دور الأم في الأسرة

باب: كيف أترك بصمة

الكاتبة: رانيا عماري

التاريخ: فبراير 5, 2024

المقدمة

أخذتني رائحة الطعام الذي طبخته يوم الأحد الماضي في رحلة عبر الزمن، لأستذكر أجمل الأيام عندما كانت أمي تستيقظ باكرًا لتحضّر لنا وجبة الغداء المعتادة للرحلات –ورق الدوالي-،  وتلاها سلسلة من ذكريات الزمن الجميل والأحداث المرتبطة بالبيت العائلي. الطّعام اللذيذ، الرّحلات الجماعيّة، الهفوات الطفوليّة، المشاعر المتنوعة من الفرح والحزن، لحظات الصّمت ولحظات الإنفعال، العلاقات والواجبات العائليّة، الرّعاية الصحية وغيره من الذكريات . وفي جميع هذه كانت أمي هي صاحبة الدور البطولي في أحداث هذا الفيلم الوثائقي الذي أخرجته أنا من أرشيف حياتي .ويا له من دور.

ما هو دور الأم في الأسرة؟

يحتمل سؤال مثل هذا العديد من الإجابات المتنوعة، وفي حقيقة الأمر تتباين الأدوار المخصصّة للأمهات بشكل كبير عبر الثقافات والسياقات التاريخية المختلفة. فعلى سبيل المثال، في العديد من الحضارات القديمة مثل اليونان وروما، كانت المرأة في المقام الأول هي المسؤولة عن إدارة الأسرة، بما في ذلك مهام الطبخ والتنظيف وتربية الأطفال، وكان يُتوقع منها غرس القيم الأخلاقية والتقاليد الثقافية في أطفالها، ولعْب دور حاسم في تعليمهم. أما في المجتمعات الزراعية حيث كانت الأسر الكبيرة شائعة، لعبت الأمهات دورًا محوريًا في الزراعة والمساهمة بالاستقرار الاقتصادي للأسرة إلى جانب تربية الأطفال. 

وفي القرن الماضي كان دور الأمهات أكثر مثاليًا كربة منزل وأم مسؤولة عن خلق بيئة مستقيمة أخلاقيًا، في حين كان الآباء هم المعيلين الأساسيين. لكن في القرن العشرين ومع ظهور حق المرأة في التصويت ودخول العديد منهن في سوق العمل بدأت أدوارهن بالتغيّر. وهي الآن غالبًا ما توازن بين مجموعة متنوعة من الأدوار، بما في ذلك الأبوة والأمومة، والمهن، والمسؤوليات المنزلية، بما يعكس التوقعات والأعراف المجتمعية المتغيرة. 

تلعب الأم دورًا متعدد الأوجه لا غنى عنه في عائلتها 
الأمان والرعاية العاطفية:

تقدم الأمهات الراحة والطمأنينة في أوقات الشدّة وتوفر بيئة آمنة لأولادها للتعبير عن مشاعرهم. وفي سعيها لفهم مشاعرهم ووجهات النظر دون أحكام، تظهر لهم التعاطف الذي يعزز الثقة والتواصل المفتوح داخل الأسرة. ولأنها تتمتع بمعرفة وثيقة بشخصيّات أفراد الأسرة واحتياجاتهم ونضالاتهم فهي قادرة على التوسط في النزاعات وتعزيز الانسجام والتفاهم. وهي تتميز بالمرونة والقدرة على مواجهة المصاعب لتكون ملهمة لأفراد أسرتها في إدارة التحدّيّات. وتخلق الأم ثقافة التقدير داخل الأسرة عندما تفتخر بإنجازاتهم مهما كانت صغيرة. إن حضنها الدافي بعد يوم شاق يؤكد لأفراد الأسرة كم هم محبوبون مهما حدث دون أحكام أو شروط، وهذا ما يمنحهم الاستقرار العاطفي. 

تسهم ما تقوم به الأمهات من تقديم الدعم والتعاطف والتفاهم والقوة والحب غير المشروط في الرفاهية العاطفية لكل فرد من أفراد الأسرة وتخلق أساسًا قويًا لحياة أسرية صحية ومتناغمة.

.تقديم الرعاية:

بالإضافة الى ما ذكرناه عن الرعاية العاطفيّة، تهتم الأم بالرعاية الجسديّة والصحيّة لأطفالها. فهي تسعى دائمًا لتلبية احتياجاتهم البدنية الأساسية مثل التغذية والاستحمام وارتداء الملابس وتوفير بيئة آمنة وصحيّة، جدولة المواعيد الطبية وحضورها. كما أنها تضع القواعد والقوانين لتعلّم أطفالها المسؤوليّة والاحترام والانضباط، وتسعى لتعديل سلوكهم عند الضرورة.

إدارة الشؤون اليومية للأسرة:

غالبًا ما تلعب الأمهات دورًا مركزيًا في إدارة الشؤون اليومية للأسرة، والتي تشمل مهام مثل إعداد الوجبات والتنظيف والتنظيم. يتطلب هذا الدور مزيجًا من المهارات التنظيمية والقدرة على القيام بالمهام المتعددة. فمثلًا عند تحضير الوجبات، تتحمل الأمهات مسؤوليّة تخطيط الوجبات وتسوق البقالة والطهي والتأكيد على حصول الجميع على وجبات مغذّية ومتوازنة. وهذا يتطلب الكثير من المهارات التنظيمية مثل تخطيط القوائم الأسبوعية وإنشاء قوائم التسوق وتنسيق الأوقات. ويتطلب الأمر كذلك القيام بالمهام المتعددة مثل إعداد أطباق متعدّدة، وإدارة أوقات الطهي وغيره من المهام. 

تشرف الأم على نظافة المنزل وصيانته، بما في ذلك تنظيف الغرف وغسل الملابس. وتسعى كذلك على الحفاظ على أسرة منظمة، تشمل ترتيب المساحات، وإدارة الشؤون المالية، وتتبع المواعيد، وخلق بيئة مريحة ومنظمة تعزّز نوعية الحياة الأسرية وتحسّن أداءها. 

الدور في التعليم:

غالبًا ما تلعب الأمهات دورًا مهمًا في تعليم أطفالهن، من خلال التوجيه وتقديم التفسيرات عند الحاجة، القراءة والكتابة في الطفولة المبكرة. والمشاركة بالأنشطة المدرسية أوالأنشطة اللامنهجية مثل دروس الموسيقى أو الرياضة، لرعاية اهتماماتهم ومواهبهم. وقد تسعى الأم لتعزيز الفضول وحب التعلم عند أطفالها من خلال الإجابة على تساؤلاتهم، وتشجيعهم على الاستكشاف. وتعريضهم لتجارب تعليمية متنوعة، الذي بدوره قد يغرس شغفًا للتعلم مدى الحياة. 

تؤثر مشاركة الأم في تعليم أطفالها على النجاح الأكاديمي والتنمية الشخصية لهم، وتعزز الثقة بالنفس واحترام الذات، وتحسّن مهارات التواصل والحوار، وتطور النموالمعرفي والاجتماعي والعاطفي. ومع ذلك، قد تكون هذه المشاركة صعبة بسبب ضيق الوقت والفجوات التعليمية وخطر التوتر والإرهاق. إن إيجاد توازن بين الدور التعليمي والمسؤوليات الأخرى أمر بالغ الأهمية لكل من الأمهات ورفاهية الأطفال.

الحفاظ على الروابط العائلية:

غالبًا ما تلعب الأمهات دورًا حاسمًا في الحفاظ على الروابط والعلاقات الأسرية القوية. وتشمل أدوارهن الوساطة في النزاعات، وتيسير التواصل، وتعزيز الوحدة، والدعم العاطفي، والحفاظ على التقاليد والقيم العائلية.

فعلى سبيل المثال يخلق العمل الجماعي في الأسرة  كتنظيم ليلة ألعاب عائلية أسبوعية أو نزهة شهرية إلى الحديقة فرصًا لأفراد الأسرة لقضاء وقت ممتع معًا ويعزز شعورهم بالوحدة. كذلك نجد أن الأم بدورها كصانعة سلام تتوسط في النزاعات لحل الخلافات بين أفراد الأسرة. سواء بين الإخوة أو بين الوالدين والأبناء مما يضمن سلامة البقاء على هذه الروابط العائلية. ونجد أن الأم تشجع على التواصل المفتوح والصادق بين أفراد الأسرة فتخلق بيئة آمنة لهم للتعبير عن الأفكاروالعواطف. وأما دورها في غرس القيم والأخلاق في نفوس الأطفال واهتمامها بالتقاليد والطقوس العائلية والمحافظة عليها فأنه يخلق شعورًا بالاستمرارية والانتماء. 

في الختام

هناك توقعات كثيرة حول دور الأم في أسرتها، وهذه التوقعات تتباين بين الثقافات المتنوعة كما ذكرت سابقأ. فما هو مقبول في بلد عربي قد يختلف عنه في أوروبا أو أمريكا أو أي ثقافة أجنبية. لكن ما هو أكيد أن للأم دورًا متعدد الأوجه ولا غنى عنه في عائلتها، وهذا الدور لا يستهان به ويشكل تحديًا من حيث الوقت والطاقة. فقد تجدين نفسك مستنزفة جسديًا وعاطفيًا خاصة إن كنت امرأة عاملة وهذا من شأنه أن يؤثر على أدائك كامرأة وأم وزوجة. لذلك أنصحك صديقتي بالتنوع في استخدام استراتيجيات فعالة تسهم بخلق التوازن التي ترغبين به ويفضي الى النتائج المرجوة مثل تطوير مهارات إدارة الوقت، العمل بدوام جزئي أو عن بعد، الاعتماد على الشركاء أو أفراد الأسرة أو خدمات رعاية الأطفال لتقاسم عبء تقديم الرعاية. ممارسة التمارين الرياضية وتقنيات الاسترخاء وإيجاد الوقت للاهتمامات الشخصية.

أتمنى لك التفوق الدائم والتأثير الايجابي في حياتك وحياة من تحبين

المصادر
  • Women’s Life in Greece and Rome” by Mary R. Lefkowitz and Maureen B. Fant.
  • A History of Women in the West, Volume I: From Ancient Goddesses to Christian Saints” edited by Pauline Schmitt Pantel.
  • “Women in Medieval Europe, 1200-1500” by Jennifer Ward
  • “Good Wives: Image and Reality in the Lives of Women in Northern New England, 1650-1750” by Laurel Thatcher Ulrich.
  • The Globalization of Motherhood: Deconstructions and Reconstructions of Biology and Care”
#الأسرة #الأم #ترابط #دور الأم