الاختلاف حق وحاجة إنسانية.. أربعة مفاتيح لقبول الآخر

باب: كيف أترك بصمة

الكاتب: فؤاد قاقيش

التاريخ: نوفمبر 9, 2023


يُحكى أنَّ جماعة من الضريرين قد سمعوا أنه جاء إلى بلدتهم حيوان عجيب يُدعى الفيل، وما كانوا قطّ قد شاهدوا صورته قبل أن يفقدوا نظرهم ولا حتى سمعوا اسمه، فقالوا الضريرين أنه لا بدَّ لنا من مشاهدته ومعرفته باللَّمس الذي نقدر عليه، فطلبوه. ولما وصلوا إليه لمسوه، فوقعت يد بعضهم على قدمَيه ووقعت يد أخرى على نابه وأخرى على أذنه، فقالوا قد عرفنا. وانصرفوا، وعندما سألهم أهل البلدة ماذا رأيتم،

  • قال الذي لمس قدم الفيل: إنَّ الفيل ما هو إلا مثل أسطوانة خشنة الظاهر إلا أنه ألين منها.
  • وقال الذي لمس الناب: ليس كما يقول صديقي السابق بل هو صلب لا لين فيه، أملس لا خشونة فيه، وليس في غلظ الأسطوانة أصلاً بل هو مثل عمود.
  • وقال الذي لمس الأذن: لا هو ليِّن وفيه خشونة، ليس هو مثل عمود ولا  مثل أسطوانة، وإنما هو مثل جلد عريض غليظ.

    فكل واحد من هؤلاء صدَّق من وجهة نظره أو خبرة لمسهِ، إذ أخبر كلُّ واحد بما أصابه من معرفة الفيل، وما شعر به من خلال لمسة يده.

إنَّ قبول الآخر هي ثقافة الحُبِّ والعطاء، ولا بدَّ للإنسان من تعلُّم هذه الثقافة وممارستها لكي تبقى البشرية في سلام، وإلا كانت النتيجة انتهاء الإنسانية في دمار بعضنا الآخر.

أربعة مفاهيم بالغة في الأهمية لقبول الآخر

لهذا دعينا نضع أمامكِ صديقتي أربعة مفاهيم علينا فهمها جيِّدًا؛ لنتعلَّم ثقافة قبول الآخر: 

  1. كوني واعية بأنَّ الخبرات التي تمرين بها كل يوم تزيد من آفاق رؤيتك للأمور 

يمكنك سؤال نفسك: هل سبق ورأيتِ أحدًا ما وقمت بتقييمه بسلبيَّة وندمتِ بعد ذلك؟ هل اتَّهمتِ إحداهنَّ بالكبرياء وشعرتِ أنَّكِ تسرَّعت في التقييم، وكانت هذه الإنسانة متواضعة ليست كما كانت نظرتك الأولى لها؟ أعتقد أننا في حياتنا الآن نضع تصنيفات لبعض الأشخاص، وهذه التصنيفات خاطئة تمامًا وهي مقتصِرة على رؤيتنا المحدودة للأمور. نعم إنَّ الإنسان كائن محدود، وبالطبع محدوديته تحتِّم عليه يا عزيزتي أن لا يرى الآخرين من كل الجوانب إلا بعد عِشرة كبيرة، وانفتاح كبير، وتعلُّم ثقافة قبول الآخر بكل الأبعاد. 

  1. إنسانيتكِ لا تتمُّ دون الاهتمام بمشاعر الآخر والتعاطف معه

 إنَّ الاهتمام العميق بالآخرين ومشاعرهم واحتياجاتهم وآلامهم وأفراحهم، هو من أهمِّ أسرار قبول الآخر. إنَّ تقديمك صديقتي لمشاعر المحبة والاهتمام الصادق والتعاطف، لا بدَّ أن يُثمر جاذبية فى الشخصيَّة وترحيبًا بك من القلب. وما أجمل عبارة الزعيم المصري مصطفى كامل باشا الذي قال: «ما استحقَّ أن يولَد مَن عاش لنفسه فقط»؛ أي أنه لا تُعتبَر حياته حياة حقيقية، مَن يتمركز حول نفسه، ولا يخرج منها ليندمج بالحبِّ مع الآخر. إنَّ الاهتمام بالآخر هو الجسر الذهبيُّ الذي يفتح لكِ القلوب نحو التأثير فيها، حيث تعبرين من الأنا إلى الآخر. عندما تُبدي صديقتي اهتمامًا صادقًا مُخلِصًا بكلِّ ما يهمُّ الآخرين والفريق، فإنكِ تنالين في قلوبهم المكانة والحُبَّ والتقدير، بل ويبحثون عنكِ دائمًا.

الثقافة

  1. لا توافقي الثقافة التي نشأتِ بها إن كانت ترفض الاختلاف

لقد أجبرَتنا الثقافة على التعامل مع فريق كرة القدم الذي نحبّه، وكأنه عنصر انتمائي، الذي بسببه لا مشكلة في أن أخسر العلاقات المختلفة عني. هذا مجرَّد مثال، والمثال الصحيح هو أن نحيا من أجل أن نكون جيلًا متفتِّحًا ومنفتحًا على العالم من حوله: يتقبَّل نفسه، ويتقبَّل التنوُّع والاختلاف في خلق الله، جيلًا يعي تحمُّل مسؤولية أفعاله وسلوكه والآراء النابعة عن معتقدات صحيحة ترسَخ في عقله، بحكم التَّنشئة والتَّعليم والثَّقافة والفهم الصحيح لمبادئ الحياة الأساسية. إنَّ الرفض والنبذ والتمييز والوصم داخل المجتمعات يؤدّي إلى تأثير كبير على النواحي النفسية والوجدانية والسلوكية لدى المنبوذين والمهمَّشين داخل تلك المجتمعات، الأمر الذي ينعكس سلبًا على المجتمع بأثره في شكل تطرُّف فكري وإرهاب، وعنف، وتنمُّر، وتحرُّش، ونبذ، وعدائية، وقتل، أو إقصاء الآخر المختلف ورفضه شكلًا وموضوعًا، دون أن أعرف أو أتعلَّم: مَن هو الآخر هذا؟ لماذا هو مختلف عني؟

نحن في أمس الحاجة اليوم إلى الوقوف ضدَّ رفض الاختلاف والتنوُّع، ونحتاج الآن إلى تعديل تلك المفاهيم المغلوطة المترسِّخة في أدمغة العديد من أفراد المجتمع، والتي تسبَّبَت في انهيار مجتمعات بأكملها. ونجد مثالًا واضحًا عليها أيضًا في التمييز بين الرجل والمرأة في مجتمعاتنا العربية. 

  1. لا تقعي في الأخطاء الفكرية المنطقيَّة السَّبعة في قبول الآخر، واعرفي التالي: 
  • أنا لستُ أنتِ.
  • ليس شرطًا أن تقتنعي بما أقتنع به.
  • ليس من الضرورة أن ترَي ما أراه.
  • الاختلاف شيء طبيعيٌّ في الحياة.
  • الإنسان كائن محدود ويستحيل أن يرى بزاوية 360°.
  • ما تصلحين له أنتِ قد لا أصلح له أنا. 
  • الإبخاس في عمل الآخرين.
  • ابحثي عن صوابي؛ فالخطأ منِّي طبيعيٌّ.

الرجل الأخضر

وكما ابتدأتُ بقصة من الخيال، أودُّ أن أختم هذا المقال بقصة خيالية أخرى بعنوان “الرجل الأخضر”. 

في إحدى المدن الخضراء يعيش رجل أخضر، يسكن في بيت أخضر له باب أخضر وشبابيك خضراء.

كانت له زوجة خضراء وولدان خضراوان، وفي الليل كان ينام في سرير أخضر ويحلم أحلامًا جميلة خضراء.

في صباح يوم أخضر، استيقظ الرجل ولبس ملابسه الخضراء، ثم انتعل حذاءه الأخضر، ووضع على رأسه قبَّعته الخضراء وخرج من بيته متوجِّهًا إلى سيارته الخضراء، ركبها وانطلق بها مسرِعًا. كان يومًا مُشمِسًا، أزهار خضراء على جانب واحد من الطريق وعلى الجانب الآخر بحر أخضر.

كان ذلك يومًا جميلًا، فكان الرجل الأخضر سعيدًا يُغنّي وينظر إلى جانب الطريق، وإذا به يرى رجلًا أزرق، فأوقف سيارته بسرعة ونزل منها، وسأل الرجل الأزرق: “ماذا تفعل هنا؟”

فأجابه الرَّجل الأزرق: “أنا من قصَّة أخرى”!

نعم، فكلٌّ منا له قصة وحكاية، وما أجمل أن تجتمع كلُّ الحكايات بالحُبِّ وقبولِ الآخر! 

ماذا عن قصَّتكِ أنتِ؟

المراجع : 

الأنبا موسى، (الأحد،12، 7، 2020 )، ثقافة قبول الآخر، المصري اليوم 

النعيمي، لطيفة.( 2019). فنّ قبول الاختلاف. العرب للنشر والتوزيع. 

social acceptance and rejection.phcologicalsience.org

#اختلاف #قبول #مشاعر #وعي