أبي وأمِّي: ألدُّ أعدائي أم أعزُّ أصدقائي؟

باب: من أنا اليوم

الكاتبة: كارولين فاخوري

التاريخ: نوفمبر 14, 2023

علاقتنا مع والدَينا من أكثر العلاقات عُمقًا في حياة كلِّ واحدة منَّا. ومع هذا فهي أكثرها تقلُّبًا مع اختلاف المراحل العمريَّة للحياة. ففي طفولتنا المبكِّرة نعتمد على والدَينا في كلِّ كبيرة وصغيرة لحمايتنا، وتعليمنا سُبُل الحياة والمهارات المطلوبة للتَّعامل مع مختلف نواحيها. وفي الطُّفولة المتأخِّرة نعشقهما عِشقًا لا يجارينا فيه أحد. إذ يُسَدِّدان كلَّ احتياج لدينا ويوجِّهاننا لتأسيس العلاقات البنّاءة لحياتنا ضمن العائلة، والأقارب، والمدرسة، والصَّداقات الاجتماعيَّة. ومن ثم نصل إلى مرحلة المراهقة.

المراهقة

فنبدأ بتحدِّي الحدود الَّتي يضعانها لنا الوالدين ونحاول تخطِّيها في محاولات مُستميتة للحصول على الاستقلاليَّة والحُرِّيَّة.ويبدأ في هذه المرحلة صراع دائم بين الوالدَين وابنتِهِما المراهقة. إذ يحاولان تعليمها احترام العادات والتَّقاليد وحمايتها من مخاطر الحياة من جهة. وتقبُّل تحوُّل طفلتهما الصَّغيرة إلى شابَّة تسعى لبناء حياتها مع التَّعامل مع الأخطاء الَّتي تُصِرُّ على ارتكابها بسبب رفضها الانصياع لتوجيهاتهما من جهة أخرى. بينما تحاول هي اكتشاف معنى الحُرِّيَّة والاستقلاليَّة، والتَّعامل مع التَّغييرات الهرمونيَّة والجسديَّة الَّتي تحدث لها خلال هذه الفترة. والتَّوغُّل في نوع جديد من العلاقات، وسبر غور المشاعر المُتضارِبة. في أغلب الأحيان، ينتهي سنُّ المراهقة بعلاقة متزعزعة مع الوالدَين. إن فشل الطَّرفان (الوالدان والابنة) في تعلُّم أسس التَّواصل الصَّحيحة، وتقديم الدَّعم الصِّحِّيِّ الَّذي يحتاج إليه الطَّرفان في هذه الفترة. 

عزيزتي

وها أنتِ عزيزتي في العشرينيَّات من عمرك وربما الثَّلاثينيَّات، حيت انتهيتِ من براءة الطُّفولة وشقاوة المُراهقة. وبتِّ تتوقين إلى الاستقرار العاطفيِّ وإيجاد معنى لحياتك. في هذه المرحلة، من أولى العلاقات الَّتي تحتاجين إلى بنائها (أو ربما إعادة بنائها) هي علاقتك بوالدَيكِ. إذ تكتشفين فجأة أنَّ والدَيكِ قد كبرا في السِّنِّ، وغطَّى الشَّيب شعرهما. وتكتشفين أنَّهما حكيمان وقادران على تقديم النَّصيحة الإيجابيَّة الَّتي سعيتِ للبحث عنها في كلِّ مكان ولم تجديها. إلَّا عندما عُدتِ دامعةَ العين إلى البيت، فانفتحَتْ عيناكِ على شخصَين موجودَين هاهُنا يصلُحان لأن يكونا ضمن علاقاتِك الأساسيَّة. 

استمتعي خلال هذه الفترة باكتشاف ما يمكن أن يقدِّمه لكِ والدَيكِ من مشورة مفيدة، فيُعَلِّمانِك زبدة ما تعلَّماه من حياتَيهما. فإنْ كنتِ تعملين، فتعلَّمي منهما احترام مكان عملك الَّذي يوفِّر لكِ لقمة العيش الَّتي تؤمِّن لكِ القدرة على تسديد احتياجاتِك الشَّخصيَّة. لكن تعلَّمي أيضًا ترك أعباء العمل في المكتب إذ أنَّ هناك حياة تنتظرك لتعيشيها في الخارج، ومسؤوليَّات وواجبات تقضينها في بناء حياتِك المستقبليَّة. وإن كنتِ قد تزوَّجتِ، فتعلَّمِي منهما احترام زوجِك وكيفيَّة التَّواصل المُحِبِّ معه والعمل معًا للعناية ببَيتِكما. ولا تنسَي أن تتَّصلي مع ماما لتسأليها كيف تعدِّين كذا وكذا أو تسألي بابا كيف أفعل هذا أو ذاك. وإن كنتِ قد أنجبتِ طفلاً أو طفلةَ تملأ بيتك ضحكًا. عندها لا غِنى عن والدَيكِ لتعليمِك كيفيَّة العناية بفلذة كبدك. وتقبُّل التَّغييرات المُتسارِعة الَّتي تحدث في حياتكم مع مرور الأيَّام والشُّهور والسَّنوات.

لا تنسَي أنَّ والدَيكِ قد قدَّما لكِ على مرِّ السِّنين قدوةً (أرجو أن تكون صالحة) في بناء العلاقات الاجتماعيَّة، والمحافظة عليها، وصيانتها عند اللُّزوم. وعلَّماكِ والديك القيم الأساسيَّة للحياة والمبادئ الَّتي تجعل منكِ إنسانة مُنتِجة إيجابيَّة مُحِبّة مِعطاءة قادرة على تحمُّل أعباء الحياة بنجاح. أمَّا إن لم تكن القدوة الَّتي قدَّماها لكِ مفيدة. فأنتِ الآن تعرفين ما يجب أن تتجنَّبيه وأن ترفضي تكراره في حياتِك، فتعيشين حياة هانئة بعد أن تعلَّمتِ -رغمًا عنكِ- من أخطائِهِما. 

#الأب والأم #الأهل #صداقة #عداوة #علاقة