضعي مقابل كل صفة أو فكرة كيف أثَّر كل عامل من هذه العوامل على تشكيل هذه الفكرة أو الصفة. ثم حاولي أن تجدي طرقًا لتغيير هذه الصفات أو تحسينها أو إجراء بعض التعديلات. إنَّ قيامك بوضع هذه القائمة سيساعدك أن تري بشكل واضح وملموس هذه التأثيرات، وسيساعدكِ على إيجاد الحلول والطرق للقيام بالتغيير. وتذكَّري أنَّ التغيير والتطور عملية دائمة ومستمرَّة لا تتوقف. ونتائجها تظهر بطرق مختلفة وأوقات مختلفة، لذلك تحتاجين أن تكوني صبورة ومثابرة لتستطيعي الوصول إلى نتائج التغيير التي ترغبين بها. 

#ترتيب #صورة النفس #عائلة #هوية